مدفوعة بالرغبة بالانتقام، بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب غزة قبل أربعة شهور، بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ويبدو أن نهايتها لا تلوح في الأفق حتى وإن تراجعت ضراوتها في بعض المناطق. حرب بدأتها إسرائيل بقصف مكثّف من الجو وإلقاء قنابل على نحو غير مسبوق على شمال قطاع غزة، استهدفت فيها البشر ومقوّمات الحياة والمستشفيات وغيرها، وهجّرت سكانه الذين نزحوا إلى مناطق أخرى، قبل الانتقال إلى مرحلة الحرب البرية المكثفة في 27 أكتوبر الماضي، والانتقال من شمال القطاع إلى وسطه. ولم تسلم المستشفيات من الدمار ولا الفرق الطبية من الاعتقال، كما تواصلت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين طيلة الفترة الماضية بشأن مخططات لتهجير أهالي غزة.
في بدايات شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت إسرائيل انتقالها إلى المرحلة الثالثة من الحرب، في إشارة منها لخفض العمليات البرية المكثفة، وتقليص القوات وتسريح جنود الاحتياط، والقيام بعمليات محدودة مركّزة. كما يعمل جيش الاحتلال على إقامة منطقة عازلة داخل قطاع غزة.
وتتجه النوايا الإسرائيلية في هذه المرحلة للعمل في رفح ومحور فيلادلفيا على الحدود المصرية. وفي أكثر من مرة أعلن الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب سيطرته على مناطق في القطاع "وتطهيرها" من المقاومة مثل شماله، لتعود إليها المعارك بعد ذلك، كما تتمكن المقاومة من إطلاق صواريخ منها باتجاه إسرائيل.
تتجه النوايا الإسرائيلية في هذه المرحلة للعمل في رفح ومحور فيلادلفيا على الحدود المصرية
وعلى الرغم من قتل الاحتلال نحو 28 ألف فلسطيني معظمهم من المدنيين، والكوارث الإنسانية غير المسبوقة والمجاعة والأمراض، ما زالت غالبية الإسرائيليين تؤيد مواصلة الحرب وتلتف حول الجيش، الذي تكبّد ايضاً خسائر فادحة، فيما يواصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وزير الأمن يوآف غالانت ومسؤولون آخرون التأكيد أن الحرب مستمرة حتى تحقيق أهدافها.
بعض المعطيات في حرب غزة
بلغ عدد القتلى الإسرائيليين منذ 7 أكتوبر الماضي 1494 قتيلاً، بالإضافة إلى أكثر من 14 ألف جريح. وتشير المعطيات الإسرائيلية إلى مقتل 562 جندياً منذ بداية الحرب، بينهم 225 منذ بداية الحرب البرية في 27 أكتوبر، فيما تم تجنيد 295 ألف جندي احتياط. وأشارت العديد من التقارير في الآونة الأخيرة إلى وجود آلاف الجنود مع إعاقات، منها إعاقات دائمة. يضاف إلى هذا، تلقي الآلاف منهم الدعم النفسي بسبب اضطرابات وأعراض ما بعد الصدمة ناجمة عن الحرب. وتتوقع وزارة الأمن في دولة الاحتلال أن يصل عدد الجنود الذين سيبقون مع إعاقة دائمة إلى 12500 جندي، وربما إلى 20 ألفاً بحسب تقارير إسرائيلية.
ومن أبرز الضربات التي تلقاها جيش الاحتلال إعلانه في 23 يناير الماضي مقتل 21 ضابطاً وجندياً خلال المعارك في وسط غزة، لدى انفجار مبنيين كان الجنود يعملون على تفخيخهما، حيث أطلقت المقاومة صاروخاً مضاداً للدروع استهدف المبنيين ما تسبب بانفجار هائل. وسبق ذلك بساعات قليلة إعلان مقتل 3 جنود، لتكون الحصيلة 24 جندياً وضابطاً في يوم واحد. وفي 15 ديسمبر/ كانون الأول أعلن جيش الاحتلال عن قتل 3 محتجزين إسرائيليين في قطاع غزة عن طريق الخطأ.
