حراك دولي دبلوماسي يعيد الضوء إلى لبنان وسط استغلال سياسي داخلي

08 ابريل 2022
المنظومة السياسية تسعى لتعويض خسائرها الشعبية(حسين بيضون)
+ الخط -

شهدت الساحة اللبنانية، أمس الخميس، خرقَين لافتَين بتوقيتهما. الأول دولي، بإعلان اتفاق مبدئي "على مستوى الموظفين" مع صندوق النقد. أما الثاني، فهو عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية والكويت واليمن، بعد قطيعة استمرّت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021. 

ويأتي هذان التطوران على مسافة شهر من موعد الانتخابات النيابية المرتقبة في 15 مايو/أيار المقبل، فيما تحاول المنظومة السياسية استغلالهما "انجازاً" لتعويض خسائرها الشعبية في صناديق الاقتراع.

إبرة مورفين

وتوصل الوفد اللبناني المفاوض مع بعثة صندوق النقد الدولي إلى اتفاق مبدئي على برنامج تصحيح اقتصادي ومالي من ستّ ركائز تحت اسم "التسهيل الائتماني الممدد"، مدته أربع سنوات، مع طلب الحصول على 2.1 مليون وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يعادل حوالى 3 مليارات دولار أميركي.

خطوة اعتبرها خبراء اقتصاديون بمثابة "إبرة مورفين" أُعطيت للسلطة السياسية قبيل الاستحقاق الانتخابي، بينما تبقى العبرة في تنفيذ الإصلاحات المستبعد تحقيقها على أيدي المسؤولين أنفسهم عن انهيار لبنان، وخصوصاً بعد تجارب شبيهة على مستوى "باريس 1" و"باريس 2" و"باريس 3" ومؤتمر سيدر.

وقف الطلاق

هذا الحدث الذي أُعلن بعد زيارة حاسمة قام بها وفد صندوق النقد الدولي للبنان ولاقى ترحيباً أميركياً فرنسياً سريعاً، تزامن أيضاً في توقيته مع التبليغ رسمياً عن عودة سفراء السعودية والكويت واليمن إلى بيروت، وذلك "استجابةً لنداءات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان، وتفاعلاً مع الالتزام الذي قطعه رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي ووقف كل الأنشطة العسكرية والسياسية والأمنية التي تمسّ دول مجلس التعاون الخليجي"، بحسب وزارة الخارجية السعودية.

وقال وزير الخارجية اللبناني الأسبق ناصيف حتي لـ"العربي الجديد" إن عودة السفراء مرحبٌ بها، وخصوصاً أن لبنان يعوِّل على أن تكون العلاقات طبيعية بمعنى جيدة ومميزة مع الأخوة العرب.

وربط حتي هذه "العودة بالدرجة الأولى بتغييرات إيجابية لُمِسَت لبنانياً، أقلّه مواقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الأخيرة التي لاقت ترحيباً سعودياً كويتياً خليجياً من هنا التعويل على عودة العلاقات إلى سابق عهدها لتتسم بالحرارة المعروفة والتعاون الصادق في إطار الأسرة العربية".

بدوره، رأى وزير الخارجية اللبناني الأسبق شربل وهبة، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "المنظار أكثر إقليمي دولي في ظل محاولات تهدئة على صعيد المنطقة. الأمر الذي يريح لبنان، حيث إن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أعلن تسليم صلاحياته لمجلس قيادة رئاسي في اليمن، وذلك على وقع مشاورات بدأت بين اليمنيين لتهدئة الحرب، في حين هناك مفاوضات قائمة بين إيران والمملكة للتوصل إلى تفاهمات معينة في ظل أيضاً الصراع الأوكراني الروسي الذي يرمي بثقله على المنطقة كلها".

