جولة ميقاتي في الجنوب: تكثيف العمل لتحييد لبنان ودعم المؤسسة العسكرية

24 أكتوبر 2023
ميقاتي بين عون (يمين) وساينز (يسار) في مقر الـ"يونيفيل" (إكس)
+ الخط -

يسود الهدوء الحذر منذ ساعات صباح اليوم الثلاثاء القرى الحدودية جنوبيّ لبنان، وسط تحليق متواصل للطيران الإسرائيلي في الأجواء الجنوبية، وذلك بعد ليل شهد استمرار المناوشات النارية بين حزب الله وجيش الاحتلال.

ونعى حزب الله، اليوم الثلاثاء، ثلاثة من عناصره سقطوا في قصف إسرائيلي طاول، الاثنين، العديد من البلدات والقرى الحدودية الجنوبية، واستمرّ حتى ساعات الفجر بشكل متقطع، بينما استهدف الحزب مواقع ومراكز إسرائيلية، محققاً -بحسب إعلانه- إصابات مباشرة فيها.

ووسط المشهد الميداني الأمني، قام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، اليوم الثلاثاء، بجولة في الجنوب زار خلالها مقر قيادة قطاع جنوب الليطاني في الجيش في ثكنة صور، وكان في استقباله قائد الجيش العماد جوزيف عون، قبل أن يتوجه الاثنان لاحقاً إلى مقرّ قيادة الـ"يونيفيل" للقاء القائد العام لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، الجنرال أرلدو لازارو ساينز.

وقال مصدرٌ في قيادة الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد"، إن "قائد الجيش وضع رئيس حكومة تصريف الأعمال في أجواء الأوضاع في الجنوب منذ اليوم الأول لبدء الاشتباكات على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة (بالتزامن مع عملية طوفان الأقصى)، وكذلك كيفية عمل الجيش في هذه المرحلة، والتنسيق الذي يقوم به بشكل مستمرّ مع يونيفيل".

وأشار المصدر إلى أن "العماد عون تحدث عن أهمية أن يكون هناك تعاون سياسي في هذه الفترة بالتزامن مع الجهود العسكرية الأمنية للحفاظ على الاستقرار في الجنوب"، لافتاً، إلى أن "المؤسسة رغم الظروف الصعبة التي تمرّ بها إبان الأزمة الاقتصادية، فإنها لا تزال قادرة بتعاون جميع أبنائها على مواجهة كل ما من شأنه أن يهدد لبنان وأراضيه".

ولفت المصدر أيضاً إلى أن "ميقاتي وضع بدوره قائد الجيش بصورة الاتصالات الدبلوماسية الخارجية التي يجريها لوقف الاستفزازات الإسرائيلية بوجه حزب الله والاعتداءات التي لا يمكن السكوت عنها، وطاولت مدنيين وأطقماً إعلامية، لكن حتى اللحظة لا ضمانات أكيدة حول تدخل دولي في هذا المجال، ووضع ميقاتي قائد الجيش في أجواء المحادثات السياسية من أجل حثّ الأطراف على ضبط النفس، وخطة الطوارئ التي تضعها الحكومة في حال حصول الأسوأ وتعرّض لبنان لعدوان إسرائيلي، واطلع منه على أوضاع الجيش على الحدود وعلى حاجاته، وأكد الوقوف الكامل إلى جانب المؤسسة العسكرية".

في السياق الميداني، قال المصدر نفسه لـ"العربي الجديد"، إن "الأجواء حالياً هادئة على الحدود، والجيش اللبناني مع يونيفيل يسيّران الدوريات كالعادة... هناك تحليق مكثف لطيران الاحتلال، ولكن لا ضربات سجلت حتى اللحظة، علماً أنّ وتيرتها خفّت في اليومين الماضيين، مقارنة بالأسبوع الماضي".

من جهته، قال مصدرٌ في الـ"يونيفيل" لـ"العربي الجديد" إن هناك إجراءات مكثفة على الحدود وفي القرى والبلدات الحدودية الساخنة التي يطاولها القصف، لافتاً إلى أنّ التواصل مع الأطراف مستمرّ لحثّهم على ضبط النفس ووقف إطلاق النار. تابع: "رغم عدم التجاوب التام مع هذه الدعوات، ولكن محاولاتنا ستستمرّ حتى عودة الهدوء إلى الجنوب".

وأوضح المصدر أن ساعات الهدوء التي تكون خلال النهار لا يمكن اعتبارها مؤشراً على عودة الاستقرار الكامل، لأن الاشتباكات متقطعة، وهناك فترات تشتد بها، مشيراً إلى أن الـ"يونيفيل" اتخذت بدورها بعض التدابير المهمة لحماية مقارّها وأطقمها وموظفيها، وذلك بعدما طاولتها الاشتباكات. وقال إن عملها مستمرّ وأنشطتها ستبقى "ولا خطط لدينا للمغادرة".

وفي وقت لاحق اليوم، قال ميقاتي: "أتينا إلى الجنوب الذي يدفع اليوم كما دفع دوماً ضريبة دفاعه عن كامل أراضي الوطن بوجه كيانٍ غاصب لا يعرف الرحمة، لنؤكد احترام لبنان، قرارات الشرعيّة الدوليّة كافة، والالتزام بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701".

