حرب أكتوبر: هل خذلت السياسة التفوق العسكري المصري؟

حرب أكتوبر: هل خذلت السياسة التفوق العسكري المصري؟

06 أكتوبر 2023
تتباين الآراء حول دور أنور السادات (Getty)
+ الخط -

هل أضاع الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، إنجاز الجيش المصري الكبير في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وسقط في لعبة السياسة الدولية خصوصاً الأميركية، بدءاً من مفاوضات الكيلو 101 وصولاً إلى معاهدة السلام في كامب ديفيد 1979؟، سؤال لا يزال يشغل بال الباحثين والمؤرخين المهتمين بتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

الثابت تاريخياً أن القوات المسلحة المصرية، أحدثت في بداية حرب أكتوبر إنجازاً كبيراً وحققت التوازن على الجبهة، لكن الأمر تغيّر بعد ذلك، عند حدوث ثغرة الدفرسوار وما تبعها من أحداث وصلت إلى إقصاء رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق سعد الدين الشاذلي، واللواء عبد المنعم واصل من مهامهما، وقبول السادات على عجل اقتراحاً إسرائيلياً، عن طريق وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، بالبدء فوراً في محادثات مباشرة عسكرية على الكيلو 101 من طريق السويس، وهو ما شكّل صدمة بين بعض القادة في القوات المسلحة، وفي الوطن العربي بشكل عام.

الخلاف في القيادة المصرية

في كتابه "المعارك الحربية على الجبهة"، خصص اللواء جمال حماد الفصل العاشر ليروي قصة الخلاف الشهير بين الرئيس الراحل أنور السادات والفريق سعد الشاذلي، خلال الأيام الأخيرة من حرب أكتوبر، وهي مسألة ذائعة الصيت، ويدور بشأنها لغط كبير حتى اليوم.

قال حماد إنه "كان للأزمة العنيفة التي نشبت بين الرئيس السادات والفريق الشاذلي في المرحلة الأخيرة من حرب أكتوبر، التي انتهت بإقالة الشاذلي من منصبه رسمياً كرئيس للأركان، مساء يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 1973، بعد حوالي ستة أسابيع من انتهاء العمليات الحربية وسريان وقف إطلاق النار، وقع بالغ الأثر سواء داخل مصر أو في الخارج".

ولفت إلى أن "ما زاد من حدة الموقف أن كلاً من الرئيس السادات في كتابه (البحث عن الذات)، والفريق الشاذلي في مذكراته عن حرب أكتوبر، قد وجّه للآخر سيلاً من الانتقادات اللاذعة والاتهامات الخطيرة بصورة لم يسبق لها مثيل، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبرى وبلبلة شديدة في نفوس الناس، وجعلهم في حيرة بسبب هذا التراشق الحاد بالتهم بين رجلين يُعدان من أبرز الشخصيات التي أدت دوراً حيوياً في حرب أكتوبر".

الشويمي: لم يحدث أي تقصير. كان هناك تأييد أميركي كامل لإسرائيل، وكان لا بد من التعامل مع الموقف بحكمة

مساعد وزير الخارجية المصري السابق، السفير إبراهيم الشويمي، قال في حديث لـ"العربي الجديد" إنه "لم يحدث أي تقصير. كان هناك تأييد أميركي كامل لإسرائيل، وكان لا بد من التعامل مع الموقف بحكمة، وكانت إسرائيل تراوغ مراوغة شديدة".

وأضاف الشويمي أن هناك "أسراراً ووثائق موجودة لكنها طيّ الكتمان لضرورة الأمن القومي المصري، حيث تم توثيق الحرب وبدايتها ونهايتها حتى تحرير طابا".

هل خسرت مصر الحرب؟

المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الله الأشعل، الذي حضر توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، كان له رأي مختلف في ما حدث، إذ قال في حديث لـ"العربي الجديد": "تحوّلت مصر في أيام الرئيس السادات، من شريك لإسرائيل في عملية السلام الوهمية، إلى مسهّل لاختراق إسرائيل العالم العربي. ومصر كانت الخاسر الأكبر في هذا الموضوع".

وتابع: "عندما كنا ننادي بالقومية العربية، كانت مصر هي الرابح الأكبر".

وأشار الأشعل إلى مذكرات نائب رئيس الجمهورية السابق حسين الشافعي، إبان حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، التي اتهم فيها الشافعي، الرئيس السادات بأنه "كان عميلاً للمخابرات الأميركية". وذكر أن السفير الأميركي السابق في القاهرة هيرمان إيلتس، قال له في أثناء زيارة إلى الولايات المتحدة عام 1992، إن "القيادة المصرية عميلة لإسرائيل وأميركا، والجيش المصري تم التنكيل به".

