يعتزم البرلمان العراقي عقد جلسة غير اعتيادية، قبل ظهر اليوم الخميس، مخصصة لانتخاب رئيس جديد للبلاد، كأول خطوة نحو المضي بعملية تشكيل الحكومة الجديدة من قبل قوى "الإطار التنسيقي"، الذي يجمع الكتل والأحزاب القريبة من إيران، وسط غياب "التيار الصدري" عن هذا الحراك للمرة الأولى بعد عام 2003.
رئاسة العراق بانتظار التوافق الكردي
وحتى عصر أمس الأربعاء، لم ينجح الحزبان الكرديان (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي) الذي جرى العرف السياسي (بعد الغزو) على أن يكون منصب رئاسة الجمهورية من نصيبهما، في التوصل إلى أي تفاهم للذهاب إلى بغداد بمرشح واحد. ويثير ذلك مخاوف من عدم توفر نصاب الجلسة البرلمانية، مع التوقعات بأن تقاطع كتل أخرى الجلسة.
ويشترط الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، حصول توافق كردي - كردي قبل دخول الجلسة. وبخلاف ذلك لن يشارك فيها لمنع تمرير مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني، الحليف لـ"الإطار التنسيقي"، الذي أصبح يملك غالبية مقاعد مجلس النواب، بعد انسحاب الكتلة الصدرية من المجلس.
برز اسم عبد اللطيف رشيد، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، كمرشح تسوية
ويتطلب عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد حضور ثلثي عدد نواب البرلمان (220 من أصل 329)، وفقاً لما كانت قد قرّرته المحكمة الاتحادية العليا، فيما تسعى قوى "الإطار التنسيقي" إلى تكليف مرشحها لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الجديد نفسها.
وأفادت مصادر سياسية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، بأن أحد الجهود المبذولة للتوصل إلى تفاهم بين القوى الكردية هو الاتفاق على مرشح تسوية، غير مرشحي الحزبين الرئيسيين لمنصب رئاسة الجمهورية. وبرز في الساعات الأخيرة اسم عبد اللطيف رشيد، القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي شغل سابقاً منصب وزير الموارد المائية ويعمل حالياً مستشاراً في رئاسة الجمهورية، ويحمل دكتوراه بالهندسة المدنية من جامعة مانشستر.
وتعثرت وساطات عدة للتوفيق خلال الأشهر الماضية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين للتوصل إلى "مرشح تسوية" للرئاسة من قبل أطراف داخلية وخارجية. إذ يتمسك الاتحاد الوطني الكردستاني بمرشحه (الرئيس الحالي) برهم صالح، في مقابل تمسّك الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في أربيل بمرشحه (وزير الداخلية في إقليم كردستان العراق) ريبر أحمد خالد.
وقال عضو "التيار الصدري" عصام حسين، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لن تعقد، وهذه الجلسة هي فقط تهديدية للحزب الديمقراطي الكردستاني من أجل التخلي عن مرشحه لرئاسة الجمهورية"، وبرأيه، فإن "الإطار التنسيقي لن يتمكن من تشكيل أي حكومة توافقية مع وجود معارضة لذلك من قبل الصدريين".
وبيّن حسين أن "البارزاني أبلغ جميع القوى السياسية، وخصوصاً الإطار التنسيقي، بأن انتخاب رئيس الجمهورية من دون موافقته في مجلس النواب سوف يدفعه إلى اتخاذ قرارات بالانسحاب من العملية السياسية أو حتى البرلمان، ولهذا فإن الكل حذر في التعامل مع هذا الملف".
ولفت حسين إلى أن "قيادة التيار الصدري تدرس اتخاذ القرارات بشأن منع تشكيل أي حكومة توافقية تعيد المحاصصة"، وأضاف أنه "من الممكن جداً صدور قرارات من قبل قيادة التيار خلال الساعات المقبلة، لكن وفق المعلومات والمعطيات فإن جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لن تمضي ولن يكون هناك نصاب كاف لعقدها بسبب الخلاف الكردي الكردي على مرشح هذا المنصب".
أما القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السروجي، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه "حتى الساعة لا يوجد أي اتفاق كردي على مرشح رئاسة الجمهورية، ونعتقد أن الأمور ذاهبة لدخول الأكراد بأكثر من مرشح لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية".
وبيّن السروجي أن "تهديد الحزب الديمقراطي الكردستاني بمقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، بسبب عدم حصول توافق كردي كردي، لن يؤثر على عقد الجلسة وتحقيق النصاب فيها".
قيادة "التيار الصدري" تدرس اتخاذ القرارات بشأن منع تشكيل أي حكومة توافقية تعيد المحاصصة
وبرأيه، فإن الجلسة "ستمضي حتى بغياب الحزب الديمقراطي، والكل عازم على حسم هذا الملف من أجل تكليف مرشح رئاسة الوزراء محمد شياع السوداني في الجلسة نفسها للإسراع بعملية تشكيل الحكومة"، وأضاف أن "الحوارات ستبقى مستمرة حتى الدقائق الأخيرة من عقد جلسة البرلمان، خصوصاً أن قضايا كهذه دائماً ما تحسم في اللحظات الأخيرة وتحصل فيها مفاجأة، كما اعتدنا على ذلك خلال السنوات الماضية".
في المقابل، قالت عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني وفاء محمد، في حديث مقتضب مع "العربي الجديد"، إنه حتى الآن (عصر أمس الأربعاء) لا اتفاق على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، وكل طرف ما زال متمسكاً بموقفه، وربما يكون هناك اتفاق خلال الدقائق الأخيرة قبل عقد الجلسة"، وأشارت إلى أن "القوى السياسية اعتادت على حسم خلافات كهذه في اللحظات الأخيرة، خصوصاً أن التفاوض مستمر ولن ينقطع بين كل الأطراف العراقية".
"الإطار التنسيقي" متفائل
وفي بغداد، تحدث "الإطار التنسيقي" عن تعويل على التوصل إلى اتفاق في "الوقت الأخير لدخول قبّة البرلمان". وقال عضو التحالف محمود الحياني، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "نجاح الجلسة (اليوم) وانتخاب رئيس جديد، يعني تكليف مرشح الإطار لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني من قبل الرئيس الجديد المنتخب في الجلسة نفسها".
وبيّن الحياني أن "الإطار التنسيقي وقوى سياسية أخرى تعمل على تقريب وجهات النظر بين الحزبين الكرديين من أجل الدفع بمرشح واحد توافقي لمنع أي معرقلات قد تجري في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية".
وتكمن أهمية اختيار رئيس جديد للبلاد في أن الدستور ألزم بأن يتولى الرئيس المنتخب داخل البرلمان، في الجلسة نفسها، تكليف مرشح "الكتلة الكبرى" بتشكيل الحكومة.
ولا يتمتع منصب رئاسة الجمهورية في العراق بأي صلاحيات تنفيذية، بحسب الدستور الذي أُقرّ عام 2005 في استفتاء شعبي، عقب نحو عامين من الغزو الأميركي. إذ حُصرت الصلاحيات التنفيذية بشكل كامل في يد رئيس الحكومة، بينما مُنح رئيس الجمهورية مهامّ تشريفية، مثل توقيع المراسيم الجمهورية، وتقليد الأوسمة والأنواط، وتقديم مقترحات للقوانين والتشريعات، وتمثيل العراق في المحافل الدولية، فضلاً عن تكليف مرشح الكتلة الكبرى في البرلمان بتشكيل الحكومة.