وشدد ميقاتي خلال جولته على أن "منطق القوة في وجه الحق المتّبع اليوم لا يستقيم كلّ الأوقات، والمطلوب العودة إلى منطق قوة الحق وفق ميثاق الأمم المتحدة وشرعية حقوق الانسان".

وقال ميقاتي "كلّ الأطراف جرّبت وتجرّب الخيارات الجانبية التي تشكل خطاً موازياً مع الخيارات الوطنية الجامعة، وكل الأطراف عادت ولو بعد حين إلى خيار الدولة الواحدة الموحدة لجميع أبنائها".

وخلال اجتماعه مع القائد العام لـ"اليونيفيل"، أكد ميقاتي أن "لبنان ملتزم بالقرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 1701 الذي تتولى اليونيفيل مسؤولية تطبيق بنوده، وإرساء الأمن والاستقرار ومساعدة الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش في بسط سلطة الدولة حتى حدودها الدولية".

كما جدّد ميقاتي المطالبة بـ"وقف إطلاق النار في فلسطين، ووقف الجرائم الإسرائيلية. كما نطالب بوقف الانتهاكات الإسرائيلية الدائمة للسيادة اللبنانية"، وقال: "نحن نرى اليوم بأم العين إجرامها وبطشها، ضاربةً بعرض الحائط القرارات والمواثيق الدولية كافة".

من جهته، قال قائد الجيش العماد جوزيف عون إن "الدفاع عن لبنان هو واجب طبيعي ومشروع للجيش في مواجهة الأخطار التي تهدده وعلى رأسها العدو الإسرائيلي، وإن المؤسسة العسكرية تتابع تطورات الأوضاع وتحافظ على الجهوزية عند الحدود الجنوبية، بالتزامن مع تنفيذ مختلف المهمات في الداخل".

باسيل يستكمل جولته التشاورية

وفي إطار المساعي السياسية لمنع توسع رقعة الاشتباكات، استكمل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل جولته التشاورية، اليوم الثلاثاء، مع رئيس البرلمان نبيه بري، التي كان قد بدأها أمس مع ميقاتي، والرئيس السابق لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط تحت عنوان "حماية لبنان والوحدة الوطنية".

وقال باسيل بعد لقائه بري إن "المشاكل الصغيرة يجب أن نتخطاها أمام الأزمات الكبيرة، ونحن اليوم نعيش أزمة كبيرة وسنعمل بجهد جميعنا لنتمكن من الاجتماع حول موقف واحد لكيفية التعاطي مع ما يحصل".

وأشار باسيل إلى أن "الجولة تقوم على عنوان الوحدة الوطنية وحماية لبنان ومن واجبنا أن نقف إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لمجزرة إنسانية ومن واجبنا كذلك تأكيد حق لبنان بالدفاع عن نفسه بوجه أي اعتداء إسرائيلي"، لافتاً إلى أن "لا أحد في لبنان يريد أن ينجرّ إلى حرب هو لا يريدها، لكن إذا اعتدى علينا الإسرائيلي فنحن مرغمون عندها على الدفاع عن أنفسنا".

من ناحية ثانية، تحدث باسيل عن "موضوع ملحّ يجب البتّ به لتأمين الانتظام الداخلي بالحدّ الأدنى"، وهو إعادة تكوين السلطة بدءاً برئاسة الجمهورية. وقال إن "الحرب ستطول ولا يمكن انتظارها أو انتظار نتائجها، وقد يكون لدينا مقاربة واحدة بالموضوع الرئاسي، والأهم يتمثل بانتخاب رئيس بالتفاهم، لأن الوقت ليس مناسباً للتحدي بل للالتفاف من أجل حماية البلد بوجه الأزمة التي من أهم عناصر التفجير فيها اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري".

تجدر الإشارة إلى أن جميع المدارس العامة والخاصة والثانويات والمعاهد المتاخمة للمناطق والمواقع "الساخنة" على الحدود لا تزال مقفلة بوجه التلاميذ منذ بدء الاشتباكات، بينما سجلت حركة نزوح كثيفة من هذه البلدات، وقد فتحت بعض المدارس في مناطق جنوبية آمنة أبوابها لبعض العائلات.

وفي مقابلة مع "العربي الجديد"، قال وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، هكتور حجار، إن "البلدات الواقعة على الشريط الحدودي الجنوبي مع فلسطين المحتلة، على مسافة خمسة كيلومترات تقريباً، باتت فارغة بنسبة 80 إلى 90 في المائة، من بينها الناقورة ويارون ومارون الراس وعيترون وغيرها. وثمّة عائلات قصدت مراكز إيواء عددها ثلاث، في مدينة صور، لكنّ العدد الأكبر منها نزح عند أقارب، سواء في مناطق جنوبية أكثر أماناً أو خارج نطاق الجنوب". وأكمل: "نحن نتابع ذلك، وثمّة جهود تُبذل في عملية رصد أماكن النازحين لتقدير العدد الحقيقي ومسار انتشارهم".

من جهتها، أفادت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، الاثنين، أنّ نحو 20 ألف شخص نزحوا من المنطقة الحدودية الجنوبية في لبنان، من جرّاء التصعيد العسكري الحاصل.