بأحكام نافذة، غير قابلة للاستئناف والطعن، أُسدل الستار في غزة، على قضية محاكمة قتلة القيادي في كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مازن فقهاء، الذي اغتيل بخمس رصاصات جنوبي مدينة غزة، في 24 مارس/آذار الماضي، وحمّلت الحركة إسرائيل المسؤولية عنها.
وأصدرت محكمة الميدان العسكرية، الأولى منذ سنوات طويلة، أمس الأحد، أحكاماً نهائية على القاتل المباشر ومساعديه الاثنين. ويُعدّ الحكم سابقة في غزة، بعد إعلان رئيس المكتب السياسي الجديد لـ"حماس"، إسماعيل هنية، أنّ "المجرمين ستتم محاكمتهم وفق العدالة الثورية". وهي أسرع محاكمة عسكرية، بأحكام نهائية غير قابلة للاستئناف، وقد جرت جلساتها منذ الكشف عن خيوط عملية الاغتيال بشكل يومي. وحُكم على القاتل المباشر (أ.ل) بالإعدام شنقاً، ومثله المتخابر (هـ.ع)، فيما أصدر الحكم بالإعدام رمياً بالرصاص على المتخابر (ع.ن)، وتتوقع مصادر محلية أنّ تُجرى عملية تنفيذ الأحكام في وقت قريب.
ويشير رئيس المجلس الأعلى للقضاء العسكري في غزة، ناصر سليمان، إلى أنّ "أحكام محكمة الميدان العسكرية نهائية وواجبة النفاذ، لا تقبل أي وجه من أوجه الطعن حسب نص المادة 133 من قانون العقوبات الثوري لعام 1979". ويرجع سليمان أسباب تشكيل محكمة الميدان إلى "الخطورة الإجرامية لهذه القضية، وممارسة الاحتلال لعمليات حربية ضد الشعب الفلسطيني، وعندما يكون هناك جرائم كبيرة مرتكبة من قبل الاحتلال أو المتعاونين".
ورغم الارتياح العام في الشارع الغزّي للحكم، وتوقع تطبيقه في وقت قريب، إلا أنّ حقوقيين يرون أنّ المحاكمة بهذه السرعة "تعد غير عادلة وتفتح المجال للتشكيك في إجراءاتها، وما رافقها"، فالعدالة ليست ثأرية، ويتوقع أنّ يكون للحكم النوعي الصادر من غزة ردود فعل محلية ودولية مختلفة.
ويشترط القانون الفلسطيني مصادقة الرئيس محمود عباس على تنفيذ قرار الإعدام، لكن في غزة جرت العادة أخيراً في ظل الانقسام ورفض الرئيس التعامل مع القضاء الغزّي، تجاوز هذه القضية عبر مصادقة المجلس التشريعي، الذي يقول القائمون على الحكم في القطاع إنه المؤسسة الشرعية الوحيدة المتبقية فلسطينياً.
ويشير الكاتب ثابت العمور، في حديث لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ "المحاكمات الثورية ليست وليدة اللحظة، وهي قانون نشأ في كل الدول التي شهدت ثورات ضد الاحتلال، موضحاً أنّ قانون المحاكمات الثورية الفلسطيني صدر منذ عام 1979".
ويعاقب القانون كل فلسطيني قام بالتخابر مع العدو الصهيوني ويختص بعناصر بعينها وهي العناصر العسكرية والأمنية، ولا يحاكم المدنيون في المحاكم الثورية، وفق العمور، الذي يلفت إلى أنّ "عناصر الأمن أو الجيش أو العسكريين سواء كانوا نظاميين أو ثوار هم من يُقدمون للمحاكم الثورية".
ويوضح أنّ "دلالات المحاكمة التي جرت أمس تشير إلى أن كل من تثبت عمالته وتخابره مع العدو سيتم إعدامه شنقاً أو رمياً بالرصاص، والأولى عقوبة أكبر من الثانية، رغم أن كلاهما تُفضي للموت"، موضحاً أنّ "المحاكمات الثورية سريعة وتصدر الأحكام فيها وتنتهي الإجراءات بسرعة وتتعلق بشريحة معينة".
وهذه المرة، وفق توقع العمور، إنّ "تنفيذ أحكام الإعدام ستكون علنية، بخلاف المرات السابقة، وذلك لخطورة الجريمة التي تمت بحق الشهيد مازن فقهاء، ولها دلالة أخرى إلى أنه لا رحمة ولا تراجع أو استعطاف لكل من ثبت تخابره مع الاحتلال، ولن يبقى معتقل يأكل ويشرب لسنوات إلى أن تتم محاكمته".
ويلفت إلى أنّ "التوجه العام في غزة بات يقضي بضرورة الانتهاء من ملفات العملاء والمتخابرين مع إسرائيل خلال وقت سريع، وربما هناك خشية من هروبهم أو تهريبهم إذا ما حدثت حرب وقصفت السجون، فربما يهرب هؤلاء العملاء الخطرون.
وباتت القضية قضية رأي عام أيضاً، رغم الاعتراضات الداخلية ومواقف المنظمات الدولية التي لا تعترف بالمحاكمات الثورية، غير أنه ربما يتم تقنين الإجراءات، ولكن ما يحدث خطير، والأمر به نوع من الردع، وبالتالي لن يتوقف رغم كل شيء".
ويشير العمور إلى أنّ "القانون الثوري لا يعني أنّ الإجراءات دائماً سليمة، فبعض المحاكمات لا تخلو من تجاوزات، لكنّ الحالة الثورية مختلفة عن الدول المستقلة والمستقرة، والحالة الفلسطينية لا تتعاطف مع العملاء رغم اختلاف مهامهم وجرائمهم، ولكن كل من ثبت أن له علاقة بالاحتلال يحاكم ويعدم، هذه هي عيوب المحاكم الثورية".
وفي إطار الرفض الحقوقي، أعلن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن "الاستعانة بمحكمة الميدان العسكرية، هي انتهاك للحق في محاكمة عادلة والحق في التقاضي أمام القاضي الطبيعي". وأكد في بيان أن "قانون العقوبات الثوري لسنة 1979 وأصول محاكماته، هي قوانين غير دستورية وتخالف التزامات السلطة الفلسطينية على المستوى الدولي".
يذكر أن "محكمة الميدان" هي إحدى الوسائل القضائية التي نصّ عليها قانون أصول المحاكمات الثوري في المادة (11) منه، وهي محكمة ذات صلاحيات مطلقة تُصدر أحكاماً غير قابلة للاستئناف. ويشكّل هذا الأمر خرقاً واضحاً للقانون الأساسي الفلسطيني، تحديداً المادة (30)، وكذلك انتهاكاً واضحاً لالتزامات السلطة الفلسطينية بموجب العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، خاصة المادة (14).