حرب السودان... المعارك من شوارع المدن إلى قمم الجبال

30 أكتوبر 2024
جنود سودانيون في القضارف، 14 أغسطس 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023، مستهدفة المواقع الاستراتيجية في المدن والجبال، مما أدى إلى أكثر من 13 ألف قتيل ودمار واسع في الخرطوم وولايات أخرى.
- أصبحت الجبال السودانية ساحة معارك رئيسية، حيث تسعى قوات الدعم السريع للسيطرة عليها، مثل جبل موية بولاية سنار، لكن الجيش استعاد السيطرة في أكتوبر 2023.
- يواجه الدعم السريع تحديات في حرب الجبال بسبب نقص الخبرة، بينما يمتلك الجيش السوداني ميزة استراتيجية بفضل خبرته في التضاريس الوعرة.

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خاضت القوتان العديد من المعارك لبسط السيطرة على المواقع المدنية والعسكرية ذات الأهمية الاستراتيجية لكل منهما داخل المدن، قبل أن تتحول حرب السودان إلى المساحات المفتوحة بين الولايات وعلى الطرق.

وتركزت المعارك بالأخص حول الجبال التي تنتشر في السودان بأعداد كبيرة، ويحيط الكثير منها بمدن وقرى ومواقع عسكرية ذات أهمية للطرفين، ما جعلها ساحة جديدة للمعارك، وهدفاً ذا أهمية، خصوصاً لقوات الدعم السريع التي تبحث عن مواقع تعصمها من الهجمات البرية للجيش. ومنذ بداية حرب السودان في 15 إبريل/نيسان 2023، يخوض الجيش السوداني ومليشيات "الدعم السريع" صراعاً عسكرياً، خلّف أكثر من 13 ألف قتيل، وفقاً لـ"مشروع بيانات مواقع النزاعات المسلحة وأحداثها" (أكليد) أخيراً.

وأدت حرب السودان إلى تقاسم الطرفين السيطرة على ولايات البلاد الـ18، مخلفين دماراً هائلاً بعدد من المدن، على رأسها العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري. واستمر الصراع حول المواقع المهمة والاستراتيجية خصوصاً في الخرطوم وولايات سنار وشمال دارفور.
وكانت أعنف المعارك في المناطق العسكرية والاستراتيجية داخل المدن وحولها في الأشهر الأولى للحرب، مثل القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري، وفروع الوحدات العسكرية في وسط وأطراف العاصمة، قبل أن تنتقل الاشتباكات إلى الغابات والصحاري. وتبرز الجبال باعتبارها مواقع ذات أهمية استراتيجية للطرفين، إذ استمات كل جانب في الدفاع عن الجبال التي يسيطر عليها، أو الهجوم على الجبال بيد الطرف الآخر. وكانت قوات الدعم السريع الأكثر هجوماً على هذه المواقع.

معارك جبل موية

وقد دارت آخر حروب الجبال في منطقة جبل موية الاستراتيجية التابعة لولاية سنار في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد، والتي هاجمتها "الدعم" وسيطرت عليها في 25 يونيو/حزيران الماضي. وتسبب ذلك في قطع الطريق الرئيسي وعرقلة الإمداد عن ولاية النيل الأبيض وأقاليم كردفان ودارفور. ومن خلالها تمكنت "الدعم" من الهجوم والسيطرة على مدن ولاية سنار، بما في ذلك عاصمة الولاية سنجة، ثم مدن الدندر والدالي والمزموم وكركوج.

وشن الجيش في 3 أكتوبر/تشرين الأول الحالي هجوماً على جبل موية وقصف تمركزات قوات الدعم السريع المتحصنة هناك. وأعلن، بعد نحو يومين، استعادته الكاملة لمنطقة الجبل الواقعة على الحدود بين ولايتي الجزيرة وسنار، والتي تأثر الجيش بفقدانها نسبة لموقعها، الذي مكن "الدعم" من قطع الطريق الذي يربط الفرقة 18 مشاة التابعة للجيش في ولاية النيل الأبيض بسنار. وقد تنقل الجيش خلال الهجوم بين مناطق جبل دود، وجبل فنقوقة، وجبل الأعور حتى جبل موية.

