للأسبوع الثالث على التوالي، تُصعّد كتل سياسية عراقية ومسؤولون محليون في مدن شمال وغرب البلاد، حراكها الهادف لإخراج المليشيات المسلحة من مراكز المدن، مستغلةً تفاعلات مجزرة الفرحاتية بمحافظة صلاح الدين في السابع عشر من الشهر الماضي، والتي راح ضحيتها 12 مدنياً فيما ما زال آخرون في عداد المختطفين، وكذلك ورقة قرب الانتخابات المبكرة وأهمية إبعاد سلاح المليشيات وتأثيراته عنها.
وتنتشر عشرات الفصائل المسلحة في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل؛ قسم منها مرتبط بإيران بشكل مباشر، وأبرزها كتائب "حزب الله" و"العصائب" و"النجباء" و"الخراساني" و"الطفوف" و"البدلاء" و"سيد الشهداء" و"عاشوراء" و"بدر" و"جند الإمام"، عدا عن مليشيات أخرى تعرف باسم "الحشد العشائري" التي تعتبر من النسيج الاجتماعي نفسه لتلك المناطق، لكنها على الرغم من ذلك متهمة أيضاً بجرائم وانتهاكات ومخالفات ترتبط بتسلطها على السكان، والتضييق على حياتهم اليومية، فضلاً عن تورطها بعمليات فساد، وتدخلها في عمل الدوائر الحكومية. وهو ما يعزز طروحات وحجة الأهالي بضرورة إخراج كل المليشيات والاكتفاء بالقوات النظامية في مراكز المدن، خصوصاً في الأحياء السكنية والأسواق.
سياسي عراقي: بعثة الأمم المتحدة تهرّبت من تبني مطلب إخراج المليشيات من المدن
وكشف سياسي عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عن تحرك جدّي من قبل تكتلات سياسية وقبلية مختلفة في مناطق عدة من صلاح الدين والأنبار ونينوى لحسم ورقة إخراج المليشيات من مراكز المدن ودفعها على أقل تقدير إلى أطرافها، وبسط سيطرة الجيش العراقي والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية وأفواج الطوارئ وقوات التدخل السريع ووحدات الأمن الوطني وجهاز المخابرات والاستخبارات الداخلية.
وأشار السياسي نفسه الذي طلب عدم ذكر اسمه، إلى أنّ "التحرك يستند إلى دعوات وقصص حية لانتهاكات يتعرّض لها سكان المدن على أيدي أفراد من تلك المليشيات وتدخلهم بالحياة العامة للسكان وفرضهم إتاوات ولعب دور سماسرة في تسيير معاملات غير قانونية أو دفع رشى واشتراكهم في عمليات تهريب، فضلاً عن ملف الانتخابات، إذ إنّ هناك تخوّفاً من أن تؤدي المليشيات دوراً سلبياً في عملية الاقتراع بما يخل بنزاهة الاستحقاق المنتظر". ولفت إلى ما وصفه بـ"برود وعدم تفاعل من قبل بعثة الأمم المتحدة، التي تهرّبت من تبني هذا المطلب، على الرغم من تبنيها ملفات كثيرة بعضها مشابه له، من دون معرفة سبب ذلك". لكنه أشار إلى أنّ البعثة "تقدر عجز الحكومة الحالية عن إنجاز هذا الاستحقاق، وتعتبر قضية إخراج المليشيات حالياً معركة فاشلة ما لم تقرر إيران ذلك. عدا عن كون الموضوع له بعد سياسي وإقليمي". واستدرك: "لذلك الطلب لم يكن إخراج المليشيات من المحافظات نهائياً، بل أن تبقى خارج الأحياء السكنية والأسواق والمدن".
وترفض الفصائل المسلحة منذ سنوات عدة الخروج من عدد من المحافظات التي باتت لها سيطرة عليها، لا بل تحركت لطلب تخصيص قطع أراض سكنية لكل عنصر من عناصرها شارك في عملية طرد تنظيم "داعش" منها، كما هو الحال في كركوك ونينوى. ونشطت أخيراً المليشيات في تلك المناطق في مجالات التجارة والاستثمار، مستغلةً قوة السلاح ونفوذها داخل الحكومات المحلية. ففي نينوى، أنشأت المكاتب الاقتصادية، وفي صلاح الدين اللجان التنسيقية، وفي الأنبار اللجان الأمنية، وكلها عناوين تخفي وراءها مصالح مالية كبيرة لتلك المليشيات.
