حسابات الكرملين لرئاسيات 2024: ترشح بوتين وتحجيم حرب أوكرانيا

30 ابريل 2023
بوتين خلال الإدلاء بصوته بانتخابات مارس 2018 (يوري كادوبنوف/فرانس برس)
+ الخط -

أقل من عام يفصل روسيا عن موعد الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مارس/آذار 2024، والتي يحق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الترشح فيها لولاية خامسة بموجب تعديل الدستور الروسي المؤرخ في عام 2020 والقاضي بـ"تصفير" عدد ولاياته.  
إلا أن حملة الانتخابات المقبلة تختلف عن سابقاتها، كونها تحلّ في ظروف استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا، وما ترتب عليها من تزايد متاعب الاقتصاد الروسي إثر إغلاق السوق الأوروبية أمام موارد الطاقة الروسية. يُضاف إلى ذلك تعثر القوات الروسية بشقّي الجيش النظامي وشركة مرتزقة "فاغنر" العسكرية الخاصة، في حسم الوضع على الأرض، ما يعزز التكهنات بتحجيم مكانة الحرب على أجندة حملة الانتخابات. 

الخطة "أ" للكرملين

وعلى الرغم من أن الكرملين يحجم حتى الآن عن الإعلان رسمياً عن نية بوتين الترشح لولاية جديدة من عدمه، إلا أن ثمّة تسريبات إعلامياً وإجماعاً في تقديرات محللين سياسيين، بأن الكرملين قد بدأ الاستعدادات لحملة الانتخابات الرئاسية، متطرقاً إلى كل السيناريوهات الممكن حدوثها، أبرزها أن الاستحقاق سيجرى في موعده وبمشاركة بوتين.

ويجزم مدير عام "مركز المعلومات السياسية" في موسكو، ألكسي موخين، بأن الكرملين يضع خطة ترشح بوتين لولاية جديدة كسيناريو أساسي، متوقعاً أن تشكل العملية العسكرية في أوكرانيا مجرد خلفية لحملة الانتخابات لا نواة رئيسية لها.   

ألكسي موخين: ستدعم بوتين أحزاب الشيوعي والليبرالي الديمقراطي و"الناس الجدد" بصورة غير مباشرة 

ويقول موخين في حديث لـ"العربي الجديد": "يتعامل الكرملين مع ترشح بوتين على أنه خطة "أ"، وستدعمه أحزاب الشيوعي والليبرالي الديمقراطي و"الناس الجدد" بصورة غير مباشرة عن طريق تقديم مرشحين سيضفون طابع التعددية على الانتخابات. أما حزب "روسيا العادلة - من أجل الحقيقة"، فقرر دعم بوتين صراحة من دون تقديم مرشح".  

إلى ذلك، يقلّل موخين من أهمية تأثير العملية العسكرية في أوكرانيا على مجرى حملة الانتخابات الرئاسية. ويعتبر أنه "في حال استمرارها بصورتها الحالية، ستشكل العملية العسكرية الخاصة خلفية لحملة الانتخابات مع استمرار تعبئة الأفراد طوعاً من دون إعلان تعبئة إلزامية، مقابل أجور مغرية للمجندين ممن يطمحون في تحسين أوضاعهم المادية".  

وحول تصوره لأسماء المرشحين الذين قد يخوضون سباق الانتخابات، يضيف موخين: "قد يرشح الحزب الشيوعي زعيمه، غينادي زيوغانوف، وهو شريك تقليدي لبوتين في سجال الانتخابات أو النائب في الدوما يوري أفونين الذي يحظى باستحسان ديوان الرئاسة، ما سيعزز العلاقة بين الحزب الشيوعي والكرملين". 

ويعد زيوغانوف من أبرز الشخصيات في المشهد السياسي الروسي في تسعينيات القرن الماضي، حيث وصل إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 1996 والتي خسر فيها أمام الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين. كما شارك زيوغانوف في الانتخابات الرئاسية في أعوام 2000 و2008 و2012، بينما قرّر الحزب الشيوعي في عام 2018 الدفع بالمرشح البديل، بافيل غرودينين، الذي حلّ في المرتبة الثانية بعد بوتين بحصوله على نحو 12 في المائة فقط من الأصوات في ما يعد أسوأ نتيجة للحزب.   

وحول المرشحين المحتملين الآخرين، يتابع موخين: "قد يرشح الليبرالي الديمقراطي زعيمه الجديد، ليونيد سلوتسكي، الذي حل محل الراحل فلاديمير جيرينوفسكي". ويشاع، بحسب موخين، أيضاً، أن "الناس الجدد" الذي تأسس في عام 2020، عرض الترشح على الرئيس السابق لغرفة الحسابات، وزير المالية السابق، ألكسي كودرين، وسط بحث عن مرشح ذي توجهات ليبرالية". 

ويعدّ كودرين الذي تولى حقيبة المالية الروسية بين عامي 2000 و2011، واحداً من أشهر الخبراء الماليين الروس المدافعين عن مبادئ اقتصاد السوق، ولكنه استقال من منصبه الذي جمعه مع منصب نائب رئيس الوزراء، في نهاية 2011، بسبب خلافه مع الرئيس الروسي آنذاك دميتري مدفيديف. 

ومن اللافت أن الكرملين استعان في الاستحقاقين الرئاسيين السابقين بمرشحين ليبراليين ساعدا في استيعاب الشباب وأصحاب التوجهات الليبرالية، وهما الملياردير ميخائيل بروخوروف الذي خاض سباق الانتخابات في عام 2012، والإعلامية المثيرة للجدل، كسينيا سوبتشاك، في عام 2018.  

