حذر جزائري من الانقلاب في النيجر: قلق أمني وسياسي

01 اغسطس 2023
مهاجرون غير نظاميين في منطقة أرليت بالنيجر، مارس الماضي (ستانيسلاس بوييه/فرانس برس)
+ الخط -

تُتابع الجزائر بحذرٍ لافت تطورات الموقف في النيجر المجاورة، بعد أسبوع من الانقلاب الذي أطاح في هذا البلد الرئيس المنتخب، محمد بازوم، من دون أن تغامر بأي مواقف قد تعقد الأزمة على غرار المواقف التي تصدرها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" (هدّد قادتها أخيراً باتخاذ إجراءات عسكرية ضد المجلس العسكري الذي قال إنه تسلّم السلطة في النيجر). وتبدو الجزائر معنيةً، بالدرجة الأولى، بالحرص على جهود تثبيت السلم ومنع أي انزلاق للوضع في النيجر، بسبب مخاوف استباقية من أن تكون هي الجهة التي تتحمل أكبر الأعباء الأمنية والاجتماعية في حال حدوث أي تطورات غير محمودة، من جهة، ولمنع تعطل مشاريع اقتصادية وحيوية أطلقتها الجزائر منذ فترة على علاقة بالنيجر.

حرص جزائري على الحل السلمي في النيجر

ويؤكد دبلوماسيون جزائريون تحدثت إليهم "العربي الجديد" أن الجزائر لا تبدي ثقة بالمواقف الغربية إزاء الوضع في النيجر، مهما كانت حدّتها في رفض الانقلاب، خصوصاً أن تجارب سابقة للمواقف الغربية إزاء انقلابات أخرى، لم تكن حادة وجدّية بالقدر نفسه، ما يعني أن المسألة تحكمها المصالح الاستراتيجية في الأساس. ويعتبر هؤلاء أن هذا الوضع يفرض على الجزائر، لكونها معنية أكثر من غيرها بالتطورات في النيجر بحكم الجوار الجغرافي، الحرص على بقاء الوضع في إطار سياسي سلمي ومنع أي انزلاق له، ورفض أي عسكرة للأزمة في هذا البلد.   

الجزائر تعطي أولوية بالغة لمنع أي عوامل قد تنقل الحالة السودانية إلى النيجر

وكان واضحاً من خلال رصد تطورات الموقف الجزائري، أن الجزائر تعطي أولوية بالغة للحفاظ على قدر كبير من السلم في النيجر، عبر منع أي عوامل أو خيارات قد تنقل الحالة السودانية إلى الجوار الجزائري، ما قد تضطر معه الجزائر إلى تحمّل قدر من المسؤولية، خصوصاً على المستوى الإنساني وتدفق اللاجئين.

وترغب الجزائر في حلّ تفاوضي بين السلطة الشرعية والانقلابيين، ولا تريد أي تدخل عسكري كالذي هددت به دول "إيكواس"، وهو ما سيفرز برأيها اضطرابات تعرف بدايتها، لكن نهاياتها تبقى مجهولة. ويُلمس ذلك من المواقف الجزائرية المعبَّر عنها في البيان الرسمي الجزائري الذي أعقب الانقلاب، أو المكالمة الهاتفية مع رئيس بنين، باتريس تالون، عشية اجتماع مجموعة "إيكواس".

وكانت الجزائر قد أكدت، بحسب بيان لوزارة خارجيتها، أنها تتابع بقلق تطورات الأوضاع في النيجر، وتدين بشدة محاولة الانقلاب الجارية، مؤكدة تمسكها بالمبادئ الأساسية التي توجه العمل الجماعي للدول الأفريقية، داخل الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك الرفض القاطع للتغييرات غير الدستورية للحكومات. وإذ دعت الجزائر في بيانها إلى "وضع حدّ فوري لهذا الاعتداء غير المقبول على النظام الدستوري"، وما رأت فيه "انتهاكاً خطيراً لمقتضيات سيادة القانون"، فإنها شدّدت "على ضرورة أن يعمل الجميع من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والمؤسساتي للنيجر، بما يضمن استدامة الأمن والاستقرار في هذا البلد".  

تجنّب المغامرة بالمواقف المتسرّعة

ويرجح مراقبون مهتمون بالوضع السياسي في المنطقة وبعلاقات الجزائر مع دول الساحل الأفريقي، أن تلجأ الجزائر إلى تطوير موقفها السياسي مع الحالة الانقلابية في النيجر، من دون أن تتخذ أي مواقف تغامر فيها بعلاقاتها مع النيجر ومع القادة الجدد للبلاد، خصوصاً أنه لا توجد مؤشرات على إمكانية تراجع الانقلابيين عن موقفهم.

توفيق بوقاعدة: لا تمتلك الجزائر الكفاية الدبلوماسية لحشد موقف دبلوماسي سلمي

وهذه الحالة تستدعي التذكير بوضع مماثل في العلاقة بين الجزائر والانقلابيين في الجارة مالي، حيث سمحت تطورات الموقف بتطبيع العلاقات والتعامل مع السلطة الانقلابية في مالي كأمر واقع، وإعادة بناء تعاون سياسي بعد تجاوز مستوى الموقف المبدئي الرافض للاستيلاء على السلطة بالقوة.

