جعبة ترامب العربية فارغة

08 نوفمبر 2024
ترامب لدى إعلانه الفوز في فلوريدا، 6 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- عودة ترامب المحتملة تثير قلق الأوروبيين والعرب بسبب سياساته الداعمة للاحتلال الإسرائيلي وتجاهل القوانين الدولية، مما يعزز جرائم الإبادة في المنطقة.
- خلال ولايته السابقة، دعم ترامب إسرائيل بنقل السفارة إلى القدس والاعتراف بالسيادة على الجولان، وأطلق "صفقة القرن" لتأسيس دولة فلسطينية منزوعة السيادة، مما يعكس انتهازيته وتجاهله للقوانين الدولية.
- هناك فرصة للدول العربية لإعادة تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة، مستلهمة من تجارب دول أخرى، لتعزيز سيادتها ومصالحها الاستراتيجية في مواجهة التحديات الدولية.

بالطبع من المفهوم تدارس أغلبية الأوروبيين لآثار عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. أمر قد تحتاجه المنطقة العربية التي جرّبته سابقاً.

لا تكفي الشعارات الشعبوية عن "السلام" و"الانتهاء من الحرب" لإعادة بيع أوهام باسم النبي إبراهيم، وإضافة شعار سخيف في الحملة الانتخابية بأنه سيقوم بـ"إصلاح الشرق الأوسط". وكأن المنطقة غير راشدة ولا تعرف مصالحها، فتحتاج لعقلية ترامب الانتدابية عليها.

وسط مواصلة دولة الاحتلال الإسرائيلي جرائم الإبادة الممتدة من قطاع غزة إلى الضفة الغربية وصولاً إلى لبنان، ثمة ثابت واضح لمئات الملايين عن حماية واشنطن كل الجرائم.

في مناظرته التلفزيونية مع كامالا هاريس اعتبر ترامب أن فوزها بالرئاسة "سيؤدي إلى محو إسرائيل". الرجل يعرف أنه لا يقول الحقيقة. وما يريده الآن ليس أقل من إكمال الاحتلال جريمة الإبادة في قطاع غزة، وضمنياً تأييد التطهير واحتلال دائم لشمالي القطاع ثم تهجير الضفة إلى الأردن.

وبنفس القدر، لا مشكلة عنده في أن ينقل بنيامين نتنياهو ومعسكره التوراتي الصهيوني نماذج التدمير في قطاع غزة إلى لبنان وغيره لاحقاً، ومحاولة فرض ما يسمى "نموذج الضفة الغربية". ومن المحزن أن تصير الضفة نموذج "حرية اجتياح"، بعد عشرين سنة على رحيل الرئيس ياسر عرفات.

عملياً، ليس في جعبة ترامب الانتهازي سوى ترهات ما قدمه في ولايته السابقة بين 2017-2021. وهو ليس أقل وقاحة في دعم تل أبيب من جو بايدن الصهيوني. فبينما تنتهك تل أبيب كل القوانين الدولية، رغم صرخات ممثلي منظمات أممية لوقف حرب الإبادة، فقد سبق أن عبّد ترامب الطريق وبمعية صهره جاريد كوشنر لازدراء القوانين المتعلقة بالأراضي المحتلة، فقدم الجولان المحتل هدية ونقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة.

جائزة الترضية التطبيعية جاءت بترهة "صفقة القرن"، لتأسيس دولة "ميكي ماوس" فلسطينية، منزوعة السيادة على جيوب لا تتعدى 15% من أرض فلسطين، بعد اختزالها في "أوسلو" إلى 24% في الضفة وغزة المحتلتين. ومع أن البعض يظن أن أرنب التطبيع في قبعة فريق ترامب يمكنه فعل الكثير، فسيكتشفون بعد دفع أثمان كبيرة أنه بابتزازه وشعبويته التهم كل الأرانب.

على كل، لعلها فرصة عربية، أو للراغبين في هذه الدول، للخروج من اعتبارهم أحجاراً على رقعة شطرنج المصالح الدولية، مستفيدين قليلاً من تجارب بحث الأوروبيين عن مصالحهم في مواجهة انتهازية ترامب.

الأمر ببساطة لا يتطلب سوى إقلاع عن اعتبار أميركا قدر لا بد من الاستسلام له أو التساوق معه.

أما ترك الأمور إلى ما كانت عليه في تجربة ترامب السيئة السابقة فلن يقدم سوى صورة مهزوزة لوزن وقيمة الدول، بغض النظر عن حجمها وقدراتها. وثمة تجارب كثيرة حول العالم ترفض فيها حتى دول صغيرة ابتزاز وصفاقة ترامب. جرب الرجل عقد صفقة "شراء جزيرة غرينلاند"، فردت عليه الدنمارك رداً أدى إلى إلغاء زيارته إلى كوبنهاغن. وثمة قائمة طويلة من أمثلة قول "لا" لأميركا، ممتدة من أوروبا نفسها إلى أميركا اللاتينية وإلى آسيا وأفريقيا وغيرها، حيث لا تكون القدرية الأميركية، أو الغربية عموماً، من المسلمات.

لا أحد في هذا العالم، صغيراً أم كبيراً في حجم المصالح، يحترم الضعفاء أو المساومين على سيادة وعمق مصالح شعوبهم الاستراتيجية. نعم، سوف نشهد ندية ومعاملة بالمثل بين أميركا ترامب ودول في مختلف القارات، وهي أيضاً فرصة لأن يعيد الرسميون العرب ترتيب أولوياتهم للسنوات القادمة. فليجرب هؤلاء مرة واحدة الاعتماد على شعوبهم، كما تفعل الأمم التي تحترم الرأي العام فيها.