قضى البرلمان التونسي ثمانية أشهر منذ فرض الرئيس التونسي، قيس سعيّد، التدابير الاستثنائية، وهو يحاول كسر حال الجمود وغلق قوس الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي.
ويستعد مجلس الشعب لعقد ثاني جلسة عامة له منذ قرار سعيّد تجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه في 25 يوليو/تموز 2021. فبعد الجلسة العامة التي انتظمت عن بعد، احتفاء بذكرى الدستور في 27 يناير/كانون الثاني الماضي؛ يتحدى البرلمانيون الرافضون للانقلاب، الرئيس سعيّد، من جديد، ظهر اليوم الأربعاء في جلسة ستخصص لمناقشة "إلغاء الإجراءات الاستثنائية".
فيما سيعقد البرلمان جلسة أخرى، السبت المقبل، لمناقشة "الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة" التي تمر بها البلاد. ويأتي ذلك بعد اجتماع لمكتبه برئاسة رئيس حزب "النهضة" راشد الغنوشي، منذ يومين.
وحاول رئيس البرلمان وعدد من نوابه منذ إعلان إجراءات سعيّد، التصدي للإجراءات المفروضة، بعد غلق أبواب القصر التشريعي بالقوة، وعبر عسكرة مداخله والحيلولة دون دخول أي مدني، ويذكر التونسيون صورة الغنوشي ونائبته الأولى، سميرة الشواشي، وبرلمانيين من كتل الائتلاف الحاكم وقتها، واعتصامهم للدفاع عن شرعية المؤسسات المنتخبة.
وعقد مكتب البرلمان في 26 يوليو/تموز اجتماعه الأول بعد إجراءات سعيّد، حيث أقرّ رفض هذه الإجراءات وتمسّكه بشرعية منظومة انتخابات 2019 وما أفرزته، داعياً الرئيس إلى العودة عن هذه التدابير.
وبمضي سعيّد أكثر في قراراته ومحاكمة عدد من النواب بفعل رفع الحصانة عنهم؛ كان آخر بيانات رئاسة البرلمان في 30 يوليو/تموز، مندداً باعتقال النائب ياسين العياري، قبل أن يأمر سعيّد بحجب المنظومة الإعلامية الرسمية والصفحات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن سلطة البرلمانيين، وغلق وسائل التحكم فيها، للحيلولة دون نشر بلاغات وبيانات عبرها.
ومنذ أغسطس/آب 2021 صدر عدد من البيانات الرافضة للتمادي في تدابير الرئيس، والمنددة باعتقالات النواب ومحاكمتهم، وأخرى للاحتفاء بالمناسبات الوطنية، تحمل توقيع رئاسة البرلمان، وتنشر على الحسابات الرسمية لرئيس "النهضة" راشد الغنوشي، ويتداولها البرلمانيون على صفحاتهم.
وأصدر الغنوشي بلاغات متواترة باسم رئاسة البرلمان، أبرزها تلك الرافضة للأمر الرئاسي 117 المنظم للسلطات العمومية في 22 سبتمبر/أيلول، والذي علّق بواسطته سعيّد غالبية أبواب الدستور وبنوده، وكذلك رفضه الأجندة الرئاسية في 13 ديسمبر/كانون الأول، المتعلقة بإعلان تنظيم الاستشارة الإلكترونية، ومن بعدها الاستفتاء والانتخابات المبكرة، وبيان رفض حل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس قضائي مؤقت.
وتعد رمزية جلسة اليوم الأربعاء هي الأكثر اعتبارية في مسار معارضة البرلمانيين لتدابير سعيّد، بإعلانهم تحدي هذا المسار وذهابهم علناً في إلغائها رغم تهديدات الرئيس وتحذيراته المتكررة.
وقال النائب ووزير حقوق الإنسان السابق، سمير ديلو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "انعقاد الجلسة العامّة هو تطبيق حرفيّ للفصل 80 من الدستور التونسي، الذي يفرض بقاء البرلمان في حال انعقاد دائم طيلة مدّة الإجراءات الاستثنائيّة، وممارسة الصلاحيات الدستورية، ولا يمكن بالطّبع أن تُعتبر تصعيداً".