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا تتوافر مؤشرات كافية لحد الآن عن مسارات الموقف الجزائري"، مفترضاً أن بلاده "لا تزال بصدد قراءة مواقف الأطراف والمجتمع الدولي والإقليمي". واستبعد في الوقت ذاته أن تغامر الجزائر بعلاقاتها بالنيجر. ويرجّح بوقاعدة في هذا السياق أن تقوم الجزائر بـ"تكييف موقفها على حساب ما ستفضي إليه جولة النزاع الداخلي، وخصوصاً أنها في الوقت ذاته لا تمتلك الكفاية الدبلوماسية لحشد موقف دبلوماسي سلمي يرضي الأطراف المتنازعة على السلطة في الداخل، ويحظى بتأييد أطراف دولية وإقليمية".

وبعيداً عن الموقف الذي تعبّر عنه المؤسسة الرسمية في الجزائر، فإن اعتقاداً لافتاً يُعبَّر عنه في وسائل الإعلام والأوساط السياسية، بأنّ الانقلاب القائم في النيجر، على رجل فرنسا الأول في المنطقة (الرئيس المحتجز والمُطاح) محمد بازوم، قد يخدم مصالح الجزائر.

والأخيرة تعمل منذ فترة على دفع فرنسا خارج منطقة الساحل التي تمثل عمقاً حيوياً وأمنياً بالنسبة إلأى الجزائر، ويسمح بمزيد من محاصرة النفوذ الفرنسي في المنطقة، خصوصاً مع تزايد تأييد الشعب النيجيري الذي ضاق ذرعاً بسياسة فرنسا الاستعمارية التي ظلّت تستنزف مقدرات البلد. وتمثل النيجر بالنسبة إلى فرنسا حديقة خلفية نقلت إليها قواتها التي طردت من مالي وبوركينا فاسو، ومورداً اقتصادياً استراتيجياً من حيث استغلالها لليورانيوم المولد للطاقة الكهربائية.

لكن قراءات أخرى تضع على اللائحة حزمة من المخاوف الجزائرية غير معلنة من تداعيات غير متحكم فيها، قد تسبّب ضرراً للمصالح الجزائرية، خصوصاً على الصعيدين الأمني والاجتماعي والاقتصادي.

ويأتي ذلك لا سيما أن هذا التغيير السياسي الحاصل في النيجر، جاء في الوقت الذي بدأت فيه الجزائر تستفيد من حالة استقرار نسبي في منطقة شمال النيجر، حيث تخطط لبناء منطقة تبادل تجاري حرّ مع هذا البلد لتعزيز تسويق السلع والمنتجات الجزائرية، وبدء مشاريع تنقيب عن النفط والغاز في شمال النيجر، والتخطيط لتنفيذ بناء أنبوب نقل الغاز من نيجيريا إلى الجزائر عبر النيجر، وخطّ الألياف البصرية والطريق الصحراوي، إضافة إلى إطلاق الجزائر خطة لبناء محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية شماليّ النيجر.

ويؤكد الباحث المهتم بالشؤون الدولية والاقتصادية، العابد بكاري، أن "تداعيات الانقلاب قد تكون حبلى بكثير من المفاجآت والتطورات الخطيرة، ومفتوحة على كثير من الاحتمالات بالنسبة إلى الجزائر".

جاء الانقلاب في الوقت الذي بدأت فيه الجزائر تطوير مشاريع اقتصادية وتجارية في شمالي النيجر

ويرى بكاري في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الواقع هو أن ما يحدث من تطورات وأحداث متسارعة ستكون له عواقب وخيمة على الجزائر في الحالتين: سواء في حال نجاح الانقلاب، لأن خيارات الانقلابيين غير واضحة، أو في حال فشله، لأنه قد يخلق صراعات في النيجر، ويجدد الصراع على الثروات الاقتصادية المتاحة في المنطقة".

ويأتي ذلك، بحسب الباحث، في الوقت الذي بدأت فيه الجزائر تسعى لخلق ممرات ومناطق تبادل تجاري مع النيجر ودول الساحل، وتنفيذ مشاريع كبرى لنقل الغاز والتنقيب عنه في المنطقة، وإنجاز مشاريع بنى تحتية كمراكز التعليم والتكوين المهني والكهرباء والمياه، التي تعزز الاستقرار وتثبيت سكان شمال النيجر في مناطقهم، وفق شرحه.

ويعتبر بكاري أن "أي توتر قد يفتح الباب لتدفق عدد هائل من اللاجئين هرباً من أهوال الحرب، ما سيكلف الجزائر أموالاً طائلة، وسيشكل تهديداً أمنياً، ويعزز الظروف المساعدة لنشاط الجماعات المسلحة وشبكات الجريمة"، مضيفاً أن "الجزائر تعي خطورة هذا الموقف بالغ التعقيد، ما يفرض على الصعيد الميداني تعزيز الحدود المتاخمة للمنطقة بمزيد من القوات والعتاد الحربي واللوجستي".

أما على الصعيد السياسي، فهناك "حالة استنفار قصوى من قبل الجزائر، للمساعدة في تجاوز هذه الأزمة من دون أي تهديد للسلم الأهلي أو السلم في المنطقة، والقيام بالأدوار الدبلوماسية اللازمة وطرح الحلول الجماعية الممكنة في إطار المنتظم والمؤسسات الإقليمية"، وفق قوله.


 

 

 

 

 

المساهمون