أنهى البرلمان المغربي بغرفتيه (النواب والمستشارين)، مساء أمس الثلاثاء، الدورة التشريعية الربيعية على إيقاع التباين بشأن حصيلة عمله خلال السنة الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة.
وفي الوقت الذي تنتفد فيه كتل المعارضة البرلمانية الحصيلة وتعاطي الحكومة مع المبادرة التشريعية للبرلمان، تؤكد الكتل النيابية للأغلبية الحالية أن السنة التشريعية الأولى، سواء على المستوى التشريعي أو الرقابي أو على صعيد اشتغال اللجان البرلمانية كانت إيجابية.
وبرأي رئيس فريق "التجمع الوطني للأحرار" (قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب) محمد غياث، فإن حصيلة المجلس خلال هذه السنة التأسيسية من عمر الولاية التشريعية كانت إيجابية، موضحاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها "سنة عرفت أداء سياسياً وتشريعياً ورقابياً ودبلوماسياً مهمّاً للمجلس، خصوصاً بعد المصادقة على قوانين مهمة، كقانون الإحسان العمومي والتنظيم القضائي وحقوق المؤلف، والعديد من الاتفاقيات الدولية".
غير أن رئيس الكتلة النيابية لحزب رئيس الحكومة المغربية الحالية يرى أنه "ما زال أمامنا عمل كبير على مستوى الرفع من مستوى النقاش العمومي وتعزيز دور المؤسسة التشريعية في صناعة القرار السياسي الوطني ومواكبة الحكومة تشريعياً ورقابياً، وهذا رهان مركزي لدينا نحن كمكوّن أساسي من مكونات المؤسسة التشريعية".
وفي تعليقه على حصيلة السنة الأولى من الولاية التشريعية الجديدة، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بسطات عبد الحفيظ اليونسي، لـ"العربي الجديد"، إن الحصيلة يمكن تلخيصها في عنوان كبير هو "عزلة المؤسسة التشريعية" من خلال 3 مؤشرات كبرى.
ويتعلق المؤشر الأول بضعف المنتوج التشريعي من حيث العدد، إذ لم تتجاوز النصوص التشريعية التي تمت المصادقة عليها 29 نصاً، لافتاً إلى أنه على الرغم من نوعية تلك النصوص فإن عددها يبقى ضعيفاً، كما أن الغالبية العظمى منها عبارة عن مشاريع قوانين أتت بمبادرة حكومية.
ويوضح اليونسي: "صحيح أن الدستور المغربي يكفل للحكومة حق اتخاذ المبادرات التشريعية، لكنه يعكس كذلك ضعف المؤسسة التشريعية واللا تكافؤ بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو عطب مزمن في التمثيلية للديمقراطية في بلادنا من حيث عدم تفاعل الحكومة إيجاباً مع مقترحات القوانين التي تتقدم بها الكتل والمجموعات النيابية".
ويتمثل المؤشر الثاني لعزلة البرلمان المغربي، وفق اليونسي، في التعامل مع النقاش العمومي داخل المؤسسة التشريعية، إذ إن عدم نقل أشغال اللجان البرلمانية، التي تعتبر أهم مرحلة في المسار التشريعي، وما تعرفه من نقاش، يعكس عزلة المؤسسة التشريعية ويضعف الحوار المؤسساتي.
ويلفت إلى أنه كان من الممكن جداً أن يكون النقاش داخل المؤسسة التشريعية موجهاً ومؤطراً وفي قلب النقاش المجتمعي الدائر حالياً حول قضايا مجتمعية بالغة الأهمية لا في عزلة عنه، وذلك من خلال فسح المجال للمواطن لمتابعة النقاش داخل اللجان البرلمانية حول قوانين تحظى بأهمية وباهتمام في المجتمع ووسائل التواصل الاجتماعي، كالقانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة ومشروع قانون مجلس المنافسة وآخر يتعلق بالقانون المتعلق بجمع التبرعات وتوزيع المساعدات والتنظيم القضائي.
