حديث الرئاسة الجزائرية عن "تدابير تهدئة".. تباين في المواقف وقراءات حذرة

26 ديسمبر 2024
خلال مظاهرة في الجزائر العاصمة، 16 إبريل 2021 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثار العفو الرئاسي عن معتقلي الرأي في الجزائر نقاشاً حول تهدئة الأوضاع السياسية، مع الإفراج عن ثلاثة نشطاء كإشارة لاعتراف السلطة بوجود معتقلي رأي.
- تباينت الآراء حول فعالية العفو، حيث يراه البعض بداية لتغيير نهج التعامل مع قضايا التعبير، بينما يشكك آخرون في نوايا السلطة، مطالبين بإجراءات إضافية لتحرير الفضاء العام.
- رغم الإفراج، يشكك محللون في نية التغيير، داعين لوقف التصعيد الأمني والقضائي وخلق بيئة تحترم الحقوق والحريات.

أثار بيان الرئاسة الجزائرية المتعلق بقرار العفو الرئاسي عن معتقلي الرأي الذي أصدره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مساء أمس الأربعاء، نقاشاً لافتاً بعد إدراج الخطوة ضمن ما وصفها البيان بـ"تدابير تهدئة"، وهو ما اعتبر تطوراً في موقف السلطة السياسية وإقرارها بوجود معتقلي رأي عام، وبالحاجة إلى تدابير تهدئة تشمل حل معضلة الموقوفين على أساس الرأي والتعبير عن مواقف سياسية. لم تتضح بعد أسماء النشطاء المعنيين بالعفو الرئاسي، فيما أُفرج حتى حدود مساء الخميس عن ثلاثة منهم، هم سفيان حمدات وأيوب عزاوي وسليمان صولي.

وضمن المواقف والتقديرات المتباينة بشأن حديث الرئاسة الجزائرية عن "تدابير التهدئة"، يرى البعض أنها قد تكون بداية لتغيير نهج التعاطي مع قضايا التعبير عن الرأي، وتوصف "بالقرار في الاتجاه الصحيح"، خصوصاً أن عدة أحزاب سياسية معارضة، مثل "جبهة القوى الاشتراكية" و"حركة مجتمع السلم" و"جيل جديد" وغيرها، كانت قد طالبت أخيراً في مناسبات متعددة، السلطة بالإفراج عن النشطاء ومعتقلي الرأي، واتخاذ سلسلة تدابير تهدئة تشمل أيضاً تحرير الفضاء العام والسماح بالحق في التظاهر، ورفع الإكراهات عن النشاط السياسي والحد من الضغوط عن الصحافة ووسائل الإعلام، وحذرت السلطة مما وصفتها جبهة القوى الاشتراكية بـ"التسيير الأمني للشأن العام".

وقال المحامي ورئيس حزب "اتحاد القوى الديمقراطية"، المحامي عبد الرحمن صالح لـ"العربي الجديد" إن "الخطوة التي اتخذها الرئيس تبون، في ما سمي بتدابير تهدئة، ليست الأولى من نوعها، بما فيها إعفاء محبوسين على ذمة التحقيق من الملاحقة القضائية، لكن تزامنها مع خطاب مهم ومرتقب للرئيس عبد المجيد تبون أمام البرلمان يوم الأحد المقبل، قد يدفع إلى ترقب خطوات أخرى في السياق السياسي نفسه تجعل الصورة أوضح".

من جانبه، يرى الناشط السياسي إسلام بن عطية في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "حديث السلطة عن التهدئة يحيل إلى سلسلة مبادرات سياسية كانت أطلقتها قوى سياسية ومدنية في السابق، كانت تركز على خطوات التهدئة السياسية، وقد تعطي انطباعاً بأن هناك رغبة سياسية في التهدئة، غير أنّ من المبكر الحكم على نيات السلطة، خصوصاً أنه في الوقت نفسه الذي يُفرَج فيه عن موقوفين، يُعتقَل آخرون".

وأضاف: "بما يجعلنا نشعر في الوقت نفسه أننا أمام إرادات غير منسجمة وازدواجية في اتخاذ القرار بين من يدفع إلى التهدئة ومن يصر على المقاربات الأمنية نفسها، وأمام أيادٍ مرتعشة ليس لديها الرغبة الكافية والتصور الواضح للمرحلة، المشهد ضبابي، لكنا نتطلع إلى أن تكون هناك قراءة واعية للمتغيرات الداخلية والدولية".