وحول تأخر انعقاد هذه الجلسة منذ الأيام الأولى لتدابير سعيّد وإجراءاته، قال ديلو: "لا شكّ في ذلك، كان على البرلمان أن يمارس دوره منذ الانقلاب، وأن يكون النواب ورئاسة المجلس في طليعة من يدافعون عن الديمقراطية المغدورة، ولكن أن يأتي الموقف السليم متأخراً أفضل من ألا يأتي مطلقاً".
وعلّق ديلو على اعتبار سعيّد اجتماع مكتب البرلمان "انقلاباً" على التدابير الاستثنائية وعصياناً للقانون، بالقول إنّ "هذا القول مجرّد هرطقة، فأن يوجّه الاتّهام بالانقلاب لمجلس شرعي منتخب من رئيس منقلب ليس أمراً جدياً".
كما علّق ديلو على تشكيك الرئيس في عدم قانونية ذهاب البرلمان في إلغاء التدابير الاستثنائية، باعتباره مخالفاً لمبدأ توازي الصيغ، وأن لا صفة للبرلمان لوقف هذه التدابير، موضحاً: "حديث الرئيس عن الدستور ليست له أيّ مصداقية بعدما عطّل أغلب فصوله، أما البرلمان فيمارس صلاحياته المخوّلة له دستورياً، وقد رفضت المحكمة دعوى لإيقاف أشغال الجلسة العامة".
وفي السياق، قضت الدائرة الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية في تونس، مساء الثلاثاء، برفض "مطلب قضية استعجالية تقدّمت بها رئيسة الحزب "الدستوري الحر" عبير موسي، لإيقاف أشغال الجلسة العامة المزمع انعقادها اليوم الأربعاء.
وقالت موسي، في فيديو على صفحتها على "فيسبوك"، إنّ "هذه القضية الاستعجالية تأتي تفادياً للتبعات الخطيرة لما ستحتويه الجلسة من قرارات تتعلق بالأمن القومي التونسي ووحدة الوطن والمؤسسات، وقد حجزت القضية للتصريح بالحكم إثر الجلسة"، وفق تصريحها.
ودوّن النائب عن "ائتلاف الكرامة"، عمر الغربي، على صفحته على "فيسبوك" تعليقاً على ما أشيع مساء الثلاثاء، حول إمكانية تأثير وجود نواب من مكتب البرلمان قيد الإقامة الجبرية على نصاب الجلسة، قائلاً: "حتى لو لجأ المنقلب إلى فرض الإقامة الجبرية على أعضاء مكتب المجلس، وهذا مستبعد، فذلك لن يؤثر على النصاب القانوني، والإقامة الجبرية لن تزيدهم إلا شرفاً، هذا فضلاً عن الفضيحة الدولية للمنقلب، والتي ستعمّق عزلة تونس أكثر، والضريبة طبعاً من يسددها هو الشعب التونسي".
وفي سياق متصل، أكد الحزب "الجمهوري"، في بيان، مساء الثلاثاء، تمسّكه "بالشرعية الدستورية، وبالحوار مبدأ لحل الخلافات، ودعا أعضاء مجلس نواب الشعب إلى تحويل هذه الجلسة إلى "خطوة في اتجاه القطع مع المشهد البرلماني السابق، بعيداً عن الصراعات المدمرة، وعن روح المغالبة، وأن ينتصروا للشرعية الدستورية وثوابت البناء الديمقراطي، انتهاءً بوضع مجلس النواب نفسه على ذمة الحوار الوطني المنشود ومخرجاته"، وفق البيان.
ودعا "الجمهوري"، سعيّد، إلى "التقاط هذه الخطوة والبناء عليها، في اتجاه العودة إلى المسار الدستوري، وفتح قنوات التواصل والحوار مع القوى الحية في البلاد، للتعجيل بوضع حد لأزمة طالت أكثر من اللزوم، وباتت تهدد النسيج الاجتماعي بالتفكك، والوضع الاقتصادي بالانهيار".