وصلت موجة المقاومة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية إلى نقطة جديدة بعد قيام الأمن الفلسطيني باختطاف أبرز مطلوب للاحتلال الإسرائيلي مصعب اشتية، ما أسفر عن مواجهة جديدة بين السلطة والشارع الفلسطيني، كانت أكثر دموية وعنفاً، وامتدّت هذه المرّة لتضع أجهزة أمن السلطة في خانة الصدام المباشر مع فصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيّما بعد أن لوّحت الأخيرة بأن "الخطف سيقابل بالخطف".
وبينما كان الاحتلال يروّج، خلال الأيام الماضية، لاجتياح واسع في شمال الضفة، كانت تجري في الكواليس اجتماعات أمنية على أعلى مستوى بين مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، وأيضاً مع مسؤولين أميركيين، تخللتها تهديدات إسرائيلية مباشرة، بينما على الأرض، كانت أجهزة السلطة تجري اتصالات مع قيادات للمقاومة في نابلس وجنين، وتعدّ العدة لعمليات اعتقال.
وفي حين يؤكد مصدر من السلطة أنهم تلقوا تهديدات من الاحتلال باقتحام مدينة نابلس والبقاء فيها، تتحدث مصادر إسرائيلية عن أن خطوة الاعتقال جاءت متأخرة، وتهدف للترويج لموقف الرئيس محمود عباس أبو مازن في كلمته أمام الأمم المتحدة نهاية الأسبوع الجاري.
وقال مصدر مسؤول لـ"العربي الجديد" "تلقت السلطة تهديدات مباشرة من الاحتلال الإسرائيلي بإعادة اجتياح مدينة نابلس والبقاء فيها، واعتقال وتصفية المطلوبين لها إن لم تقم السلطة بالتحرك ضد المقاومين"، مضيفاً أن "القيادة تحدثت مع أطراف من المقاومين في نابلس وجنين".
وقال مصدر آخر لـ"العربي الجديد" "إن تدخل الأمن الفلسطيني لاعتقال المطلوب الأول للاحتلال في نابلس، المعروف بانتمائه لحركة حماس، مصعب اشتية، جاء على خلفية لقاء جمع مسؤول التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، مع مسؤولين أمنيين أميركيين وإسرائيليين مؤخراً".
لكن أحد المصادر قال لـ"العربي الجديد": "نعم لقد حدث اجتماع مع الأميركيين قبل نحو أسبوعين، ولا أعرف إن كان هناك اجتماع آخر قد عقد مؤخراً".
بدوره، قال أحد أصدقاء المعتقل اشتية لـ"العربي الجديد": "منذ أيام قليلة عرف اشتية نيّة السلطة اعتقاله، وأنهم جادون هذه المرة في ملاحقته، لا أعلم كيف وصل له الخبر أو من أي قنوات، لكن تحركاته الحذرة جداً في الأيام القليلة الماضية كانت تؤكد ذلك، ومع ذلك جرى اختطافه من عناصر أمن بالزي المدني شرق المدينة مساء الاثنين".
اعتقال اشتية جاء على خلفية لقاء جمع مسؤول التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي حسين الشيخ مع مسؤولين أمنيين أميركيين وإسرائيليين مؤخراً
وكان آخر اجتماع أعلن الاحتلال الإسرائيلي أنه قد عقده مع مسؤولين فلسطينيين هما حسين الشيخ مسؤول التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج، في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري، إذ جرى الإعلان عن اللقاء في الثاني عشر من الشهر الجاري، في حين كان الشيخ قد نفى "عقد أي اجتماع بين مسؤول إسرائيلي والرئيس أبو مازن في ذلك الحين"، ولم يتحدث عن لقائه وفرج مع قادة الاحتلال إطلاقاً.
وحاولت قوة من الأمن الفلسطيني بالزي المدني وسيارة مدنية، صباح اليوم، اعتقال مقاوم في مخيم جنين، محسوب على حركة "حماس"، لكن مهمتها باءت بالفشل، وأدت المحاولة إلى زيادة التوتر الذي تعيشه مدينة جنين منذ مساء أمس، بعد اعتقال اشتية في نابلس، حيث قام مقاومون بإطلاق النار على مقر الأجهزة الأمنية في جنين، أمس، احتجاجاً على اعتقال اشتية، ولاحقاً أطلقوا النار على "حاجز سالم" قرب جنين.
وعلم "العربي الجديد" من مصدر موثوق أن حسين الشيخ طلب لقاء أبرز المطلوبين في مخيم جنين العقيد فتحي خازم والد الشهيد رعد منفذ عملية "ديزنغوف" قرب تل أبيب، وعندما سأل الأخير عن سبب اللقاء، والهدف منه، "لم يتلق أي جواب من الوسيط".
وقال المصدر: "طلب الشيخ قبل نحو عشرة أيام أن يقابل أبو رعد في جنين، لكن الأخير أرسل له أسئلة تفيد بالرفض، فلم يعد الشيخ للمحاولة من جديد".