في السياق، قال نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، ظافر العاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لم يعد هناك أي مبرر لتواجد القوات غير النظامية أو المليشيات غير المنضبطة في مدن شمال وغرب العراق". وأضاف أن "المشاكل التي ترافق وجود هذه المليشيات أصبحت ثقيلة على الناس وعلى اقتصاد الدولة ومصالح المجتمع، وكذلك على حياة المواطنين وأمنهم، وليست مجزرة الفرحاتية التي راح ضحيتها 12 شاباً إلا دليلاً واحداً من بين مئات الأدلة على الجرائم التي يقوم بها البعض تحت راية الفصائل المسلحة".
وأكد العاني أنّ "الدعوات المتكررة لإخراج الفصائل المسلحة نابعة من أنه لا توجد حاجة لوجودها في تلك المناطق مع كل المشاكل المطروحة. يضاف لذلك أنّ وجودها لا يساعد على إجراء انتخابات مبكرة نزيهة وشفافة، فمعظم هذه الفصائل ترتبط بأحزاب سياسية، وعناصرها أعضاء فيها، وتدخلها لفرض مرشحي هذه الأحزاب وإجبار الناس على التصويت لهم بقوة السلاح، إنما يطعن في نزاهة الانتخابات المزمع إجراؤها". وتابع: "عليه نؤكد مطلبنا بضرورة إخراج كل المسلحين من هذه المدن، وإيكال أمر حمايتها إلى وزارة الدفاع والشرطة المحلية".
لكن أحد شخصيات الحراك السياسي في مدينة سامراء، وهو ناجح الميزان، قال إنّ "الحكومة غير قادرة على إخراج قوات الحشد الشعبي من المدن المحررة، وهي تدرك أن هذه القوات لا تأخذ الأوامر منها، لذا تخشى بحال إصدارها قرارات في هذا الشأن، من ألا يتم تنفيذها". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "فصائل كثيرة داخل الحشد الشعبي تخضع لأوامر إيران، وليس لأوامر الحكومة العراقية، وهذه الفصائل تختزل الحشد ككل، لذا أي حراك لن يكون مجدياً مع هذه الحكومة".
إيران والجهات السياسية الموالية لها، لن توافق على إخراج الحشد الشعبي من المدن المحررة
وتابع الميزان: "إيران والجهات السياسية الموالية لها، لن توافق على إخراج الحشد الشعبي من المدن المحررة، فهي تريد إبقاء السيطرة على هذه الأخيرة لأهداف سياسية واقتصادية، فكل موارد تلك المدن تحت سيطرة تلك القوات التي تتبع جهات سياسية وخارجية". وحذّر من أن "بقاء المليشيات يعني استمرار عمليات التغيير الديمغرافي وعمليات القتل والخطف والابتزاز والسرقات والتهريب، وغيرها من الأعمال الإجرامية والإرهابية".
في المقابل، رأى القيادي في "الحشد الشعبي"، محمد البصري، أنّ "الدعوات لإخراج الحشد الشعبي في الوقت الحاضر، تأتي ضمن مشروع وأجندات خارجية، تحاول إعادة العراق إلى المربع الأول، بإعادة وتمكين الإرهاب والإرهابيين من السيطرة على تلك المدن". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحشد الشعبي قوة رسمية، وتتواجد في المدن المحررة أو غيرها، بأمر من القائد العام للقوات المسلحة العراقية (رئيس الوزراء)".
واعتبر البصري أنّ "القائد العام للقوات المسلحة يدرك خطورة الوضع الأمني في تلك المناطق في حال انسحاب الحشد الشعبي منها، ولهذا هو مع بقاء تلك القوات، من أجل استمرار فرض الأمن والأمان في تلك المدن، ومنع عودة داعش للمحافظات العراقية".