ومنذ بداية الحرب أُطلق نحو 11 ألف صاروخ باتجاه إسرائيل، نحو 9 آلاف من قطاع غزة وألفين من الأراضي اللبنانية والسورية. وهاجمت إسرائيل نحو 30 ألف موقع في قطاع غزة، بزعم أنها مواقع عسكرية تابعة للمقاومة، فيما يقترب عدد الشهداء الفلسطينيين من 28 ألف شهيد، فضلاً عن نحو 70 ألف جريح.
وتزعم إسرائيل قتلها نحو 10 آلاف مسلح في غزة. وهجّرت إسرائيل بحسب معطياتها أكثر من مليون و700 ألف فلسطيني في القطاع من أصل مليونين و300 ألف، نزحوا من منطقة إلى أخرى. وأجرت إسرائيل 79 ألف مكالمة هاتفية، بحسب معطياتها، طالبت فيها سكان غزة بإخلاء منازلهم، وألقت أكثر من 7 ملايين منشور، كما أرسلت نحو 14 مليون رسالة قصيرة للإخلاء و15 مليون مكالمة مسجّلة. وتشير المعطيات إلى نحو 218 ألف نازح إسرائيلي تركوا بيوتهم منذ بداية الحرب، في المناطق القريبة من غزة ولبنان.
وسجلت الجبهة الشمالية (مع لبنان) مقتل 15 إسرائيلياً على الأقل، مقابل استشهاد 182 عنصراً من "حزب الله" بموجب المعطيات الإسرائيلية. وبلغ عدد البلدات والمستوطنات المخلاة بسبب قربها مع الحدود مع لبنان 42 مستوطنة وبلدة، وعدد سكانها الذين تركوا منازلهم نحو 62 ألفاً (بينما يقول حزب الله إنهم أكثر من 200 ألف)، مقابل نحو 100 ألف لبناني في الطرف الآخر. وفي الضفة الغربية والقدس المحتلتين، قُتل 10 إسرائيليين منذ بداية الحرب الحالية، فيما قتلت إسرائيل 382 فلسطينياً واعتقلت أكثر من 3 آلاف. وسجلت إسرائيل نحو 50 هجوماً ضدها من طرف الحوثيين.
إسرائيل بعيدة عن تحقيق أهدافها في غزة
دمّرت إسرائيل غزة، لكنها لا تزال بعد أربعة شهور غير قادرة على تحقيق أهداف الحرب التي أعلنتها، فهي لم تقضِ على حركة "حماس"، كما فشلت في إعادة ولو محتجز واحد في القطاع من خلال القوة. ويؤيد الجيش الإسرائيلي، بحسب تقارير عبرية، هدنة، حتى لو طالت مدتها، لفشله في استعادة المحتجزين من خلال العملية العسكرية، ما يعني نسف نظرية تحريرهم بالضغط العسكري.
وفشلت اسرائيل في تحقيق "صورة نصر" أرادتها من خلال الوصول إلى رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار أو قائد الجناح العسكري محمد ضيف أو أسماء أخرى تتردد على لسان المسؤولين الإسرائيليين، الذين أطلقوا مراراً تصريحات من قبيل أن السنوار يسمع أصوات الآليات العسكرية الإسرائيلية فوق الأرض وأنهم قريبون من الوصول إليه، لكن هذا لم يحدث فعلياً. كما لم تدمر إسرائيل إلا جزءاً يسيراً من أنفاق "حماس"، بموجب تقارير إسرائيلية.
يؤيد الجيش الإسرائيلي هدنة، حتى لو طالت مدتها، لفشله في استعادة المحتجزين من خلال العملية العسكرية
وتحاول إسرائيل تأليب سكان غزة ضد "حماس"، سواء كان ذلك من خلال التصريحات أو إلقاء المنشورات لإقناعهم بأن الحركة هي سبب ما هم فيه، لكنها فعلياً لم تجد تجاوباً في الشارع الفلسطيني. وبلغ الأمر بالمسؤولين الإسرائيليين أن تحدثوا أكثر من مرة عن وجوب تغيير حتى منهج التعليم الفلسطيني في إطار تغيير تفكير السكان على المدى البعيد.