وخلال حرب السودان، خاض الطرفان عدداً من المعارك حول السلاسل الجبلية الاستراتيجية، من بينها جبل كردفان بولاية شمال كردفان شرق مدينة الأبيض عاصمة الولاية. ويضم قاعدة عسكرية للجيش وموقعاً للتدريب، وسيطر عليه الجيش في 7 مايو/أيار الماضي بعد معارك ضارية مع قوات الدعم السريع. وكانت أبرز المواقع الجبلية الاستراتيجية التي خسرها الجيش هي منطقة جبل أولياء، حيث شنت "الدعم" العديد من الهجمات على المنطقة التي تمثل البوابة الجنوبية للعاصمة الخرطوم. وشهد الموقع معارك ضارية لأشهر قبل أن تسيطر عليه "الدعم" في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، واستولت بذلك على المنطقة العسكرية التي تعد القاعدة الأهم جنوب الخرطوم، وتتكون من معسكر للجيش وقاعدة "ود النجومي" الجوية الخاصة بالمروحيات. ويضم الموقع جسراً صغيراً فوق نهر النيل يربط الخرطوم بمدينة أم درمان.

محمد إبراهيم: "الدعم" تستخدم في حرب السودان ما تعلمته من الجيش

وفي جبال النوبة بولاية جنوب كردفان، تمثل مدينة كاودا إحدى أهم المدن الحصينة، والتي تعتبر الآن المعقل الرئيسي للحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، إذ تتسم المنطقة بسلسلة الجبال والتلال الوعرة، أبرزها جبال المورود التي تحيط بمدينة كاودا من كافة الجهات. وقد فشلت قوات الدعم السريع في اقتحام المدينة، ومنيت بهزيمة هناك، عندما هاجمت الموقع في العام 2015 خلال عهد الرئيس المعزول عمر البشير.

أيضاً تعتبر منطقة جبل مرة بولاية وسط دارفور في إقليم دارفور، غربي السودان، موقعاً استراتيجياً تسيطر عليه حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، وهي مجموعة قمم بركانية صعّبت على قوات الحكومة خلال عهد البشير، ومن ضمنها "الدعم السريع" حينها، السيطرة على الجبل وهزيمة حركة نور المتحصنة هناك. وقد تعرضت مدينة الفاو التابعة لولاية القضارف إلى هجمات متتالية من "الدعم" بعد سيطرتها على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة القريبة، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2023، لكنها لم تستطع اقتحام المدينة المحصنة بالجبال، والتي يتمركز فيها الجيش وحلفاؤه من الحركات المسلحة بكثافة، إذ تقع الفاو وسط سلسلة من الجبال العالية التي تحيط بها من كل الاتجاهات. وفي دارفور، خاضت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح (مسلحون موالون للحكومة) معارك ضارية في يوليو/تموز الماضي مع "الدعم السريع" في منطقة جبل عدولة الواقعة بين مدن الفاشر ونيالا والضعين، وهي موقع استراتيجي استخدمته من قبل الحركات المسلحة في دارفور ملجأً حصيناً لقتال نظام البشير.

"الدعم" تستخدم في حرب السودان تكتيكات الجيش

ورأى المحلل العسكري محمد إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن قوات الدعم السريع تستخدم في حرب السودان ما تعلمته من الجيش الذي دربها وسلحها عندما كانت قوة حكومية قبل حرب 15 إبريل 2023، وهي تعلم أهمية السلاسل الجبلية باعتبارها دفاعات طبيعية ضد الهجمات البرية. وأضاف أن عدداً من القادة الميدانيين لقوات الدعم السريع حالياً كانوا ضباطاً نظاميين أصلاً، ويعلمون التكتيكات والاستراتيجيات المتعلقة بالسيطرة على المواقع التي تحتاجها "الدعم"، خصوصاً في الفترة الأخيرة التي فقدت فيها الكثير من المقاتلين.

