حراك 22 فبراير في الجزائر.. أخطاء ومآلات

حراك 22 فبراير في الجزائر.. أخطاء ومآلات

22 فبراير 2024
لم يكن التظاهر السياسي في الشارع كافيا لتحقيق مطالب الجزائريين (العربي الجديد)
+ الخط -

جملة أخطاء سياسية متعددة الأبعاد ارتكبت في خضم الحراك الشعبي

انقضت خمس سنوات على الحراك الشعبي في الجزائر. ففي 22 فبراير/ شباط 2019، وفيما كان الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة يتوجه إلى الترشح لولاية رئاسية خامسة، برغم غيابه قبل ذلك لأكثر من سنتين عن المشهد السياسي بشكل تام نتيجة مرضه، خرج ملايين الجزائريين إلى الشارع في مظاهرات لم تشهد لها البلاد سابقة.

ورغم إعلان بوتفليقة سحب ترشحه الذي استفز الجزائريين وإلغاء الانتخابات، وبدء ملاحقة عدد كبير من الوزراء ورجال الكارتل المالي، إلا أن المظاهرات الشعبية استمرت كل جمعة لما يقارب العامين للمطالبة بتغيير سياسي شامل وتكريس انتقال ديمقراطي.

ولم يكن التظاهر السياسي في الشارع كافيا لتحقيق المطالب، على الرغم من انخراط واسع للطبقة السياسية والنقابات والنخب المستقلة والمعارضة، إذ نجحت السلطة وفق هندسة مسار انتخابي أفضى إلى انتخابات رئاسية جرت في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، حملت الرئيس عبد المجيد تبون إلى السلطة، تلتها استحقاقات سياسية وانتخابية سحبت جزءا كبيرا من المجتمع السياسي والشارع إلى هذا الخيار، وبدأ معه تيار الحراك الشعبي يجفّ شيئا فشيئا، إلى أن جرى تحييده بشكل كامل، ضمن مقاربة سياسية لم تتأخر في استخدام المقاربة الأمنية والتضييق على النشطاء.

لكن جملة أخطاء سياسية متعددة الأبعاد ارتكبت في خضم الحراك الشعبي، ومن فواعله المنخرطة فيه، فوفّرت فرصة للسلطة لاحتوائه، ومنحتها حزمة مبررات اعتمدتها قاعدة لسلوكها إزاء الحراك. فبعد خمس سنوات من الحراك، يقرّ عدد من النشطاء الفاعلين في هذه الحركة الشعبية بذلك.

نذير كلوز، وهو ناشط بارز في الحراك، يعتبر أن تقييما موضوعيا لمسار الحراك يؤكد أن خطأيْن أساسيين ارتكبا، تسببا في أحداث انقسامية كبيرة، وساعدا السلطة على استرجاع المبادرة.

ويقول في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "رفع الراية الأمازيغية لم يكن له مبرر، وكانت من أهم الأسباب التي تذرعت بها السلطة وقائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح لبدء التضييق. ورغم محاولات لسحب هذه الذريعة، إلا أن تيارا أصرّ على ذلك، بينما حركت السلطة آلة القضاء والقبضة الأمنية"، مضيفا أن "الخطأ الثاني مرتبط بالنخبة السياسية والمدنية التي لم تكن في مستوى هذه الحركة الشعبية، فقد سادت محاولات بروز وتداخل الأيديولوجيات السياسية، وبداية صراع عميق بين من هو إسلامي ومن هو علماني، على الرغم من أن الشعارات التي كانت ترفع فعليا كانت عكس ذلك".

وبحسب رأي الكثير من الناشطين في نقاشات جرت في مناسبات ذات صلة بحوارات فكرية وسياسية حول الحراك الشعبي، فإن من جملة الأخطاء الأخرى التي ارتكبت في خضم الحراك، "تغلغل تيار صدامي في الشارع، كانت تغذيه مجموعات متشددة ومنفلتة، ويوجد بعض رموزها في الخارج، وكانت تشجع على الصدام مع مؤسسات الدولة الحيوية، من خلال الشعارات التي كانت ترفع في المظاهرات ضد الجيش والمخابرات، خاصة شعارات "الجنرالات إلى المزبلة"، و"المخابرات الإرهابية"".

