تشهد ليبيا عودة كثيفة للحراك في كلّ مسارات الحلّ التي تراعاها الأمم المتحدة، التي قرّرت تعيين الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيتش ممثلاً أممياً جديداً في ليبيا.
وفيما يُنتظر أن ينتهي الاجتماع المباشر للجنة الاستشارية بملتقى الحوار السياسي، اليوم السبت، وسط توقعات بانتهائها من مناقشة عدة خيارات حول آليات اختيار شاغلي السلطة التنفيذية الجديدة، تستعد اللجنة القانونية لاستئناف اجتماعاتها عبر تقنية الفيديو اليوم لمواصلة مداولاتها، بعدما قدمت، خلال جلستها الافتراضية الخامسة الخميس الماضي، توصياتها بشأن "القاعدة الدستورية للانتخابات"، وفق بيان سابق للبعثة الأممية.
وفي الأثناء، دعت البعثة الأممية كلّ الناشطين الليبيين من الشباب وفئة النساء إلى المشاركة في جلسة "حوارية رقمية مباشرة، اليوم السبت، لمناقشة المستجدات في المسارات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ولتقديم ملاحظات وتوصيات ومقترحات حول مختلف المسارات لـ"تأخذها البعثة بعين الاعتبار".
وبدأت اللجنة الاستشارية اجتماعها المباشر الأربعاء الماضي، في جنيف السويسرية، وسط تكتم كبير حول مداولات أعضائها، وتشديد من البعثة على إطار عملها الزمني المحدّد الذي سينتهي اليوم السبت، لتقدم البعثة، في وقت لاحق، توصيات اللجنة لجلسة مباشرة لكامل أعضاء ملتقى الحوار السياسي.
ووفق مصادر مقرّبة من أعضاء الملتقى، فإنه من المتوقع أن تعلن البعثة الأممية عن نتائج اجتماع جنيف لمشاركة الرأي العام المرتقب، خصوصاً مع تشديد دولي على ضرورة أن يتوافق أعضاء اللجنة على تشكيل حكومة موحدة مؤقتة، آخرها دعوة الاتحاد الأوروبي لـ"ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تجهّز للانتخابات المقبلة".
كما قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي خوسيه ساباديل إنه "أجرى مباحثات جيدة جداً هذا الأسبوع مع وزير الداخلية فتحي باشاغا، حيث تم التشديد على ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية"، بحسب تغريدة على حسابه الشخصي، دونما بيان للأسباب حول بحثه لهذا الاستحقاق المهم مع وزير الداخلية من دون غيره من الشخصيات الليبية، في وقت أفادت فيه المصادر ذاتها بأن باشاغا لا يزال صاحب الحظ الأوفر في تولي منصب بارز في السلطة التنفيذية المنتظرة.
وبحسب بيان سابق للبعثة، فإنها ستنقل توصيات اجتماع اللجنة الاستشارية إلى اجتماع مباشر للملتقى في وقت لاحق لم تحدّده، لكن المحلل السياسي الليبي خميس الرابطي يرجح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون اللقاء المباشر للملتقى "قريباً"، مستنداً إلى أن المواقف الدولية والإقليمية لم تتوقف عن التقارب والسعي لصياغة تفاهمات تحفظ مصالحها في ليبيا من دون تضارب بينها، معتبراً أن الخصام الدولي والإقليمي عامل العرقلة الأول لوصول الأطراف الليبية إلى توافق حول سلطة موحدة.
وبالتزامن، قالت وسائل إعلام دولية إن مجلس الأمن لم يعترض على تعيين السلوفاكي يان كوبيتش لشغل منصب الممثل الأممي الخاص في ليبيا، لكن حتى الآن، لم يعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قراره بشأن الممثل الجديد.
وتأتي الخطوة الأممية الجديدة بشأن بعثتها، بعد اعتذار البلغاري نيكولاي ملادينوف عن عدم تولي المنصب بعد توافق أعضاء مجلس الأمن عليه، لأسباب قال إنها "أسرية".