تدابير تهدئة بعد إجراءات الرأفة

في المقابل، تذهب بعض التقديرات إلى أن الإفراج عن عدد محدود من الموقوفين لا يحمل أي مؤشر سياسي فعلي من قبل السلطة، بالنية في التهدئة أو التخلي عن السياسات المتشددة. بالنسبة إلى المحامي والناشط الحقوقي البارز، عبد الغني بادي، فإن هناك تطوراً لافتاً في حديث السلطة عن الرأفة، ثم التهدئة. وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "هذه أول مرة تستخدم فيها السلطات في بيان رسمي تدابير التهدئة بينما كانت في حالات سابقة قد استخدمت إجراءات الرأفة"، مؤكداً أن "الحديث عن إجراءات تهدئة، كمعنى سياسي، بحاجة إلى مزيد من الشجاعة الإضافية، لكون التهدئة تعني التوقف عن التصعيد بالمفهوم الأمني أو السياسي وعن المتابعات بالمفهوم القضائي، وتتطلب موقفاً سياسياً صريحاً ومعبراً عنه بشكل أوضح". وشدد على أن "التهدئة تحتاج إلى محطات ومراحل، أما بهذا الشكل الذي يطرح من قبل الرئاسة، فإنه يبقى مجرد تلاعب ومراوغة وتعامل مع الظرف، ولا يعطي فعلياً تنازلاً عن المقاربة الأمنية".

وكان الرئيس الجزائري قد أقر أمس الأربعاء "تدابير تهدئة" تخص "إفادة 14 محبوساً (معتقلي الرأي والنشطاء) بإجراءات عفو كلي لباقي العقوبة المحكوم بها عليهم نهائياً في جرائم تتعلق بالنظام العام"، بالإضافة إلى العفو عن "ثمانية محبوسين على ذمة التحقيق وإجراءات المحاكم عن جرائم النظام العام"، التي تعني قضايا الرأي والتعبير عن مواقف أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أو تجمع غير مرخص، قد يستخدم خلالها النشطاء مفردات تجد فيها السلطات فرصة لتكييفها في الغالب على أساس أنها مساس بالوحدة الوطنية أو إهانة هيئة نظامية، وغيرها من التهم التي تشملها المادة 87 مكرر من قانون العقوبات.

ويقصد بمعتقلي الرأي في الجزائر، الذين لا يعرف لهم عدد محدد، عدد من النشطاء الذين أُوقِفوا وأُدينوا في قضايا التعبير عن الرأي ومنشورات على "فيسبوك"، أو بسبب مواقف سياسية. وحتى وقت قريب كانت السلطات ترفض الإقرار بوجود ما يوصفون بمعتقلي رأي، وفي آخر حوار صحافي له في الرابع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، رفض الرئيس وصف هؤلاء النشطاء الموقوفين بمعتقلي الرأي، وقال إنهم مدانون بحكم القانون في تجاوزات تمس الهيئات ومؤسسات الدولة.

وفي هذا السياق انتقد النائب في البرلمان الجزائري عن الجالية في الخارج وعضو لجنة حقوق الإنسان والحوار بين الحضارات ببرلمان البحر المتوسط، عبد الوهاب يعقوبي، في بيان نشره اليوم الخميس، "بروز صعوبة تمكين المواطنين من ممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم بحرية"، وطالب السلطات "بوقف فوري لإجراءات استدعاء منتقدين بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي". وجدد "الرفض القاطع لجميع أشكال التعسف أو حرمان الحق في التعبير عن الآراء السياسية". وأكد يعقوبي المعروف عنه التزامه الدفاع عن الحريات، أن "تقبل النقد البناء وتشجيع المعارضة الإيجابية ضروريان لمواجهة الفساد"، محذراً من أن الاستمرار في "تقييد وسائل الإعلام وقمع حرية التعبير، يجعلان صوت الجزائر غير مسموع ويعرضانها للهجمات العدائية من الخارج". وحث السلطات على "العمل على خلق بيئة منفتحة تقوم على احترام الحقوق والحريات الأساسية للجميع".

المساهمون