استمع إلى الملخص
- التوترات بين الجزائر والمغرب ليست جديدة، وقد زادت بعد استعراض عسكري جزائري، حيث أكد الرئيس تبون أن الجيش يهدف للدفاع فقط، مع التركيز على الاقتصاد الداخلي.
- في 2004، ألغى الرئيس بوتفليقة استعراضاً عسكرياً لتجنب سوء الفهم مع المغرب، مما يعكس الحكمة في التعامل مع التوترات، حيث أن الحديث عن الحرب لا يخدم مصلحة البلدين.
لم يتحدث أحد عن حرب محتملة بين الجزائر والمغرب من قبل، بكل هذا التأكيد الذي عبّر عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وكأنها ستندلع غداً، ذلك أن هذا النوع من الحديث يكسر كل القواعد التي ظلت ضابطة لمستوى ومنسوب توتر العلاقة بين البلدين، والتي بقيت في حدودها الدنيا، بعيداً عن لغة الحرب. لكن ذلك يدعو بالضرورة إلى التساؤل، هل يجوز سياسياً في هذا التوقيت الحرج إقليمياً وعربياً، بسبب التطورات المأساوية في غزة ولبنان وفي السودان المنكسر، الحديث عن حرب أخرى في العالم العربي؟
صحيح أن التوتر السياسي بين الجزائر والمغرب متفاقم، والعلاقات مقطوعة، والمناكفة السياسية والإعلامية بين البلدين لا تتوقف، لكنها في الوقت نفسه ليست مسألة طارئة على العلاقات الجزائرية المغربية، إذ كانت حاضرة بنفس المنسوب منذ عقود، وصولاً إلى مفاجأة تصريحات بوريطة. فقد قال، الجمعة الماضي، في مجلس النواب، إن "هناك مؤشرات تدل على رغبة الجزائر في إشعال حرب بالمنطقة والدخول في مواجهة عسكرية مع المغرب"، وإن "الجزائر تسعى حالياً إلى التصعيد والدخول في مواجهة مع المملكة"، مضيفاً أن "الحرب المحتملة قد تكون رداً جزائرياً على المكاسب التي حققها المغرب على الساحة الدولية في قضية الصحراء".
قد يكون توليد هذا المنحى من التصريحات، قد تم على خلفية الاستعراض العسكري الضخم الذي انتظم في الجزائر، الأسبوع الماضي، بمناسبة عيد ثورة الجزائر، ذلك أن كثافة مفردات الحرب والعسكرة والتصعيد والمواجهة، التي تضمنها هذا التصريح، يراد لها أن تؤدي غرضاً سياسياً- خصوصاً مع عودة دونالد ترامب رئيساً منتخباً للولايات المتحدة- يضع الجزائر في صورة البلد المندفع إلى الحرب. الحقيقة الواضحة عكس ذلك تماماً، ليس لأن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قال في ذلك الاستعراض بوضوح إن "سلاح الجيش الجزائري موجه حصراً لغايات الدفاع عن التراب الوطني"، لكن أيضاً لأن بلداً منشغلاً بإعادة بناء اقتصاده الداخلي، وهيكلة قطاعات حيوية فيه، لا يمكن أن يفكر في الحرب، ولا أن يسعى إليها، ولا يمكن أن يتيح لأي طرف أن يستدرجه إلى الحرب أيضاً.
تحضر الحكمة وتغيب. في عام 2004، كان مقرراً أن تنظم الجزائر استعراضاً عسكرياً، بمناسبة خمسينية ثورة التحرير (1954)، لكن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أعلن حينها إلغاء ذلك الاستعراض، منعاً، وفق قوله، لأي سوء فهم أو تأويلات سياسية من قبل المملكة المغربية لهذا الاستعراض، و"حتى لا يقول هؤلاء وهؤلاء إن الجزائريين يصبّون الزيت على النار". بيد أن قواعد علم السياسة تؤكد دائماً، أن إظهار السلاح والقوة دلالة على الرغبة في السلم لا الحرب. بلا شك، ليس هناك متسع ومجال "للرومانسية" في مثل هذه القضايا، لكن ليس في مصلحة البلدين والشعبين أولاً، وكل المنطقة والعالم العربي ثانياً، صبّ الزيت على النار وإغراق الميديا والفضاءات والمنابر السياسية بحديث الحرب والمواجهة، واستنزاف إضافي للأعصاب المنهكة أصلاً بفعل المأساة الفلسطينية واللبنانية القائمة. إنه حديث يدين الإخفاق في استخدام العقل والمسالك السليمة. الحروب ليست نزهة وليس من الجيد استدعاؤها وجبة سياسية للاستهلاك الداخلي على أي مستوى كان... يمكن لأي كان أن يتصور من هي الجهة الأكثر سعادة واستفادة من حديث الحرب بين الجزائر والمغرب.