وعُرف عن كوبيتش شغله لمناصب أممية عدة، من بينها منصب المبعوث الأممي الخاص إلى العراق بين 2015 و2018، وقبلها في أفغانستان من 2011 إلى 2015، لكن نتائج عمله في الساحتين لا تجعل الرأي العام في ليبيا مستبشراً بوصوله، بحسب رأي الرابطي، الذي يؤكد أن تسميته مبعوثا خاصا يعني نجاحاً أميركياً في إقناع الأمم المتحدة بهيكلة جديدة للبعثة، تحتفظ فيها الدبلوماسية الأميركية الحالية ستيفاني ويليامز بمنصبها رئيسةً للبعثة التي تحمل مسمّى بعثة الأمم المتحدة للدعم السياسي في ليبيا.
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي، قدّمت واشنطن للأمين العام للأمم المتحدة مقترحاً لإحداث تغيير بنيوي في هيكلة البعثة في ليبيا، يقضي بتقاسم أعمال البعثة بين موفدين، الأول ممثل أممي خاص، والثاني يتولى رئاسة البعثة.
ونجحت ويليامز، أثناء توليها رئاسة البعثة بالإنابة خلفاً للبناني المستقيل غسان سلامة في مارس/آذار الماضي، في الدفع بمسارات الحلّ لخطوات مهمة، من بينها المسار السياسي الذي انتهى إلى انعقاد ملتقى الحوار السياسي منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والمسار العسكري الذي انتهى إلى توقيع اتفاق وقف دائم لإطلاق النار في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وتستعدّ اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5 لاجتماع جديد منتصف الأسبوع الجاري، لاستئناف مناقشة الترتيبات الأمنية الخاصة بفتح الطريق الساحلي المار بمدينة سرت، وسط البلاد.
ووفق مصدر أمني مقرّب من وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن وزارة الداخلية على تواصل مباشر مع أعضاء اللجنة العسكرية لنشر قوة أمنية مشتركة، مؤلفة من عناصر أمنية من وزارتي الداخلية بحكومتي الوفاق والموازية، لتأمين منطقة سرت والطريق الساحلي.
ورجحت المصادر ذاتها أن تبدأ اللجنة العسكرية بإجراءات فتح الطريق الساحلي مطلع الأسبوع المقبل، مشيرة إلى أنه تم الانتهاء من التأكد من خلو الطريق الساحلي من الألغام التي قد تهدّد حياة المارة، والاتفاق على إبعاد المجموعات المسلّحة لكلي طرفي الصراع بعيداً عن مسار الطريق الساحلي، تمهيداً للبدء، أيضاً، بفتح مسارات الطرق المتجهة للجنوب الليبي والمرتبطة بمدينة سرت.
ويبدو أن ملف إخراج المقاتلين الأجانب، وهو أهم الملفات، المناط باللجنة العسكرية تنفيذه، مؤجل، لكن الرابطي يعتبر أن هذه المستجدات حراك يصبّ في مصلحة تهيئة المناخ المناسب لاجتماع ملتقى الحوار السياسي مجدداً، للخروج باتفاق حول شكل السلطة الجديدة.
وفي ذات الوقت، يشير إلى أن ملتقى الحوار لن ينجح في أكثر من توحيد السلطة، من دون إفراز طبقة سياسية جديدة على الأقل في المناصب الهامة.
ويلفت الرابطي إلى أن كل هذه التحركات، سواء على صعيد الحوار السياسي أو التقارب العسكري المنتظر من الاجتماع المقبل اللجنة العسكرية، ناتجة عن تفاهمات وتقارب في الآراء بين الدول المتنفذة في الملف الليبي، موضحاً أنه "بعد التقارب المصري التركي، نرى الآن تقارباً تركياً فرنسياً، بالإضافة إلى بوادر رغبة روسية في تقريب مواقفها أيضاً".
لكن في المقابل، لا يرى الباحث السياسي الليبي سعيد الجواشي أن تكوّن التفاهمات الدولية والاقليمية كافية، وعلى الرغم من أنه يعتبرها "خطوة مهمة نحو الخلاص من التدخلات السلبية التي يدعم فيها كلّ طرف فصيلاً محلياً، سواء كان سياسياً أو عسكرياً"، إلا أنه يرى أن الخطوة المقبلة الأكثر صعوبة تتمثل في توافق كل تلك الأطراف على شخصية ليبية تكون الأقدر على الحفاظ على مصالح الجميع.
