"جهاديو" غزّة بين مصر والقطاع: عنصر إضافي للأزمة

16 يونيو 2015
الحملة ضد المتشددين بالتنسيق بين "حماس" والجهاد"(محمود همص/فرانس برس)
+ الخط -
وصل توتّر العلاقات بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والجماعات السلفية والجهادية، إلى مرحلة غير مسبوقة، في قطاع غزّة خلال الأشهر القليلة الماضية بفعل حملة اعتقالات شنّتها حكومة "حماس"، واستهدفت قيادات وأفرادا ينتمون للتيار السلفي عموماً، والجماعات التكفيرية، خصوصاً على خلفية الاتهامات الموجهة إلى الحركة بدعم تلك الجماعات في الحرب التي تشهدها سيناء. 


اقرأ أيضاً: السلفيّة الجهاديّة في غزّة... صداع "حماس"

وضاعف الأزمة ما تردّد من شائعات حول تعاون "حماس" مع الجانب المصري، وإرسال أسماء الأشخاص المتورطين في عمليات ضدّ الجيش في سيناء، وهو ما نفاه مصدر قيادي بالحركة لـ "العربي الجديد".

بداية الأزمة

في 14 أغسطس/آب 2009، شهدت منطقة رفح الفلسطينية أحداثاً مأساوية، بحيث اقتحمت قوات الأمن بقطاع غزة مسجد ابن تيمية، ودارت مواجهات مسلحة بين حماس والجماعة "المتطرفة".

وجاء الهجوم نتيجة إعلان إمام المسجد، عبد اللطيف موسى، قيام الإمارة الإسلامية في إطار تنظيم "أكناف بيت المقدس"، وسانده في ذلك جمعٌ من السلفيين والجماعات التي تسمي نفسها بـ "الجهادية"، ومنها جماعة "جند أنصار الله". وأسفرت المواجهات عن مقتل موسى وأمير جماعة "جند أنصار الله" أبو عبد الله، المهاجر السوري وعدد من أنصارهما واعتقال آخرين.

وعلى الرغم من انتهاء الحادثة، غير أن حكومة "حماس" شنّت حملة اعتقالات في صفوف الجماعات المتشدّدة خوفاً من تكرار حادثة مسجد ابن تيمية، طالت أبو الوليد المقدس، أمير جماعة "التوحيد والجهاد".

لكن حكومة "حماس" عادت وأفرجت عنه في عام 2012، وتحديدا في أغسطس/آب، عقب الحديث عن وجود تدخل من قبل جهات أردنية، وهو ما لم يتأكد حتى الآن، رغم مقتله بقصف طائرة إسرائيلية في القطاع.

اقرأ أيضاً: الحركة السلفيّة خطر يهدّد غزّة

اتبعت هذه التنظيمات بعدها تكتيكاً جديداً في التعامل مع الحملة التي تشنها "حماس" ضدها، يقوم على السرية التامة في تحركات عناصرها والبنية التنظيمية الخاصة بهم، بحسب مصادر لـ "العربي الجديد" في قطاع غزة.

وقالت المصادر التي فضلت عدم نشر اسمها، إن التنظيمات فطنت إلى محاولة الحركة وأْد أي حراك، من خلال التصفيات أو الاعتقالات، وبالتالي لم يكن أمامها سوى العمل السري بشكل ممنهج.

مجلس شورى المجاهدين

بعد مرور ثلاثة أعوام تقريباً على حادثة مسجد ابن تيمية، أعلنت جماعة جديدة تدعى "مجلس شورى المجاهدين في أكناف بيت المقدس"، عن نفسها، وتحديدا في يونيو/حزيران 2012.

وأكدت مصادر لـ "العربي الجديد" أن جماعة "جند أنصار الله"، التي كانت أحد أطراف أزمة مسجد ابن تيمية، اندمجت مع "مجلس شورى المجاهدين". وتتمدّد هذه الجماعة بين غزة وسيناء بدعوى "مقاتلة الصهاينة وتحكيم شرع الله".