حاولت قوة من الأمن الفلسطيني بالزي المدني وسيارة مدنية، صباح اليوم، اعتقال مقاوم في مخيم جنين محسوب على حركة "حماس"
وقال أبو مجاهد متحدثًا باسم كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكرية لحركة فتح لـ"العربي الجديد": "لم نتلقَ أي اتصال من أي جهة رسمية، وقرار فتح وكتائب شهداء الأقصى بالدفاع عن أبناء شعبنا حق مقدس تكفله الأعراف والمواثيق كافة".
وأكد أحد المقاومين في مخيم جنين، لـ"العربي الجديد"، أنه "إذا مر اعتقال اشتية بهدوء، فإن السلطة ستقوم باعتقال كل المقاومين في جنين وفي كل مكان".
وتابع: "لا نعرف ما هو الاتفاق الذي توصلت إليه القيادة مع الاحتلال، وأي مكاسب سياسية وعد بها الاحتلال القيادة لتتحرك في هذ التوقيت بالذات".
بدوره، قال جمال حويل القيادي في حركة "فتح" من مخيم جنين: "إن الاحتلال لن ينتصر علينا إلا بالخلاف الداخلي، والحوار الداخلي هو الكفيل بإنهاء أي خلاف، لأن العنف لن يولد إلا العنف، والاحتلال ينتظر الخلاف الداخلي حتى يحدث اقتتال داخلي".
وتابع في تصريحات لـ"العربي الجديد": "إن ما حدث مؤسف، ونتمنى أن تتوقف الأمور عند هذا الحد، وأتمنى أن لا نجرب الاحتلال ونراهن عليه وعلى وعوده التي جربناها في أكثر من محطة مهمة، وأثبت الاحتلال كذبه، والحل في الوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة، ويجب أن لا ينزلق الأمن في مواجهة مع المقاومين".
وبعد اعتقال الأمن الفلسطيني اشتية ومطلوباً آخر، هدد مقاومون من كتيبة جنين، في بيان مصوّر فجر اليوم الثلاثاء، السلطة الفلسطينية في حال لم يجر الإفراج عن المطاردين مصعب اشتية وعميد طبيلة، وقالوا: "لا نريد منكم القتال معنا، لكن كفوا أيديكم عنا، وأطلقوا سراح مصعب اشتية، وإذا تعاملتم بالخطف فسنتعامل بالخطف".
وتساءلت كتيبة جنين، وفق البيان، "كيف نقاتل وأنتم تنسّقون مع الاحتلال؟ كيف نقاتل وأنتم لا تتركون فرصة إلا وتقومون بالتضييق على المجاهدين؟ في وقت نحن أحوج ما نكون إليه للوحدة الوطنية، أهذا جزاء من يضحي لأجل الوطن؟"، فيما أكدت كتيبة جنين "لم نطلب منكم أن تقاتلوا معنا أو نيابة عنا، ولكن مطلبنا ألا تكونوا خنجراً مسموماً لنا".
وأشارت كتيبة جنين إلى أن الأجهزة الأمنية اعتقلت مصعب اشتية إلى جانب الحديث عن حملة لاعتقال المقاومين في كل من جنين ونابلس، مشددة على ضرورة الإفراج عن المقاوم اشتية للحفاظ على ما تبقى من حرمة الدم الفلسطيني ووقف سياسة الاعتقالات بحق المقاومين.
من جانب آخر، قال مقاومون من "كتيبة عرين الأسود" في نابلس: "نوجه رسالة عاجلة للأجهزة الأمنية من المقاومين في عرين الأسود نابلس، بأننا لن نسمح باعتقال المطلوب الأول للاحتلال في سجون السلطة، ونطالبهم بإطلاق سراح مصعب اشتية".
وتابعوا "إن الأجهزة الأمنية امتدت لتطعن المقاومة في خاصرتها، نحن نتحدى أي جهاز أمني أن يخرج علينا بأي ملف فيه أي مخالفة أو جناية للمطارد اشتية".
وأردفوا: "نناشدكم بالله لا تضطرونا لما هو كره لنا، إن أرواحنا على أكفنا، أطلقوا سراح مصعب واحقنوا الدماء، وفي حال لم يجرِ إطلاق سراحه فلن نسمح لأي عنصر أمن بالعمل في مدينة نابلس، ولن نسمح لأهل المدينة بفتح المحلات، ونعلن أن مدينة نابلس دخلت في حالة العصيان المدني، وكذلك جنين، وكل مدن الضفة، إن المقاومة يتم طعنها فأغيثوها".
ووفق البيان "بعد ثمانية أيام من مراقبة الطائرات الإسرائيلية للبلدة القديمة ونابلس بشكل كامل ومتواصل، وفي ظل معاناة المقاومين داخل البلدة القديمة خلال الأيام الفائتة، تفاجأنا بإعداد كمين محكم للمطارد العنيد مصعب اشتية، وتكذيباً للإشاعات التي تقول إن مصعب قد سلم نفسه للأجهزة الأمنية الفلسطينية، فإن مصعب قام بسحب سلاحه على عناصر الأمن ظناً منه أنهم قوات خاصة إسرائيلية، وعند تأكده من أنهم من أبناء جلدته وأبناء الأجهزة الأمنية لم يقاومهم، وقد كان قادراً ومستحكماً من إطلاق النار عليهم والفرار منهم، لكن مصعب عاهد الله وكذلك المقاومون عاهدوا الله على كتابه العزيز بألا يمتد سلاحنا على أبناء جلدتنا".