ويؤكد الناشط عز الدين زحوف، الذي اقتنع لاحقا بما يصفه بـ"ضرورة نقل الحراك إلى داخل المؤسسات المنتخبة"، وبات نائبا في البرلمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "لم يكن مقبولا لدى الغالبية في الشارع الجزائري وجود تشكيك هدّام في مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسة العسكرية والأمنية، ومن خلال شعارات اتضح أنها كانت بدافع من نشطاء في الخارج، وصممت على خلفيات لم يكن الجزء الغالب من الحراك الشعبي ليتوافق مع مضمونها وغاياتها السياسية التي كانت تؤسس لصدام حتمي يهدر أبرز ميزات الحراك منذ بدايته ألا وهي السلمية".

وأضاف زحوف أن "هذه الشعارات ما كان ينبغي أن ترفع، إضافة إلى شعارات أخرى غير واقعية وغير قابلة للقياس، مثل شعار (يتنحاو قاع، ليرحل الجميع)، وهو شعار كما نعلم أنه غير صادر عن النخبة التي لم تتحل بالشجاعة الكافية لصد ومنع مثل هذه الشعارات وصياغة مشروع أكثر نضجا".

منذ فترة، برز الناشط في الحراك الشعبي، عبد الكريم زغليش، عبر طرحه لأسئلة حول مسارات الحراك، ومطالبته المستمرة بضرورة إجراء تقييم موضوعي للحراك.

ويقر زغليش في تقديره بأن غياب التأطير السياسي للحراك يعد أبرز الأخطاء التي ارتكبت، حيث "لم يكن واقعيا ترك الحركة الشعبية وزخم الشارع مفتوحا دون تأطير وتمثيلية تساعد في وضع محتوى سياسي واضح، وتسهم في تنظيم المسار الذي يتوجب نهجه، وصولا إلى تحقيق أولى غايات الانتقال الديمقراطي الهادئ، وعلى الرغم من ارتفاع أصوات عديدة سياسية ونخب في تلك الفترة تطالب بضرورة وضع إطار يجمع كل القوى والتوصل إلى تمثيلية للحراك، إلا أن كل المبادرات لم تكن تنجح بسبب اعتراضات متعددة".

ويعتبر زغيليش، الذي أصبح قياديا في حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، أن "عدم وجود إطار تمثيلي للحراك مسألة كانت ستنتهي لا محالة إلى إفراغ الحركة الشعبية من كل محتوى سياسي، وحصره في مجرد شعارات".

ولا يقتصر طرح إجراء تقييم موضوعي له علاقة بالنتائج والمآلات التي انتهى إليها الحراك على النشطاء المستقلين.

وفي الذكرى الخامسة لانطلاقته، يؤكد رئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، في بيان نشره اليوم الخميس، أن "الحراك الشعبي، الذي شكَّل لدى الجزائريين لحظة انتقال وتغيير وتصحيح، وساهم في إخراج الوعي الجماعي لدى كل فئات الشعب إزاء ما عاشته البلاد من ممارسات سلطوية، ساهمت في تجميع عوامل الرفض السياسي لمظاهر الاستبداد والتشبث بالسلطة، والفشل في تحقيق التنمية وطغيان الفساد المالي والأخلاقي، مع التضييق المتصاعد لهامش الحريات الجماعية والفردية، وصناعة الفراغ السياسي المتجاهل للأدوات الديمقراطية"، تفرض بحسبه "طرح السؤال الذي يظل يراود النخب السياسية والحزبية والمجتمعية وفئات الشعب الجزائري؛ هل حقق ذلك الإجماع الشعبي انتقالا سياسيا سلسا؟ وساهم في صياغة مشروع تحول ديمقراطي يضمن للبلاد معالم الدولة الجزائرية التي كرسها بيان أول نوفمبر، وضحى من أجلها الشعب الجزائري عبر كل المحطات التاريخية؟".

ويعتبر حساني أن الجواب عن هذه التساؤلات "مرتبط بتحقيق ملامح دولة تتمسك بالثوابت الوطنية وتكرس الحريات وتحفظ الحقوق وتحقق الرخاء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي".

المساهمون