دخل الخلاف والانقسام الفلسطيني مرحلة جديدة، بإعلان الرئيس محمود عباس، أول من أمس، أنّ الإجراءات القانونية بإلغاء المجلس التشريعي قد بدأت بالفعل، عبر قرار المحكمة الدستورية حل المجلس والدعوة إلى انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر.
والمجلس معطل منذ الانقسام الفلسطيني في عام 2007. وتعقد حركة "حماس"، التي تحظى بالأغلبية البرلمانية فيه، جلسات في مقره بمدينة غزة، يحضرها بعض المستقلين، فيما تغيب عنها حركة "فتح" و"الجبهة الشعبية" وآخرون، فيما دخل أخيراً على خط الحضور نواب تيار القيادي المفصول من "فتح"، محمد دحلان، لكنهم لا يحضرون كل الجلسات. ولا يمنح القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003 وتعديلاته، عباس، صلاحية حل المجلس التشريعي. وتنتهي قانوناً ولاية المجلس بانتخاب أعضاء جدد وتأديتهم اليمين القانونية. كما أنّ القانون نص على أنه في حال شغور منصب الرئاسة يكون رئيس المجلس التشريعي رئيساً للسلطة الفلسطينية حتى الانتخابات.
وحتى الدعوة إلى الانتخابات العامة في ظل الانقسام "وصفة" لصراع أعقد وأكثر صعوبة، إذ إنّ مخرجات أي انتخابات في ظل الانقسام والاحتراب الداخلي لن تطبق، وستضيف مزيداً من التعقيد إلى المشهد الداخلي المعقد أصلاً، وربما تصل إلى اقتتال جديد. وفي الشكل أيضاً، فإن المحكمة الدستورية جرى تشكيلها من قبل عباس بقرار "يخالف أحكام القانون الأساسي وأحكام قانون المحكمة الدستورية"، ولم تتم مراعاة الإجراءات القانونية في اختيار وتعيين قضاة هذه المحكمة، وأعضاؤها فاعلون في حركة "فتح"، وفق أكثر من مصدر. أما في المضمون، فيبدو أنه قرار سياسي، يريد منه عباس الضغط على "حماس" أكثر، بعد إعلانه، أكثر من مرة، أخيراً، النية لاتخاذ قرارات لإجبارها على الذهاب للمصالحة وتسليم قطاع غزة للسلطة ولحكومة الوفاق الوطني. وردّت "حماس" على القرار بالرفض، وأوضحت أنه "ليس له أي قيمة دستورية أو قانونية، ولا يعدو كونه قرارا سياسيا لن يغير من الواقع شيئاً، إذ إن المجلس التشريعي سيد نفسه، والمحكمة الدستورية باطلة في تشكيلها، وما بُني على باطل فهو باطل". وذهبت معظم الفصائل الفلسطينية إلى نفس المنحى، بالتأكيد أنّ القرار سياسي، وسيعمل على تعميق الانقسام الداخلي، وسيزيد من التراشق الإعلامي. ودعت إلى لقاءات وطنية لتجاوز المرحلة الحساسة التي تعيشها القضية الفلسطينية.
من جانبه، قال عضو المجلس التشريعي عن حركة "حماس"، يحيى موسى، لـ"العربي الجديد"، إن قرار حل المجلس التشريعي "قرار سياسي بامتياز، أخرجته مؤسسة غير قانونية جرى تشكيلها بالأساس بعيداً عن التوافق الوطني". وليس من صلاحيات المحكمة الدستورية، وفقاً لقرار إنشائها، أن تقوم بحل المجلس التشريعي، كونه مؤسسة محصّنة، وفقاً للقانون الأساسي الفلسطيني، ولا توجد طريقة لحله إلا باستلام مجلس تشريعي جديد منتخب أعماله خلفاً للمجلس الحالي، وفق موسى. ويلفت موسى إلى أنّ الهدف من القرار "تدمير النظام السياسي والتمهيد لتطبيق صفقة القرن، بالتوافق مع الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يتطلب تحركاً فصائلياً ووطنياً للوقوف في وجه هذا القرار". وأوضح أنّ المجلس التشريعي سيد نفسه، وسيبقى يمارس أعماله بشكل كامل في قطاع غزة كما كان في المرحلة السابقة، خصوصاً أن عباس يعطل عمله في الضفة الغربية المحتلة، ويمنع انعقاد الجلسات الخاصة بالمجلس منذ الانقسام في عام 2007.
ومن الجانب القانوني، أكد الأمين العام للمجلس التشريعي في غزة، والخبير القانوني، نافذ المدهون، لـ"العربي الجديد"، أن قرار حل المجلس التشريعي فيه العديد من المخالفات الدستورية والقانونية، بدءاً من قرار تشكيل المحكمة الدستورية التي شُكلت من قبل عباس خلافاً لأحكام قانون المحكمة، الذي يؤكد على ضرورة إنشائها في إطار وضع سياسي وإطار إجراءات مختلفة، وهو ما يتعارض مع قانون المحكمة الدستورية رقم 3 لعام 2006. وأوضح المدهون أن القرار صدر بعد أن انتهت ولاية عباس منذ عام 2009، ولم يتم التمديد له إلا من قبل الجامعة العربية التي لا علاقة لها بالنظام السياسي الفلسطيني، وبالتالي فإن قرار تشكيلها صدر عن شخص لا يتمتع بالصلاحية الدستورية.
وفي حال التسليم بصحة تشكيل المحكمة، فإن المادة 24 من قانون المحكمة الدستورية حددت صلاحيتها على صعيد حصر مهامها، ولم تتطرق إلى حل المجلس التشريعي، وبالتالي فإن المحكمة نظرت في موضوع خارج إطار صلاحياتها القانونية المقتصرة على النظر في قضايا الخلافات القانونية والفصل بين السلطات أو النظر في فقدان الرئيس للأهلية، وفق المدهون. والأصل القانوني، كما يرى المدهون، أن يجري اختيار رئيس مؤقت لمدة 60 يوماً، على أن يقوم هذا الرئيس بالإعلان عن انتخابات رئاسية بعد انتهاء هذه المهلة، ثم يدعو الرئيس المنتخب إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة تنتهي باستلام المجلس أعماله. واعتبر الأمين العام للمجلس التشريعي في غزة أن هذا القرار غير دستوري وباطل، إلى جانب كافة القرارات الصادرة عن المحكمة، كونها صدرت عن جسم لا يتمتع بالصلاحية القانونية والدستورية وجميع أعضاء المحكمة هم من أعضاء حركة "فتح" وفاعلين فيها. من جهة ثانية، كان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، صائب عريقات، يدافع عن القرار، معتبراً، في حديث لإذاعة "صوت فلسطين"، أن "قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي ينسجم مع قرار المجلس الوطني إنهاء مرحلة السلطة والانتقال إلى مرحلة الدولة". وقال "هناك مشروعان، مشروع لمنظمة التحرير الساعي إلى إقامة دولة فلسطينية، ومشروع حركة حماس الهادف إلى تكريس الانقسام وتحويله إلى انفصال في غزة".