استحقاق إجرائي 

تختلف الحملة الانتخابية المرتقبة عما سبقها تحديداً لجهة الغياب شبه الكامل للمعارضة "غير النظامية" الروسية عن المشهد السياسي، والتي بات رموزها إما في المنفى أو يقبعون خلف القضبان كما هو حال مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، ألكسي نافالني، الذي يؤدي عقوبة السجن المشدد لمدة تسع سنوات. 

تغيب المعارضة غير النظامية بشكل شبه كامل عن المشهد السياسي والحملة المرتقبة

إلا أن حزب "يابلوكو" ("تفاحة") الليبرالي المعارض غير المتمثل بالدوما، ومؤسسه غريغوري يافلينسكي، يبقيان من بين القوى الداعية من الداخل الروسي إلى إنهاء الحرب. ومع ذلك، لم يحسم "يابلوكو" بعد موقفه من مسألة الدفع بمرشح رئاسي، وفق ما يوضحه عضو المجلس الإقليمي للحزب في موسكو، ألكسي كرابوخين. ويقلل الأخير من أهمية الانتخابات التي يرى نتائجها محسومة سلفاً بصرف النظر عن تطورات الوضع في أرض المعركة وحتى إجراء تعبئة جديدة من عدمها.  

ويقول كرابوخين لـ"العربي الجديد"، إن الحزب "لم يحسم حتى الآن موقفه من تقديم مرشح من عدمه، ولكنه قد يخوض الانتخابات بهدف التعبير عن موقفه الرافض للحرب. وفي المجمل لا داعي للالتفات إلى الانتخابات أصلاً كونها ستشكل تصويتاً إجرائياً ذا نتيجة محسومة سلفاً لن تتأثر حتى بإجراء تعبئة جديدة وستسفر عن انتخاب بوتين لولاية "أولى" جديدة"، بحسب تعبيره. 

وحول رؤيته لخيارات الكرملين لضمان فوز بوتين في حال تراجع شعبيته على أثر تدهور الأوضاع الاقتصادية واستمرار التعثر في أوكرانيا، يعتبر كرابوخين أن "آلية التصويت الإلكتروني التي تمّ اعتمادها حديثاً تتيح رسم أي نتيجة تحددها كتلة السياسة الداخلية في الكرملين، وهناك أقاليم مثل الشيشان تبلغ نسبة التصويت لبوتين فيها 99 في المائة. لكن على عكس المرات السابقة، لا تحتاج الرئاسة الروسية هذه المرة إلى التظاهر بالتعددية أمام العالم الخارجي، ما يعني أنه يمكنها حتى إعلان حالة حرب وإلغاء الانتخابات من أساسها".  
من جهة أخرى، يعتبر المدون المعارض الهارب، مكسيم كاتز، أن التقدم المضاد المرتقب للقوات المسلحة الأوكرانية يشكل "أهم العوامل للسياسة الداخلية الروسية".  

وفي مقطع فيديو على "يوتيوب" بعنوان "الإخطارات الإلكترونية والتقدم الأوكراني والانتخابات الرئاسية: ما العلاقة بينها؟" وحظي بأكثر من مليون مشاهدة، يعتبر كاتز أن "الجانب الروسي غير مهيأ للدفاع متكامل الأركان". ويقول: "إذا أعلنت وأجريت تعبئة في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، لكان هناك الآن مئات الآلاف من الجنود الجدد على الجبهة، وكان يمكن للقيادة الروسية أن تردع بأجسامهم التقدم الأوكراني لبعض الوقت".  

كرابوخين: آلية التصويت الإلكتروني التي تمّ اعتمادها تتيح رسم أي نتيجة تحددها سياسة الكرملين

ويرجع كاتز عدم إجراء تعبئة جديدة إلى "التناقض الأساسي ومفاده باستحالة الدفع بالناس إلى الخنادق ومراكز الاقتراع في آن معاً"، مذكّراً بأن الموجة الأولى من التعبئة التي أعلنت في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، "كسرت النظام القائم وقلبت الرأي العام". كما يصف إعلان تعبئة ثانية عشية أهم الانتخابات بأنه "لعب بالنار". 

ويخلص المدون المعارض إلى أنه من وجهة النظر السياسية الانتخابية العقلانية، فإن الهزيمة في الحرب خير من محاولة إشراك مزيد من البشر فيها. 

ويبدو الكرملين عازماً على إجراء الانتخابات في موعدها مع تحقيق نتائج لا تقل عن الانتخابات السابقة، إذ ذكرت صحيفة "إر بي كا" الروسية في بداية إبريل/نيسان الحالي، أن مسؤولي كتلة السياسة الداخلية في الكرملين بقيادة النائب الأول لمدير ديوان الرئاسة، سيرغي كيريينكو، عقدوا ندوة مع المسؤولين الإقليميين تناولت مرجعيات الانتخابات القاضية بأن تبلغ نسبة المشاركة 70 في المائة مع التصويت بنسبة 75 في المائة لصالح "المرشح الرئيسي". 

وقبل حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2018، تمّ توجيه نواب حكّام الأقاليم للسياسة الداخلية بتحقيق معادلة 70/70، أي نفس نسبة للمشاركة ونتيجة التصويت لبوتين. 

يذكر أن آخر انتخابات رئاسية في روسيا جرت في الذكرى الرابعة لضم شبه جزيرة القرم في 18 مارس 2018، وأسفرت عن فوز بوتين بـ76.7 في المائة من أصوات الناخبين، بينما بلغت نسبة المشاركة 67.5 في المائة. 

المساهمون