حرب السودان... محاولات للانتقام من لجان المقاومة

10 يناير 2024
من تظاهرة رافضة للانقلاب في الخرطوم، إبريل 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل ردود الفعل في السودان على قرار سلطات حكومية حظر نشاط لجان المقاومة وتنسيقيات "الحرية والتغيير"، ما عدته جهات عدة انتقاماً من الثورة السودانية.

لجان المقاومة في السودان... دور محوري منذ 2013

ولعبت لجان المقاومة السودانية منذ تأسيسها في عام 2013 دوراً محورياً في إسقاط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، بداية بتنظيمها احتجاجات شعبية واسعة في ذات عام تأسيسها، ضد قرار النظام بزيادة أسعار المحروقات، وصولاً إلى تبني احتجاجات تطالب بإسقاط النظام في ديسمبر/كانون الأول 2018 والتي انتهت في إبريل/نيسان 2019 بسقوط نظام البشير وتكوين حكومة شراكة بين "تحالف الحرية والتغيير" والمكون العسكري. 

بعد انقلاب قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عادت لجان المقاومة إلى الشوارع من جديد ونظمت احتجاجات متواصلة ضد الانقلاب، قتل فيها أكثر من 120 شخصاً وأصيب فيها المئات واعتقل الآلاف، واستمرت حتى اندلاع الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في 15 إبريل الماضي. 

يواجه "الحرية والتغيير" ولجان المقاومة اتهامات من أنصار الجيش بموالاة "الدعم السريع"

في المقابل، عمل "تحالف الحرية والتغيير" مع لجان المقاومة في مشروع إسقاط نظام البشير ومناهضة انقلاب البرهان، فيما توترت العلاقة بين الجانبين في أعقاب توجه التحالف نحو عقد صفقة مع العسكر لإنهاء الانقلاب، وهو ما رفضته لجان المقاومة بحجة أنه تكرار لتجربة ما تسميه شراكة الدم مع العسكر. 

واجه "الحرية والتغيير" ولجان المقاومة، مع بدء الحرب بين الجيش و"الدعم السريع" في السودان اتهامات من أنصار الجيش بموالاة "الدعم السريع"، وهي اتهامات رفضها تحالف "الحرية والتغيير" ولجان المقاومة تماماً، مؤكدين أن موقفهم رافض للحرب في مجملها وليس انحيازاً لأي طرف.

وقد تعرضت قيادات من اللجان والتحالف لتوقيف في أكثر من منطقة سودانية، مثل كوستي وود مدني وعطبرة ودنقلا والقضارف، لكن لم يصل الأمر إلى حدّ حظر نشاطها إلا في ولاية نهر النيل، شمال السودان. وتشهد هذه الولاية منذ أسبوعين، حملات تجييش واسعة وتسليح للمواطنين لمواجهة أي هجوم من "الدعم السريع" الذي سيطر على أكثر من 10 ولايات في دارفور وكردفان إضافة للخرطوم والجزيرة، ويسعى حالياً للوصول إلى كل من ولايتي سنار والقضارف، وكذلك النيل الأبيض. 

ولاية نهر النيل تحظر "لجان الحرية والتغيير" والمقاومة

وقضى قرار ولاية نهر النيل في السودان بحلّ وحظر لجان تنسيقيات "الحرية والتغيير" وكذلك لجان المقاومة، وشمل القرار كذلك اللجان الإدارية للخدمات والتغيير، والتي تشكلت خلال السنوات الأربع الماضية. واستند والي ولاية نهر النيل، محمد البدوي عبد الماجد، في قراراته، على حالة الطوارئ المعلنة في كل ولايات السودان منذ تفجر القتال بين الجيش وقوات الدعم. وقضى القرار كذلك بتكوين لجان تسيير في كل الأحياء والقرى والمدن، ومنع أي شخصية شاركت في اللجان والتنسيقيات المحظورة من عضوية اللجان الجديدة، وهدّد القرار كل من يعارضه بعقوبات صارمة لم يحددها. 
 
وقوبل قرار والي ولاية نهر النيل بحملة استهجان واسعة، لجهة أنه يخدم أجندة النظام السابق الناقم من لجان المقاومة و"تحالف الحرية والتغيير". وفي هذا السياق، أصدرت لجان المقاومة في مدينة عطبرة، كبرى مدن الولاية ومهد الثورة السودانية، بياناً، أكدت فيه عدم اعترافها بقرار والي الولاية، مؤكدة أن الحرب الجارية هي "حرب حزب المؤتمر الوطني المحلول والمحظور والحركة الإسلامية المخلوعة ضد ثورة ديسمبر المجيدة"، وتعهدت بـ"المضي طريقها نحو إيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية وتحقيق السلام والحرية والعدالة وتفكيك النظام البائد ورميه في مزابل التاريخ"، بحسب ما جاء في البيان.