من هذا المنظار، قال وهبة إن "عودة السفراء توحي بأن لبنان يمكن أن يعود ليتقن دوره الذي عهدناه فيه كعنصر إيجابي ضمن الأسرة العربية الموفِّق والموحد، وذلك بالتزامن أيضاً مع عنصر إضافي يتمثل بالاتفاق المبدئي بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد في مؤشر يوحي بإمكان عودة الثقة الدولية والمؤسسات المالية العالمية بتلك اللبنانية في حال عملنا على تحسين ظروف القرارات اللبنانية بالطريقة المناسبة".

المبادرة الكويتية

ولفت وزير الخارجية اللبناني الأسبق إلى أنه "كان على تواصل مع وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح الذي كان يتألم من الابتعاد وإدارة الظهر الخليجي للأزمة اللبنانية، وقد نجح بمبادرته وتمكّنا في لبنان بالتعاون مع المخلصين من وقف الطلاق الدائم الذي كان ممكناً أن يصلَ إليه لبنان وإيقاف الانحدار إلى هذا الاتجاه وإعادة الأمور لتسلك الطريق إلى التعافي".

وأضاف: "ما يهمنا ليس فقط الشق المتعلق بالدعم المالي، إذ إن علاقتنا مع دول الخليج هي علاقة طبيعية تعود إلى طبيعة الشعب اللبناني والنظام في لبنان الذي عليه أن يلعب دوره في الأسرة العربية".

وأشار وهبة إلى أن "المبادرة الكويتية هي إطار عمل وليست فقط بنوداً تتضمن عناوين أجاب عليها لبنان عبر وزير خارجيته عبد الله بو حبيب ولاقت ترحيباً كويتياً، وقد اطلعت عليها السعودية ولم تبدِ أي موقف سلبي منها، وهو ما أدى إلى عودة السفراء".

وبحسب وهبة فإن "الأمور لم تعد لنقائها وصفائها ولكن حتماً أصبحنا على طريق غير مأزوم أو مسدود بل من شأنه أن يؤدي إلى حلٍّ".

ولا يربط وهبة عودة العلاقات الدبلوماسية بالانتخابات النيابية التي يعتبرها استحقاقاً لبنانياً على الشعب أن ينظر إليه كفرصة بحاجة إليها للمشاركة في العملية الديمقراطية والحياة السياسية اللبنانية والتعبير عن رأيه في صناديق الاقتراع لإنتاج مجلس نيابي سيكون له كلمته بانتخاب رئيس جديد للبلاد.

استثمار انتخابي

وفي قراءة لهذه التطورات على الساحة اللبنانية، قال الكاتب السياسي جورج شاهين لـ"العربي الجديد" إنه ليس صدفة حصول الخطوتين بالشكل والتوقيت، ولو أن هناك اختلافاً بالهدف والمضمون.

وأشار شاهين إلى أن "موجة الانفراج المتوقعة في المنطقة تنعكس حتماً على لبنان، منها الانفراجات المهمة بالملف اليمني والتفاهمات الإيرانية السعودية".

واستدرك بأنه "على الصعيد اللبناني لم نلمس أي تغيير جدي على صعيد وقف التدخلات من جانب "حزب الله" وأنشطته التي تمسّ دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، بينها الحرب الإعلامية الناطقة خصوصاً بها قناة "المنار" التابعة له، ما يؤكد أن الحل ليس عند اللبنانيين".

في المقابل، رأى شاهين أن "التطورين حتماً لهما انعكاساتهما على الاستحقاق النيابي، فأركان المنظومة ليست مرتاحة طبعاً لعودة السعوديين في التوقيت الحالي، ما من شأنه أن يغير في الكثير من الحسابات الانتخابية".

وأضاف أن "من الواضح أن هناك استثماراً سيحصل، سواء من جانب ميقاتي في عودة السفراء، ولو أن لفرنسا دوراً كبيراً بذلك، بينما رئيس الجمهورية ميشال عون حتماً يريد الاستثمار بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وإن كان لا يزال بشقه المبدئي".

المساهمون