وقود الحرب
الخلافات الإسرائيلية الداخلية الجليّة سواء على المستوى السياسي بين الائتلاف والمعارضة، أو حتى داخل مركّبات الحكومة نفسها، أو بين المستويين السياسي والعسكري، تبقى شأناً داخلياً ولا تؤثر بالضرورة على استمرار الحرب. ويلتف الجمهور الإسرائيلي حول الجيش الساعي لاستعادة هيبته وقوة ردعه التي تحدث عنها لسنوات حتى ظهرت هشاشتها، وبنسب أقل بكثير حول الحكومة، وفق استطلاعات الرأي.
وبعد أربعة أشهر من الحرب، فإن النقاشات الإسرائيلية ليست حول شرعية الحرب من المنظور الإسرائيلي، وإنما حول ما إذا كان بالإمكان تحقيق الأهداف، خصوصاً ما يتعلق بالقضاء على "حماس" وإعادة المحتجزين في الوقت نفسه، الأمر الذي يراه كثيرون مستحيلاً، فيما يتواصل ضغط أهالي المحتجزين على الحكومة، وبدأوا يجدون التفافاً أكبر حولهم من الشارع الإسرائيلي. ويركّز هؤلاء على المطالبة بصفقة تعيد المحتجزين وليس إنهاء الحرب باستثناء أصوات تكاد لا تكون مسموعة.
الخلافات الإسرائيلية تبقى شأناً داخلياً ولا تؤثر بالضرورة على استمرار الحرب
وتساهم عوامل داخلية وخارجية عديدة في عدم استعجال إسرائيل إنهاء الحرب، منها الإجماع الواسع عليها بعد 7 أكتوبر، من اليمين وما يُسمى باليسار، بدون خلاف جوهري حول "شرعيتها"، حتى أن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي يعتبر يسارياً، وقّع بنفسه على صواريخ موجهة لقتل سكان غزة.
في موازاة استمرار الحرب، يتواصل أيضاً الصراع السياسي، مع هذا تؤيد مختلف الأطراف استمرارها حتى هزيمة "حماس"، وسط خلافات حول أولوياتها. ومن الصعب سماع صوت حقيقي في الائتلاف الحكومي أو المعارضة يدعو إلى إنهاء الحرب، حتى أن رئيس المعارضة يئير لبيد دعا لإجراء انتخابات للكنيست الإسرائيلي خلال الحرب لعدم أهلية الحكومة الحالية برأيه لإدارتها. ويرى مراقبون أن انتخابات عامة جديدة بعد الحرب هو أمر حتمي. وبالتأكيد لن يرغب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بانتخابات قريبة، خصوصاً أنه لم يحقق أي "إنجاز" في حربه على غزة يقدمه للناخبين.
من المسؤولين الآخرين الذين يستغلون فترة الحرب لتحقيق أهداف سياسية، رئيس حزب "المعسكر الرسمي" بيني غانتس. فعل ذلك أولاً بانضمامه من المعارضة إلى مجلس الحرب، بعد إدراكه اتجاه رياح المجتمع الإسرائيلي، فيما أشارت تقارير صحافية، هذا الأسبوع، إلى أنه يعمل من خلف الكواليس لإطاحة نتنياهو.
وتمنح استطلاعات الرأي غانتس أفضلية كبيرة على نتنياهو، وهو الذي يؤيد استمرار الحرب حتى تحقيق أهدافها، لكنه يمنح الأولوية لصفقة تعيد المحتجزين. في المقابل، يراوغ نتنياهو في اعتبار ملف المحتجزين أولوية في لقائه مع عائلاتهم، لكنه يقول صراحة إن إعادتهم لن تكون بأي ثمن.
ومن الواضح أن نتنياهو لا يفرّط بحكومته وشركائه، خصوصاً الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، وهما من أشد المعارضين لأي صفقة تشمل وقف إطلاق النار لفترة طويلة وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين. ويخشى نتنياهو بموافقته على صفقة من هذا النوع، تعجيل نهاية حكومته.
