لقي قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المنشور في الجريدة الرسمية رقم 290 لسنة 2023، بالعفو عن الباحث باتريك جورج زكي والمحامي الحقوقي محمد صلاح الدين الباقر، الأربعاء الماضي، ترحيباً في الأوساط الحقوقية والسياسية في مصر وفي الخارج، لكنه أثار في الوقت ذاته تساؤلات حول الهدف من القرار، وأيضاً مخاوف على مصير عشرات الآلاف من المعتقلين الآخرين.
وجاء القرار الجمهوري بعدما أعلنت شخصيات سياسية وحقوقية مصرية تعليق مشاركتها في الحوار الوطني، مثل المحامي نجاد البرعي، ورئيس حزب "الدستور" السابق والمتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية خالد داود، وآخرين، في أعقاب إعادة سجن باتريك. كما جاء القرار بعد دعوة الولايات المتحدة مصر إلى الإفراج عن زكي، الذي حُكم عليه، الثلاثاء الماضي، بالسجن ثلاث سنوات بتهمة "نشر معلومات كاذبة"، وتعليق لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، قالت فيه إن "إيطاليا ملتزمة في التوصل إلى حل إيجابي بشأن قضية الناشط المصري باتريك زكي"، وأكدت أن زكي "سيعود إلى إيطاليا غداً الخميس (أول من أمس) بعد حصوله على العفو الرئاسي".
جمال عيد: النظام يستخدم أسماء المعتقلين الذين يحظون بشهرة في مصر وخارجها بشكل مزدوج
يذكر أن محكمة أمن الدولة في المنصورة بمحافظة الدقهلية في دلتا النيل أصدرت، الثلاثاء، حُكماً غير قابل للطعن بحقّ زكي قضى بسجنه ثلاث سنوات بتهمة نشر "معلومات كاذبة". وزكي، طالب الدراسات العليا في جامعة بولونيا الإيطالية، كان قد اعتُقل في عام 2020 بتهمة "الإرهاب" بعدما نشر مقالاً في 2019 عن انتهاكات حقوقية ضد الأقباط. وأمضى الناشط الحقوقي 22 شهراً في الحبس الاحتياطي قبل أن يُفرَج عنه في ديسمبر/كانون الأول 2021، لكنّه اضطر إلى البقاء في مصر ولم يُسمح له بالسفر إلى الخارج في انتظار محاكمته.
رسالة مزدوجة للنظام المصري
وقال المحامي والحقوقي المصري البارز جمال عيد، في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أن النظام يستخدم أسماء المعتقلين الذين يحظون بشهرة في مصر وخارجها بشكل مزدوج". وشرح أن النظام "باعتقالهم، يرسل رسالة تخويف وإرهاب للجميع: فمن ناحية، يعاقب هؤلاء على دورهم عادةً في المطالبة بالديمقراطية أو فتح المجال العام والرغبة في مزيد من الحريّات السياسية، ومن ناحية أخرى، يرسل رسالة للمواطن البسيط الذي يشاهد ما يحدث، ثم يقول لنفسه أنه (طالما كان هؤلاء دخلوا السجن دون اعتبار لأي شيء، فهذا القمع يمكن أن يطاولني كذلك". ورأى أن "الإفراج عن عدد قليل منهم يخضع لاعتبارات المكسب والخسارة، أو كيف يمكن أن يستفيد النظام من ذلك الأمر بطرق شتى".
من جهته، اعتبر الناشط السياسي المصري رامي شعث، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بطبيعة الحال، هناك فرصة أكبر للإفراج عن المعتقلين الذين يحظون بشهرة ودعم من منظمات وحركات داخل مصر أو منظمات ودول خارجية". وتابع شعث، الذي مرّ بتجربة قاسية في الاعتقال ثم العفو: "من يدخل السجن يدرك مقدار الظلم الواقع على الآلاف الذين لم تكن لهم علاقة بالسياسة يوماً ووجدوا أنفسهم في زنازين طوال سنوات غير معلوم آخرها". وقال شعث إن "النظام يتعامل مع المعتقلين السياسيين بشكل عام باعتبارهم (رهائن)، وينظر إلى إمكانية الإفراج عنهم وفقاً لما سيحصل عليه من مكاسب فحسب، وليس لأي اعتبار آخر".
محمد جميل: حملات الضغط الشعبية التي ينظمها المجتمع المدني تحدث أثراً فقط في حال أراد النظام الحصول على مكسب دبلوماسي
بدوره، رأى رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا محمد جميل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "قد يحدث أن يفرج النظام عن بعض الشخصيات المشهورة، يحدث هذا في أوقات محددة متعلقة برغبة النظام في كسب أرضية معينة في المحافل الدولية، ولم ير سبيلاً للحصول عليها إلا بتسريب بعض العدالة عبر قرارات (نادرة) يُفرج بها عن عدد قليل جداً من المعتقلين، يكون على رأسهم اسم أو أكثر من المعروفين وعدد قليل آخر من غيرهم". وأضاف أنه "بالتالي، فإن حملات الضغط الشعبية التي تنظمها منظمات المجتمع المدني تحدث أثراً فقط في حال أراد النظام الحصول على مكسب دبلوماسي أو سياسي أو اقتصادي، دون أن يؤثر ذلك في سياسة القمع والتنكيل التي تتوسع يوماً بعد يوم دون أي تحسّن يذكر".
استجابة مشروطة للضغوط
وفي السياق، قال رئيس حزب الدستور السابق وعضو الحركة المدنية الديمقراطية علاء الخيام لـ"العربي الجديد": "أظنّ أن النظام المصري يستجيب أحياناً للإفراج عن بعض معتقلي الرأي، لكن بشرط أن يكون هذا الضغط قوياً، وهو ما ظهر مثلاً في الإفراج عن باتريك زكي بعفو رئاسي، بعد انسحابات متتالية لمشاركين بالحوار الوطني، مثل نجاد البرعي وخالد داود، بالإضافة لبيانات مؤسسات المجتمع المدني وأحزاب الحركة المدنية وغيرهم". وأضاف: "إذاً تحوّل الأمر إلى ما يشبه السخرية من قبل النظام، فبينما يجلس مع ممثلين للتيار المدني في حوار وطني، يقوم في نفس الوقت باعتقال نشطاء وحقوقيين، ويجمّد ملف المعتقلين نحو ثمانية أشهر، وبالتالي استجاب لتلك الضغوط التي ظهرت بعد اعتقال زكي وصدر العفو الرئاسي".
وأضاف الخيام أن "النظام في بعض الأحيان يستغل المعتقلين المعروفين في عمليات الضغط والمفاوضة التي يقوم بها داخلياً وخارجياً، ولنا في علاء عبد الفتاح مثال واضح، فالنظام يتعامل معه باعتباره ورقة ضغط في علاقته ببريطانيا، ولم يستجب إلى الآن لأي ضغوط خارجية أو داخلية، والحال نفسها مع أحمد دومة الذي لم يستجب النظام لأي ضغوط من أجل الإفراج عنه". وشدّد على أنه "لا يمكن اعتبار ذلك أمراً عادياً ومقبولاً، فالأصل أن يكون خروج الناس من السجون مرتهناً بالقانون وليس لأي ضغوط أو مكاسب أو مساحات للتفاوض يسعى النظام للحصول عليها".