أما المؤشر الثالث، فيتعلق بطبيعة النخب الموجودة في البرلمان بغرفتيه، حيث "نجد أنفسنا أمام وجوه جديدة لم تتمرس على العمل التشريعي والنقاش النيابي، ولم تستوعب بعد خصوصية المسطرة التشريعية في البلاد، كما أن حضورها في المناقشات واللجان يبقى ضعيفاً من حيث نوعيته وكميته. كما تتميز تلك النخب بسيادة ظاهرة العائلات البرلمانية، حيث نجد أسراً بكاملها داخل المؤسسة التشريعية، وكأننا أمام نظام التوريث النيابي، فضلاً عن سيطرة الأعيان"، يقول اليونسي.
ويرى المتحدث ذاته أن ضعف إفراز النخب البرلمانية أثر بشكل سلبي على المنتوج التشريعي لهذه الولاية، وهو "أمر ليس في صالح ترسيخ الديمقراطية في بلادنا".
من جهته، أكد أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، رشيد لزرق، أن المستوى التشريعي لا يقاس بالكم بل بالكيف، أي إلى أي حد تمكن البرلمان من تنزيل البرنامج الحكومي ومعالم الدولة الاجتماعية، مسجلاً، بالمقابل، خفوت المعارضة في القيام بأدوارها الدستورية وتشتتها بين "معارضة المزايدة ومعارضة التسول"، على حد وصفه.
ويقول لزرق، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المعارضة في حالة شرود في الوقت الذي يعرف فيه الشارع غلياناً بسبب غلاء الأسعار، معتبراً أن المعارضة ملزمة سياسياً وأخلاقياً وقانونياً بالقيام بأدوار رقابة ومحاسبة الحكومة، والاجتهاد من أجل الضغط عليها لتسريع تجويد العمل التشريعي، وهو ما يفرض عليها التنسيق لمواجهة الحكومة.
وكان رئيس مجلس النواب راشيد الطالبي العلمي قد أعلن أمس في اختتام الدورة الثانية من السنة الأولى من الولاية التشريعية الحادية عشرة عن مصادقة المجلس على 19 نصاً، منها ثلاثة مقترحات قوانين و16 مشروع قانون.
وتضمنت حصيلة التشريع المصادقة على ثمانية قوانين تأسيسية تتعلق بأنشطة وخدمات وحقوق أساسية، من قبيلِ مشروعِ القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وإجراءات الدفع بعدمِ دستورية قانون، ومشروع قانون يتعلق بالتحكيم والوساطة، ومشروع قانون يتعلق بالسجل الفلاحي الوطني، وآخر حول حقوق المؤلف، ونصوص حول سندات القرض.
كما تمت المصادقة على مشروق قانون يقضي بإحداث مؤسسة مشتركة للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي عدد من القطاعات الوزارية والإدارات العمومية، وإضفاء الحكامة والعصرنة على ممارسة الإحسان العمومي وتنظيمه.
وتمت المصادقة على 95% من النصوص، حسب رئيس مجلس النواب بالإجماع، مما يعكس "وحدة المكونات السياسية للمجلس في ما يخص القضايا الحيوية والأساسية للبلاد وقوة وصلابة نموذجنا المؤسساتي المبني على التوافق".
من جهته، أعلن رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة عن موافقة المجلس خلال الدورة المنتهية على 9 مشاريع قوانين، من أبرزها مشروع المتعلق بتنظيم عمليات جمع التبرعات وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية، ومشروع القانون القاضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الرامي إلى تفعيل مخرجات الحوار الاجتماعي ومقترح قانون القاضي بإلغاء والتصفية النهائية لنظام معاشات أعضاء مجلس المستشارين.
وفيما يخص دوره في مراقبة العمل الحكومي، أشار ميارة إلى أن المجلس توصل خلال هذه الدورة بما مجموعه 717 سؤالاً، أجابت الحكومة عن 280 منها خلال 13 جلسة عامة، من ضمنها 149 سؤالاً آنياً و131 سؤالاً عادياً.