وأضاف الأشعل: "الجيش المصري كان ضحية القيادات السياسية والعسكرية الفاسدة في 1967، ولذلك لم يُهزم الجيش وإنما انهزمت العقلية الحاكمة في ذلك الوقت وهي القيادة فقط. لكن مصر لم تنحسر، وكانت كلها قوة".

وتابع: "أما بالنسبة لعام 1973، فالحقيقة أن السادات له الفضل في استدعاء القيادات التاريخية والحقيقية والأبناء المخلصين في الجيش المصري، أمثال الشاذلي وغيره من أبطال أكتوبر، ولكن ما حدث أن إسرائيل تقول إنها أملت شروطها في اتفاقية السلام، وذلك أكبر دليل على هزيمة مصر في أكتوبر، ويقولون أيضاً إنه في أول 6 أيام من الحرب وبفعل الصدمة واختراق بارليف، كان نصراً لمصر، ولكن بعد ذلك استجمعت إسرائيل قواها، وألحقت خسائر في الجيش المصري، وحدثت ثغرة الدفرسوار، وحصار الجيش الثالث الميداني".

وتابع: "الحقيقة لولا توقيع رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة المصرية المشير محمد عبد الغني الجمسي اتفاقية الكيلو 101 على طريق الإسماعيلية السويس، لكان الجيش المصري الثالث قد ألحقت به خسائر كبيرة".

واعتبر السفير المصري السابق أن "الجيش المصري انتصر في 1973، نظرياً وميدانياً، وما حدث كان نصراً معنوياً وهزيمة لعقدة الجيش الاسرائيلي بأنه "جيش لا يهزم ولا يقهر"، وهناك بطولات كثيرة جداً في الحرب، لكن السادات بسبب خضوعه لإسرائيل وتقاربه معها قبل أن يوقع اتفاق السلام، كان أخطر شيء".

وأضاف الأشعل: "وأنا أبحث في أوراق كامب ديفيد، وجدت تعهداً من جانب الرئيس الأميركي جيمي كارتر، لرئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت مناحيم بيغن، يقول له فيه: وعدت السادات بأنك ستنسحب من سيناء، وإذا جاءت حكومة مصرية لا نرضى عنها وتكره إسرائيل، ستحتل سيناء مرة أخرى".

انتصار عسكري للقاهرة؟

أما رئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، وهو ابن شقيق الرئيس أنور السادات، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "حرب أكتوبر 1973، التي قامت بها مصر، ودعمها الأشقاء العرب، كانت أول انتصار عسكري حقيقي تحققه مصر منذ عهد محمد علي".

وأضاف: "نحن في حرب 48 خسرنا كل شيء، وفي 56، لم يكن انتصاراً عسكرياً، ولكن سياسي، وفي 67 كانت هزيمة، حتى لو أطلقنا عليها نكسة. أما في 73 وعندما تصالح المجتمع مع نفسه ومع الله، وتم التنظيم ووضعت الخطط، وكانت هناك قيادات تعرف مسؤوليتها وهدفها، حققنا النصر".

وتابع السادات: "هناك الكثير من المشككين، سواء داخل مصر أو خارجها، وحتى في إسرائيل، في الرئيس السادات، ولكن لا بد أن يكون معلوماً للجميع أن السادات كان يعرف منذ البداية أنه لن تكون هناك فرصة لتحقيق نصر كامل على إسرائيل، لأن الغرب لن يتركها، ولكن ما يمكن أن يحدث هو نوع من تحريك للقضية عن طريق العبور وبناء مواقع حصينة، ثم التفاوض كي تسترجع باقي الأرض وهذا ما حدث".

محمد السادات: ما حققته مصر في مفاوضات السلام، هو استعادة كل الأرض بدون استنزاف أرواح عسكرية وموارد

ولفت السادات إلى أن "هناك من يقول لماذا لم يكمل السادات ليصل إلى تل أبيب"، مضيفاً "أي عسكري استراتيجي يعرف أن هذا الحديث كلام ناس لم تكن تعرف الأوضاع العسكرية على الأرض". وأشار إلى أن "أميركا دشنت جسراً جوياً ومعها دول أوروبية، وعوّضت إسرائيل في الأيام الثلاثة الأولى عما فقدته، ولم تكن لتسمح بهزيمة إسرائيل". وتابع: "السادات كان يعرف إمكاناته وحدوده، فعبر وذهب إلى الضفة الأخرى من القناة، ثم تمترس، ثم قال أنا جاهز نتكلم".

واعتبر أن "ما حققته مصر في مفاوضات السلام، هو استعادة كل الأرض بدون استنزاف أرواح عسكرية وموارد، بل إن السلام أعطى تعاطفاً كبيراً مع مصر من العالم، لأن الحروب لن تستمر طول الوقت". وأضاف: "الرئيس السادات كان حريصاً على أبنائه ويعرف حدوده، فتوقف وبدأت عجلة السياسة، واستعدنا الأرض دون نقطة دم".