وأشار إبراهيم إلى أن الكثير من المواقع العسكرية والاستراتيجية في السودان مقامة في مناطق جبلية، وهي أهداف مغرية لقوات الدعم السريع، لكنها سلاح ذو حدين، إذ إن الجبال ليست مكاناً سهلاً لخوض المعارك، ويمكن أن تصبح السلاسل الجبلية وبالاً على المتحصن المدافع في مواجهة القوات البرية المدعومة جواً، إذا لم تكن لديه الخبرة العسكرية الكافية في معارك الجبال. ونبه إلى أن نقص المقاتلين سيجعل "الدعم" تبحث عن مواقع دفاعية تمكن إدارتها بأقل عدد من الجنود، مقارنة بالمهاجم الذي سيحتاج إلى قوة أكبر لاقتحام المواقع الحصينة، معتبراً أن معركة جبل موية الأخيرة قصمت ظهر "الدعم" وأفقدتها موقعاً ذا أهمية كبيرة.

معتصم عبد القادر: سيطرة الجيش على سلسلة جبل موية تمكنه من حصار "الدعم"

وقال المستشار في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية اللواء معتصم عبد القادر، لـ"العربي الجديد"، إن حرب السودان تميزت بالمناطق الجبلية والوديان أو الحواضر المدنية التي تكثر فيها البنايات العالية والشوارع الضيقة، الأمر الذي يتطلب دراية وخبرات متنوعة في حرب الجبال وحرب المدن، وهو ما افتقرت إليه "الدعم السريع" وأبدع فيه الجيش السوداني، على حد وصفه. وأضاف أنه سبق للمليشيا أن فشلت، إبان فترة النظام السابق، في قتال الحركات المسلحة في جبال النوبة جنوب غربي البلاد، وجبال الأنقسنا في الجنوب الشرقي، ويعزى الفشل لطبيعة مقاتلي المليشيا الذين تعودوا على القتال في المناطق الصحراوية، ويشترك معهم في ذلك العناصر المستنفرون لمساندتهم من دول الصحراء الكبرى.

وذكر عبد القادر أن حرب الجبال أو التضاريس الوعرة تعودت وتدربت عليها القوات المسلحة في حروبها السابقة، إلى جانب ما تتلقاه قيادات وقواعد عناصر الجيش من تدريب على العمليات في كافة التضاريس في الكليات والمعاهد العسكرية. وأوضح أن الجيش السوداني يمتلك في منطقة جبيت الجبلية، شرقي السودان، معهداً متخصصاً في التدريب على حرب الجبال. وأشار إلى أن المعارك في المناطق الجبلية تُعطي القوات المُسيطرة على المناطق المرتفعة ميزة رصد واصطياد القوات في المناطق السهلية، والتحكم في حركتها والالتفاف حولها وقطع إمداداتها، وتعطيل آلياتها، كما يمكن لها نصب الكمائن وزرع الألغام لتعطيل حركة أي تقدم للقوات الأخرى.

ورأى عبد القادر أنه في معركة جبل كردفان، استطاع الجيش ممثلاً في المنطقة الغربية دحر قوات الدعم السريع، وقتل قائدها عبد المنعم شيريا، ومن بعد ذلك، بدأ في استهداف القيادات الميدانية لهذه القوات، مثل علي يعقوب في الفاشر وعبد الرحمن البيشي في مناطق جبل موية وآخرين، لافتاً إلى أن تحصن الجيش في جبال الفاو أفشل محاولات المليشيا للتقدم نحو الولايات الشرقية. وذكر أن سيطرة الجيش على سلسلة جبل موية الاستراتيجية تمكنه من حصار "الدعم" في ولايات سنار والجزيرة والخرطوم من الناحيتين الجنوبية والغربية، ويقطع أمامها سبل الهروب إلى حواضنها غرباً ولا يترك لها إلا خيار الاستسلام أو الإبادة.

المساهمون