ويريد الجيش بدوره تقديم شيء ملموس للإسرائيليين غير تدمير غزة، خصوصاً في ظل رفض سكان المناطق القريبة من القطاع وكذلك من الحدود مع لبنان، العودة إلى منازلهم المُخلاة. وعلى الجبهة الشمالية يطالب رؤساء ومسؤولون محليون على الملأ بتوسيع الحرب ضد "حزب الله" في لبنان.
كما يتحسب الجيش والمستوى الأمني والعسكري والمسؤولون في هذه الجهات للّجان التي ستُقام للتحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر. وأفادت بعض التقارير بأن العديد من المسؤولين ينوون الاستقالة بعد نهاية الحرب، كما يواصل الكثيرون تحميل الحكومة ورئيسها مسؤولية ما حدث، بسبب حالة الانقسام والاستقطاب التي شهدها المجتمع الإسرائيلي قبل "طوفان الأقصى" على خلفية خطة تقويض القضاء التي قادتها. وعليه قد يخدم استمرار الحرب إلى مرحلة معيّنة الكثير من الجهات، بما فيها الجيش ووزير الأمن وجميع الجهات الموجودة في دائرة الاتهام والإخفاق والفشل.
تواصل الولايات المتحدة دعم إسرائيل في حرب الإبادة وتمدها بالسلاح والعتاد
وعلى الرغم من الخلافات الظاهرة مع الإدارة الأميركية، إلا أن الأخيرة تواصل فعلياً دعم إسرائيل في حرب الإبادة وتمدها بالسلاح والعتاد والذي لم يتوقف منذ بداية الحرب. ولا يقتصر الأمر على الدعم الأميركي المطلق الذي يحاول تجميل نفسه بطلب زيادة المساعدات الإنسانية الداخلة إلى قطاع غزة، ولكن إسرائيل لا تواجه ما يكفي من الضغط عليها من أجل إنهاء الحرب، لا من قبل الدول العربية ولا المجتمع الدولي، فالضغوط الحقيقية غائبة. ولم تجد إسرائيل ضغطاً سياسياً أو شعبياً نوعياً من قبل الدول العربية التي تحدها أو تلك الأبعد، عدا عن المعارك المستمرة على الجبهة اللبنانية مع "حزب الله" والتي تطلّبت نقل قوات كبيرة إلى الشمال.
أكثر من هذا، أشارت تقارير إسرائيلية أخيراً، إلى تقديم بعض الدول العربية المساعدة لإسرائيل لتجاوز الحصار البحري الذي فرضه الحوثيون في البحر الأحمر على السفن المتجهة إلى إسرائيل، وتزويدها بالبضائع من خلال خط امدادات بري للبضائع.
وداخل حدود فلسطين المحتلة، فإن الضفة الغربية لم تشتعل على الرغم مما يحدث في غزة وعلى الرغم مما يحدث في الضفة نفسها من عمليات عسكرية إسرائيلية يومية منذ 7 أكتوبر وتنفيذ اعتقالات واسعة وتدمير ممنهج لمخيمات ومدن في الضفة. كما بقيت القدس المحتلة هادئة نسبياً وكذلك الداخل الفلسطيني، وكل هذا خفف كثيراً على دولة الاحتلال التي كانت تخشى اشتعال هذه الساحات، لكن هذا لم يحدث.
تهجير منذ اليوم الأول
وسط هذا كله لا تكتفي إسرائيل بالقتل والتدمير وتهجير الفلسطينيين داخل غزة، ولكنها تريدهم خارجها، مستخدمة عدة أساليب، منها بطبيعة الحال عمليات القصف المتواصلة. وما يؤكد النوايا الإسرائيلية، التصريحات المتعاقبة من قبل عدد من الوزراء في حكومة الاحتلال، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم، على الرغم من الانتقادات الدولية ورفع دولة جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تتهمها فيها بارتكاب عمليات إبادة جماعية وجرائم حرب.