وتتناثر الأسماء الليبية بشكل كثيف في المشهد المواكب لمجريات ملتقى الحوار السياسي، المناط به تشكيل سلطة تنفيذية جديدة، فعلاوة على شخصية باشاغا الأكثر ظهوراً في الآونة الأخيرة، توجد شخصية نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، الذي أنهى زيارة للعاصمة المصرية القاهرة، لا تبدو أنها منفصلة عن مساعيه للبحث عن دعم مصري لتوليه منصباً مهماً في السلطة الجديدة.
كما توجد شخصيات أخرى أقل حظاً، مثل رجلي الأعمال عبد الحميد دبيبة ومحمد المنتصر، فيما لا يزال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج ورئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح يكافحان من أجل الحصول على مناصب مهمة أيضاً.
وفي الأثناء، أكدت مصادر حكومية من طرابلس قرب عودة نائبي رئيس المجلس الرئاسي علي القطراني وفتحي المجبري، المنسحبين من عضوية المجلس منذ ثلاث سنوات، لشغل منصبيهما مجدداً في المجلس في إطار الصراع والتنافس الحاصل في طرابلس بين قادتها، خصوصاً أن كليهما موالٍ لمعسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وشددت رئيسة البعثة الأممية ستيفاني ويليامز على أن الاجتماع الحالي للجنة الاستشارية لن يناقش أسماء، بل يناقش القضايا العالقة بشأن آليات اختيار الأسماء، حيث ستوكل مهمة اختيار شاغلي السلطة الجديدة لأعضاء ملتقى الحوار السياسي في جلسة مباشرة لاحقة، ومن دون شك، فإن الآلية التي سيتوافق عليها أعضاء اللجنة الاستشارية تنتظر تفاهمات العواصم ذات الثقل في الملف الليبي لتكيف على أساسها شروط الشخصية المنتظرة، بحسب الجواشي، ولذا، بحسب رأيه، فإن الاجتماع المباشر لملتقى الحوار السياسي مجدداً سيتأخر قليلاً.
وفي الأثناء، يستعدّ وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا لإطلاق "الغرفة الأمنية العليا" يوم غد الأحد، بحسب إعلان سابق لوزارته، للإشراف على عملية أمنية واسعة تستهدف مهربي الوقود والبشر والمسلّحين الخارجين عن القانون.
وتقوم شركة "روز بارتنز" الأمنية البريطانية بإعداد هيكلة "الغرفة الأمنية العليا"، وفق بيان سابق للوزارة، أما عملية التنفيذ فستجرى بعلم عدة دول متصلة بالشأن الليبي، خصوصاً على صعيد الميدان، وفق مراحل تبدأ من تقويض سلطة عدد من المجموعات المسلّحة في العاصمة طرابلس وما حولها من مناطق، قبل أن تتوسع لبسط الوزارة سيطرتها على مناطق أوسع باتجاه وسط البلاد.
ووفق قراءة الجواشي لـ"العربي الجديد"، فإن العملية الأمنية التي يسعى باشاغا لإنجاحها، من خلال حشد إقليمي وموافقة دولية لها، ليست إلا دعاية انتخابية له لدى تلك الدول، وتهيئة للرأي العام لقبوله كشخصية يمكنها تنفيذ المزيد. ويقول متحدثاً لـ"العربي الجديد" إن "باشاغا فضّل العمل بعيداً عن التأثير المباشر على أعضاء الملتقى، ليثبت على أرض الواقع أنه الأقوى ويمكنه الموازنة بين مطالب الداخل والخارج"، لكنه، في الوقت ذاته، يرى أن الوزير يقف على بعد خطوات من الفشل وانطفاء نجمه إذا تسببت عمليته في مواجهة مسلّحة مع تلك المجموعات المسلّحة التي تعارض مشروعه.
ومنذ مساء الخميس الماضي، تشهد طرابلس انتشاراً ليلياً كثيفاً لعناصر الأمن التابعين لوزارة الداخلية، في وسط وأطراف المدينة، فيما ينشط على الجانب الآخر وزير الدفاع صلاح النمروش، الذي كرّر في العديد من التصريحات تحفظه على عملية وزارة الداخلية الأمنية، في زيارة مقرات مجموعات مسلّحة في مدن شرق وغرب العاصمة طرابلس، آخرها معسكرات في مدينة زوارة الحدودية مع تونس، الخميس الماضي.