ودعت اللجان جماهير ولاية نهر النيل والشعب السوداني إلى "مقاومة تلك القرارات في جميع أنحاء السودان من أي سلطة أمر واقعٍ كانت، تريد أن تعيد السودانيين إلى عهود القهر والاستبداد".

وأكد البيان رفضه حملات الاستنفار وتسليح المدنيين والزجّ بهم في حربٍ عبثية رغم الجهود المبذولة لتحقيق السلام وإنهاء الحرب عبر التفاوض والحلول السلمية. وحمّل المسؤولية "للوالي وحكومته والتي تمثل سلطة الأمر الواقع، كامل المسؤولية عن سلامة جميع منسوبي قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة وغرف الطوارئ وكل الرافضين للحرب"، وشدّد على أن "أي اعتقال أو استهداف شخصي أو تعرضٍ لأي منهم يتحمل الوالي ومنفذوه مسؤوليته القانونية تماماً". وأكد البيان استمرار اللجان في نشاطها، وأن "وأي تعرضٍ لها يعد جريمة حرب يحاسب عليها القانون الدولي الإنساني والقوانيين الوطنية واستهداف المدنيين أثناء النزاعات المسلحة".

ويقول أحد شباب لجان المقاومة في مدينة عطبرة، فضّل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، إن القرار "جاء في سياق بند رئيسي لفلول النظام البائد للحرب، وهو تصفية وجود لجان المقاومة، وهو بند عندهم مقدم على تصفية الدعم السريع الذي صنعوه وليس لديهم معه مشكلة إذا ما خدم مصالحهم". وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن لجان المقاومة "دفعت الثمن في السنوات الماضية وجاهزة لدفع أثمان جديدة بعد تلك القرارات المتهورة". 

غضب ورفض للقرار

وتعدت الغضبة حيال القرار الولاية، وأصدر عدد من الأحزاب السياسية السودانية بيانات رافضة ومستهجنة. وفي هذا السياق، دعت صحيفة "الهدف"، لسان حال حزب البعث العربي الاشتراكي، في افتتاحيتها، أمس، إلى حملة تضامن أوسع في مواجهة الهجمة على الحريات، مشيرة إلى أن قرار حظر نشاط لجان المقاومة يفضح الوجه القبيح لانقلاب 25 أكتوبر 2021، وقواه، في مناهضته مبادئ انتفاضة ديسمبر الثورية وقواها ورموزها وشعاراتها، وفي عدائه السافر للتعددية والديمقراطية والحريات العامة، وغيرها من منجزات ومكتسبات الانتفاضة الثورية.

وبيّنت الصحيفة أن والي الولاية سبق أن طلب من منسوبي تحالف قوى الحرية والتغيير، مغادرة الولاية، في غضون 3 أيام "وكأن الولاية إقطاعية خاصة به وبجماعته الفاشية، وبرهطه من فلول النظام المقبور والمتأسلمين"، بحسب "تعبير "الهدف". وذكرت أن "القرارات الأخيرة وفي مجملها لا يسندها قانون أو منطق أو دستور، ولا تصدر إلا عن الهوى، وإلا عن البرم والضيق بقوة وفاعلية الصوت العالي الرافض للحرب ولتوسيع نطاقها، وإلا عن تصميم مريض وأعمى لإطالة الحرب".

محمد عبد الحكم: خطوة التصعيد ضد الحرية والتغيير ولجان المقاومة كانت متدرجة منذ ما قبل انقلاب 25 أكتوبر

وبرأيها، فإن القرار يكشف كذلك "من خلال مخالفته الصريحة للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، التي يعدّ السودان طرفاً فيها، عن طبيعة القوى الاجتماعية للانقلاب وتوجهاتها، في صدامها مع توجهات انتفاضة ديسمبر الثورية المجيدة، وفي علاقتها بالحرب ومراميها، التي تعاني منها بلادنا منذ تسعة أشهر"، منوهة إلى أنه "في ولاية نهر النيل لم تكن البداية، فقد سبقتها ولاية الشمالية، التي تبعتها ولاية النيل الأبيض، في مضمار معاداة الحريات الديمقراطية، بتقييد حرية التعبير والتنظيم والرأي وتبادل الآراء والمعلومات، والتي تطاول بشكل خاص كل الناشطين في منابر وسائط التواصل الاجتماعي".