وكرر بن غفير في لقاء مع "وول ستريت جورنال" أخيراً، خططه لـ"تشجيع السكان الفلسطينيين في غزة على المغادرة طوعاً إلى بلدان أخرى حول العالم، من خلال تقديم حوافز اقتصادية لهم". لكن بن غفير ليس وحيداً، وعلى الرغم من تصريحات نتنياهو بأنه يرفض عودة الاستيطان الإسرائيلي إلى قطاع غزة، إلا أن 12 وزيراً و15 نائباً في الكنيست الإسرائيلي على الأقل شاركوا قبل أيام في مؤتمر بمشاركة الآلاف، في القدس المحتلة، يدعو إلى الاستيطان في قطاع غزة وتهجير سكانها.
وفي مؤشر آخر إلى النوايا الإسرائيلية، كشف سموتريتش عن نيّة إسرائيل إقامة حكم عسكري في قطاع غزة، وقال "سيكون هناك حكم عسكري إسرائيلي في غزة. نحن جميعاً متفقون أن علينا البقاء في غزة. لقد قلت للجميع في المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) إنني لست ضد جلب جهة معتدلة (لحكم غزة)، ولكن لا توجد جهة كهذه. علينا نحن أن نقوم بتركيز الجهود الإنسانية لكي نلتزم بالقانون الدولي".
حرب مستمرة "حتى النصر"
في ظل الحديث عن عدم تحقيق الاحتلال أهدافه من الحرب، يكرر بعض المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو، أنها مستمرة "حتى النصر". ويشير بعض الباحثين الأمنيين الإسرائيليين إلى أن هناك فجوة بين التوقعات بتحقيق صورة نصر واضحة وبين النهاية الفعلية للحرب.
ومن أسباب هذه الفجوة أن المصطلحات التي تستخدم في الحروب بين الدول لا تنطبق بالضرورة على المواجهة مع منظمات مثل "حماس"، كما أنها نابعة من ضبابية أهداف الحرب الإسرائيلية والتي تغيرت منذ بدايتها عدة مرات، وخلقت خلافات حولها، وعدم يقين بشأن الإنجازات المطلوبة من المنظور الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك أن الهدفين الرئيسيين للحرب، وهما إعادة المخطوفين والقضاء على "حماس"، لا يمكن أن يسيرا معاً، كما أن هناك صعوبة في التفريق بين تحقيق النصر وخلق صورة نصر في أذهان الجمهور الإسرائيلي.
تواصل إسرائيل حربها ضد "أونروا"، ووجدت في الظروف الراهنة فرصة حقيقية للتخلص من دورها
في غضون ذلك، يستعد جيش الاحتلال للعمل في منطقة رفح عند الحدود المصرية. وعلى الرغم من التقارير الكثيرة التي أفادت بوجود توتر بين تل أبيب والقاهرة في هذا الشأن، إلا أن كبار المسؤولين الإسرائيليين يواصلون التصريح بأن عملية عسكرية في تلك المنطقة قادمة لا محالة، من بينهم وزير الأمن يوآف غالانت.
وذكرت العديد من التقارير الإسرائيلية في الأيام الأخيرة أن مسؤولين إسرائيليين ناقشوا هذا الأمر مع الجانب المصري. وعليه يبدو أن جيش الاحتلال سيتجه نحو رفح بعد الانتهاء من القتال المكثّف في منطقة خانيونس، وستشهد المنطقة حركة نزوح أخرى للفلسطينيين، الذين ينزحون من منطقة إلى أخرى وسط تعمق معاناتهم. وتخشى مصر محاولات بعض الفلسطينيين النزوح إلى أراضيها في حال قيام إسرائيل بعملية عسكرية هناك، الأمر الذي تراه تهديداً لأمنها ومصالحها.
كما تواصل إسرائيل في هذه الفترة حربها ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي تحرض عليها إسرائيل منذ سنوات طويلة ولكنها وجدت أخيراً فرصة حقيقية للتخلص من دورها على الرغم من أهميتها لإبقاء بعض مقوّمات الحياة في القطاع، بزعم أن عدداً من موظفيها شاركوا في "طوفان الأقصى"، لتضغط إسرائيل على بعض الدول لقطع التمويل عنها، الأمر الذي يعمّق معاناة الغزيين.