لكن يصعب الجزم بعلاقة هذه الجماعة الوليدة مع تنظيمات قديمة في غزة أو مصر، كما لا يمكن الجزم بوجود دور للقيادي المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان، في تشجيع وتقوية هذه الجماعات.

غير أن تأسيسها تزامن مع اكتشاف دور لأحد الضباط الهاربين من غزة، والتابعين مباشرة لدحلان، في أحداث سيناء.

ولم تدخل هذه الجماعة في صراع مباشر مع "حماس"، حتى اللحظة، رغم اغتيال هيثم مسحال، أحد قادة الجماعة بقصف طائرة إسرائيلية، خلال توجهه إلى مقرات الأمن في حكومة "حماس"، وسط اتهامات للحكومة بعدم تأمين الحماية له بشكل أو بآخر.

آثار "داعش"

وفي ظل المطاردة والتوتر بين الطرفين، وُلدت جماعة متشدّدة جديدة تدعى "جماعة أنصار الدولة الإسلامية". ورغم تأكيد الجماعة عدم مبايعة أمير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أبو بكر البغدادي، إلا أن الاسم يحمل دلالات عن تأييد الجماعة الوليدة للتنظيم.

وحذّرت الجماعة حركة "حماس" من مواصلة الاعتقالات في صفوفها داخل غزة، وهدّدت باستهداف مقرات الحركة في حال عدم الإفراج عن عناصرها.

وتوالت التحذيرات من الجماعة، وأصدرت بيانا أكدت فيه استهداف موقع القادسية التابع لكتائب "عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، في قطاع غزة بقذائف "الهاون".

كما استهدفت الجماعة ثكنة عسكرية للجيش المصري بصواريخ 107 في 17 مايو/أيار الماضي. وفي عملية ثالثة، استهدفت الجماعة أحد أفراد الأمن في حكومة "حماس" ويدعى صابر صيام، أثناء تواجده في محله التجاري في خان يونس، بدعوى "مشاركته في الحملة على عناصر السلفية وعمليات التعذيب".

ووجهت الجماعة تحذيرا لأفراد الأمن في حكومة القطاع، بعدم المشاركة في ما أسمته "الحملة المسعورة" على عناصر السلفية، وناشدتهم "التوبة قبل القدرة عليهم". وتحمل هذه التحذيرات نذيرا باستمرار العمليات التي تستهدف حكومة "حماس" وأفراد الأمن خلال الفترة المقبلة. وكانت الجماعة أعلنت في وقت سابق من الشهر الحالي، أنه تم اعتقال بعض من أسمتهم "الأخوة المنفردين".

لم يتوقف الوعيد والتهديد عند جماعة "أنصار الدولة"، بل لحقت بها جماعات متشدّدة أخرى. وهدّدت سرية تدعى "سرية الشيخ عمر حديد"، بعدم الالتزام باتفاق التهدئة بين "حماس" والاحتلال الإسرائيلي. ووضعت شروطا للتراجع عن هذا الأمر، وهي الإفراج عن جميع "الإخوة الدعاة والمجاهدين وطلبة العلم المعتقلين والمختطفين، ووقف التحريض والتشويه الإعلامي، ومحاولات جرّنا لمعركة داخلية، وحصول السلفيين على حقوقهم المشروعة؛ كحق الإعداد، وإيقاف سرقة السلاح، وإعادة السلاح الذي سُرق من الجماعات السلفية سابقاً، وحرية الدعوة والعمل الاجتماعي والإغاثي"، كما ورد في بيانها.

وفي الثالث من يونيو/حزيران الحالي، قالت السرية إنه بدلاً من "مسارعة "حماس" لاستغلال هذه الفرصة لحقن الدماء، وسد أبواب الاقتتال، وإعطاء السلفيين حقوقهم، سارعت لقتل يونس سعيد الحُنّر".

كما تشن جماعات تسمي نفسها "السلفية الجهادية" في غزة، حملة إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتنديد باعتقال عناصرها.