ولفتت إلى أن الأشهر الماضية "شهدت تصعيداً في قمع الناشطين والمناضلين على حد سواء في عديد من ولايات الوسط والشمال والشرق، حيث نشطت أجهزة الانقلاب، من جديد، في ملاحقة القوى المدنية المناهضة للحرب وللانقلاب معاً، واعتراض أنشطتها في مناهضة الحرب، وفي مساعدة النازحين في الحصول على الإيواء والعون الإنساني".

ودعت "الهدف" في افتتاحيتها التي تعبر عن موقف الحزب "قوى ومكونات الثورة وحراكها السلمي ورموزها إلى مستوى عالي من التضامن بين قوى الديمقراطية ورفض الحرب وإدانتها، ومستوى متقدم من الوحدة والتنسيق بين فصائلها عبر جبهة عريضة للتغيير والديمقراطية".

وفي هذا السياق، يرى القيادي في "تحالف الحرية والتغيير"، محمد عبد الحكم، أن القرارات الصادرة من والي نهر النيل، "هي تبيان جلي لسفور النظام البائد في مسعاه لتصفية ثورة ديسمبر المجيدة، وتؤكد نفس ما ظللنا نردده بأن من أشعل حرب 15 إبريل هم فلول النظام البائد، بغرض وحيد، وهو العودة إلى حكم البلاد فوق أشلاء السودانيين وحطام البلاد التي لفظتهم إلى مزابل التاريخ بثورة شعبية عظيمة التف حولها كل الشعب السوداني، وضحّى بالدماء الطاهرة مهراً لإسقاط نظام التنظيم الإسلامي الإرهابي"، على حد وصفه.

ويعتبر عبد الحكم في حديث لـ"العربي الجديد"، أن خطوة التصعيد ضد الحرية والتغيير ولجان المقاومة "كانت متدرجة منذ ما قبل انقلاب 25 أكتوبر وتزايدت عقب الانقلاب وتعاظمت مع إطلاق الفلول لشرارة الحرب اللعينة، وبلغت مداها في التطرف بقرارات رسمية من سلطة الأمر الواقع". ويرى أن القرار الأخير (الحظر) "كشف للجميع الغشاوة التي حاولت الفلول وضعها أمام أعين الشعب السوداني، بأن الحرب تستهدف تصفية انتقامية لثورة ديسمبر مستغلة الخلاف المصنوع بدقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".
 
ويؤكد عبد الحكم أن "عزيمة الشعب الذي ذاق الويلات جراء الحرب وأفعال الفلول، قادرة على تجاوز المصائب المهولة التي يعانيها، وهو لن يسمح بعودة أفاعي التنظيم الإرهابي إلى حكمه من جديد"، وفق تعبيره. وبرأيه، فإن "لا سبيل أمام هذا الشعب سوى تحقيق أهدافه المجيدة التي أخطتها بالدماء في ثورة ديسمبر، بتحقيق دولة الحرية والعدالة والسلام، ومحاسبة فلول النظام البائد، وكل من ارتكب جريمة في حق الشعب العظيم".

لكن رئيس حزب "بناة المستقبل" فتح الرحمن فضيل، يعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من حيث المبدأ، فإن الحرية حق أصيل للجميع من كافة المشارب يساراً ويميناً، رغم أن الحرية والتغيير نفسها أول من صادرت هذه الحقوق الأساسية بمجرد وصولها إلى الحكم وتعاملت بديكتاتورية مدنية مقيتة، الأمر الذي قسّم الساحة السياسية وقاد إلى التشرذم والحرب، لكن لا ينبغي معاملتها بالمثل". 

ويستدرك فضيل بقوله "إن كل من يدعم المليشيا المتمردة، يجب محاسبته وسجنه فوراً، بغضّ النظر عن حزبه"، في إشارة إلى الاتهامات الموجهة للتحالف واللجان بدعم قوات "الدعم السريع"، نافياً ما يقال عن أن القرارات هدفها تصفية الثورة. ويلفت في هذا الصدد إلى أن "هذا حديث مجاني، فالصورة ليس ملك للحرية والتغيير، بل الحرية والتغيير مجرد متسلق للثورة وبايع لها للخارج مقابل أن يصبحوا موظفين للخارج، وهذا أصبح الآن واضحاً وبيّناً ولا جدال فيه". وبرأيه، فإن "أغلبية المقاومة مؤيدة الآن لجيشهم وملتفة حوله ومن شذّ هو من يجب محاسبته"، بحسب تعبيره.