تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي لليوم السادس على التوالي، وللمرة الثانية منذ بداية العام الحالي، حصار محافظة أريحا شرقي الضفة الغربية، حيث تتطلع هذه القوات، بحسب مراقبين، إلى منع تمدد حالة المقاومة المسلحة التي ظهرت فيها بشكل مفاجئ في مخيم عقبة جبر (جنوب)، تجنباً لتكرار حالة مشابهة في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس.
وشهدت أريحا ومحيطها منذ مطلع العام الحالي، عمليات إطلاق نار عدة باتجاه أهداف إسرائيلية، تكبّد خلالها الاحتلال خسائر غير متوقعة، حيث بدأ المشهد المقاوم عقب عملية إطلاق نار باتجاه مطعم إسرائيلي عند مفرق "ألموغ" في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، وتبنتها "كتيبة مخيم عقبة جبر"، التي اشتبكت مع قوات الاحتلال مرات عدة، وأعلنت تحقيق إصابات في صفوفها.
تبعت ذلك عملية إطلاق نار في 27 فبراير/ شباط الماضي، عند مفرق "بيت هعرڤا" أدت إلى مقتل مستوطن، ولاحقاً في السابع من الشهر الحالي، قُتلت ثلاث مستوطنات بعملية قرب مفرق الحمرا غربي أريحا.
كلّ ذلك دفع الاحتلال الإسرائيلي لحصار محافظة أريحا، بحسب مدير مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية إياد أبو زنيط، الذي يرى في حديث مع "العربي الجديد"، اليوم الخميس، أنّ الاحتلال يسعى بدرجة أولى إلى وقف تمدّد حالة المقاومة في أريحا، حتى لا يواجه نماذج مشابهة لـ"كتيبة مخيم جنين"، و"عرين الأسود" في نابلس.
وتعاني أريحا، بحسب السمهوري، من تهميشٍ إعلامي، رغم أنّ مخيم عقبة جبر قدّم ثمانية شهداء منذ مطلع العام، وأكثر من 20 إصابة خطيرة، نتيجة اقتحام الاحتلال للمخيم أكثر من 20 مرة منذ شهرين، مستنكراً دور المستوى الرسمي الفلسطيني، قائلاً: "لا يوجد من جانبهم أي اهتمام أو صوت لموضوع أريحا وعقبة جبر".
ويغلق الاحتلال الإسرائيلي مداخل محافظة أريحا الرئيسة، ما دفع الفلسطينيين إلى اللجوء للطرق الفرعية. ويوضح السمهوري أنّ "عصابات المستوطنين، بحماية الجيش، تتمركز على رؤوس التلال والجبال المحيطة بأريحا، لرصد من يسلكون الطرق الفرعية ويعتدون عليهم بالضرب والتكسير وتحطيم المركبات، وأحياناً الاعتقال".
أهداف اقتصادية أيضاً
ولا يرى محافظ أريحا، جهاد أبو العسل، أنّ إغلاق الاحتلال لمداخل المحافظة يحمل أهدافاً أمنية سياسية، بل اقتصادية لضرب القطاعين السياحي والزراعي بالمحافظة، حيث كان متوقعاً أن يدخلها 600 ألف سائح، ولم يدخلها سوى ما يقارب 150 ألفاً، خلال أيام عيد الفطر الأخير، بحسب ما يفيد به في حديثه لـ"العربي الجديد".
وعن كيفية تعامل القيادة السياسية الفلسطينية الرسمية مع تصعيد الاحتلال تجاه أريحا، يقول أبو العسل إنّ "القيادة تقف بجانب شعبها من خلال التواصل مع الجهات الأجنبية لرفع الظلم عن الشعب".
ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" ما إذا كانت القيادة تتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي لرفع الحصار، يجيب المحافظ: "لا يوجد تنسيق مع الاحتلال أو أيّ تواصل، والأمور ضبابية".
وبلغت خسائر ما يقارب 100 منشأة سياحية، مئات الملايين من الشواكل (العملة الإسرائيلية)، وفق رئيس غرفة تجارة وصناعة أريحا، تيسير الحميدي، الذي أكد ازدياد الخسائر الاقتصادية يوماً بعد يوم نتيجة تشديد الإجراءات على حركة المسافرين العابرين من أريحا، ومنع دخول الفلسطينيين من مناطق أراضي 48 إلى المحافظة.
لكن مدير مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية إياد أبو زنيط، يبيّن أنّ "الاحتلال ينظر للبُعد السياسي والأمني بدرجة أولى، ومشكلته الرئيسية مع ما يسمّيه نقل عدوى المقاومة بالشكل الوحدوي كما هو الحال في جنين ونابلس، إلى أريحا التي كسرت الصورة النمطية عنها، إذ عرفت بالهدوء في المقاومة حتى إبان مراحل الانتفاضة، أما عن البعد الاقتصادي فإنّ عدم ذهاب الناس للسياحة في أريحا، يعني ذهابهم إلى مدن فلسطينية أخرى، وبذلك لم تكن الحجة الاقتصادية هي مبرر الاحتلال".
ويوضح أبو زنيط، في حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ الاحتلال "يسعى، من خلال سياسة الإغلاقات وتقييد الحركة، إلى تطبيق نظرية إجرامية بطريقة اجتماعية، عبر إظهار العمل المقاوم كأنه مكلف لمن يشارك فيه، وبالتالي جرّ الناس إلى منظور ضيّق، مفاده بأنّ المقاومة فيها خسارة. والحقيقة من المنظور الأوسع ألا تحرر ولا مواجهة مع الاحتلال بدون كلفة وثمن".
ويتحدث أبو زنيط عن مخاوف الاحتلال التي دفعته لحصار أريحا، و"تأتي تجنباً لوجود عمليات تهريب للسلاح أو الذهب عبر الحدود بين الأردن والأراضي الفلسطينية، إضافة لمنع تدحرج الفعل المقاوم بين محافظات الضفة كونه عملاً تراكمياً، مع عدم إغفال سياسته بتنفيذ عقاب لكل محافظة تمارس الفعل المقاوم على حدة".