ويرى مراقبون أن امتلاك هذه الجماعات للأسلحة، ومنها الصواريخ، يعزز الشكوك بوجود دور للقيادي المفصول، محمد دحلان، في دعم هذه المجموعات، بهدف الضغط على حكومة "حماس". 

مع العلم أن معظم الجماعات المتشدّدة المتواجدة في القطاع تختلف حول مبايعة "داعش". وبحسب مصادر في غزة، فإن انشقاقات وقعت داخلها بسبب هذا الأمر، كما انقسمت على نفسها بين من يؤيد مبايعة "داعش"، ومن يريد مبايعة تنظيم "القاعدة" ومن يفضل البقاء مستقلاً. وقالت مصادر لـ "العربي الجديد"، إن بعض الجماعات بدأت تعيد ترتيب أوراقها وأوضاعها إما لبيعة علنية أو سرية، نظرا لأن الأوضاع والصراع مع "حماس" يخلق نوعاً من العمل بحذر شديد.

العلاقة مع مصر

من جهته، يحاول النظام المصري الضغط على "حماس" لإعطاء القاهرة معلومات حول تحركات الجماعات الجهادية في سيناء، خصوصاً وسط الحديث عن وجود امتدادات وتعاون مع نظيرتها في غزة. كما يضغط على الحركة الحاكمة في القطاع من أجل التضييق على تحركات الجهاديين، ومراقبة الحدود بين سيناء والقطاع لمنع مرور عناصر جهادية من وإلى غزة. وفي هذا الإطار، ذكرت صحف مصرية قبل أيم، أن مصر طلبت من "حماس" إرسال أسماء الجهاديين في سيناء، ولكن سرعان ما نفت الحركة صحة الأخبار المنشورة.

لكنّ مصدراً بارزاً في حركة "حماس" نفى وجود أي تنسيق مع القاهرة في ما يتعلق بملف الجهاديين المتواجدين في قطاع غزة، مؤكداً أن تلك الأزمة هي شأن داخلي في القطاع، وأن "حماس" هي من تتولى إدارة ذلك الملف بشكل مستقل.

وأوضح المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه، أن الاتصالات التي جرت أخيراً أدت إلى تحسن ملحوظ في العلاقات بين الحركة والقاهرة، وهو ما تجلى في إلغاء الحكم الصادر باعتبار "حماس" منظمة إرهابية. في المقابل، طلب الجانب المصري تعاون "حماس" في ملف سيناء؛ فكان ردّ ممثلي الحركة بأن لا علاقة لهم بسيناء، وأن دورهم يقف في هذا الإطار عند حد ضبط الحدود من جانب غزة مع مصر، وبذل قصارى الجهد لمنع تسلل أي عناصر لسيناء أو العكس.

وأكد المصدر البارز في حركة "حماس" أن الاتصالات انتهت إلى رفع "حماس" درجة التأهب القصوى على حدود غزة مع مصر لمنع تسلل العناصر، ووقف الجانب المصري التراشق والهجوم الإعلامي على الحركة من جانب إعلاميين محسوبين على النظام المصري.

في السياق نفسه، قال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية بالقطاع لـ "العربي الجديد"، إن هناك حملات اعتقال شبه يومية للعناصر المتشددة والتكفيرية في القطاع، لوقف محاولاتهم إثارة أي مشكلات، مضيفاً أن "الكثير منهم الآن موجود في السجون". وشدد على أن عمليات الاعتقالات لهذه العناصر تتم بالتنسيق بين "حماس" ووزارة الداخلية وحركة "الجهاد الإسلامي" في غزة.

وشدّد المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه على أنه من الصعب أن تتواصل "حماس" مع مصر في هذا الملف، نظراً لأن الكثيرين من هؤلاء الجهاديين كانوا في الأساس من الأجنحة العسكرية للفصائل قبل أن ينشقوا عنها، مضيفاً أن "حماس تبذل جهودا واسعة في منع انتشار خلايا تحمل هذا الفكر في القطاع".