جريمة جنديرس: "تحرير الشام" تستغل الغضب الشعبي للتغلغل

22 مارس 2023
تشييع ضحايا جنديرس، أمس (العربي الجديد)
+ الخط -

يعمّ الغضب والاستياء منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي في سورية، بعد مقتل خمسة أشخاص من عائلة واحدة على يد من يُعتقد أنهم عناصر من فصيل "جيش الشرقية" المنضوي في جبهة "التحرير والبناء" التابعة لـ "الجيش الوطني السوري" المعارض. وقُتل الأشخاص على خلفية الاحتفالات بعيد "النيروز" لدى الأكراد.

وهو حدث من المرجح أن تكون له تداعيات على مجمل الأوضاع في الشمال السوري. وطالب المتظاهرون في مدن وبلدات عفرين ذات الغالبية الكردية من السكان، أمس الثلاثاء، بحماية دولية لهم، جراء الانتهاكات المستمرة بحقهم من قبل فصائل تابعة لـ"الجيش الوطني" المعارض.

ودعا المتظاهرون إلى دخول "البشمركة السورية" إلى منطقة عفرين، وخروج كل الفصائل المعارضة المسيطرة على المنطقة منذ مطلع عام 2018. وتضم "البشمركة السورية"، الموجودة في إقليم كردستان العراق، عسكريين سوريين منشقين عن قوات النظام، وتتبع لـ"المجلس الوطني الكردي".

وبحسب شهادات محلية، فقد قُتل أربعة أشخاص مساء الاثنين، وفارق شخص خامس الحياة متأثراً بجراحه أمس الثلاثاء. وذكر أحد الشهود، وهو محمد عمر، أن الأشخاص هم من عائلة بشمرك و"قُتلوا بدم بارد" على يد عناصر مسلحة، لأنهم رفضوا إطفاء نار أشعلوها للتدفئة وليس احتفالاً بعيد "النيروز". وأضاف عمر في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "ما حدث مفجع ومؤلم لكل الأكراد في سورية".

توغل "هيئة تحرير الشام" في جنديرس

ودُفن القتلى أمس الثلاثاء، تحت حماية من عناصر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، التي تحاول تجيير ما يحدث في عفرين واتخاذه ذريعة للتوغل مرة أخرى في مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية في ريف حلب، خصوصاً أن هذه الفصائل فشلت على مدى ست سنوات في ضبط الأوضاع الأمنية في المنطقة.

وسيطرت قوات من "الهيئة" أمس، على مقرات وحواجز تابعة للشرطة العسكرية في جنديرس، من دون اشتباك بعد اتفاق مع الشرطة هناك. وقالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، إن عناصر من "الهيئة" دخلت إلى مقر الشرطة العسكرية في جنديرس وسيطرت عليه، كما سيطرت على معظم الحواجز داخل المدينة وعلى أطرافها، فيما بقي مقر الشرطة المدنية تحت سيطرة الشرطة التابعة لفصائل "الجيش الوطني".

وتضاربت الأنباء عن وجود اتفاق بين "جيش الشرقية" و"الهيئة" ينص على خروج الأول من جنديرس وتسليمها. وأفادت مصادر مطلعة، فضّلت عدم ذكر أسمائها، لـ"العربي الجديد"، بأن "جيش الشرقية" متهم بالتواطؤ مع "الهيئة" لتسليمها المدينة، وهناك اتهامات بتبعية الفصيل للقيادي أبو ماريا القحطاني، أمير تنظيم "النصرة" سابقاً في المنطقة الشرقية من سورية، وهو أحد قياديي "هيئة تحرير الشام" حالياً.

أنباء عن سيطرة "الهيئة" على مقر الشرطة العسكرية

 

وبحسب المصادر، يوجد في المدينة أيضاً مقرات لفصائل "أحرار الشرقية، أحرار الشام، الزنكي، السلطان سليمان شاه"، لكن لم ترد معلومات بشأنها بعد وهي فصائل متهمة أيضاً بقربها من "هيئة تحرير الشام".

وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن رتلاً عسكرياً تابعاً لـ"الهيئة" خرج من أطمة بريف إدلب الشمالي، برفقة ذوي الضحايا لدفن القتلى في جنديرس. وكان وفد من أهالي عفرين توجه الإثنين، عقب حصول الجريمة، إلى إدلب لطلب الحماية من "هيئة تحرير الشام"، مؤكداً أن قائدها أبو محمد الجولاني التقى الوفد ووعد بـ"وضع حد لممارسات الفصائل وحماية أهالي عفرين".

وسبق أن سيطرت "الهيئة" في أواخر العام الماضي على منطقة عفرين بعد صراع دام بين فصائل المعارضة السورية، إلا أنها انسحبت لاحقاً بسبب ضغط عسكري تركي، بيد أنها تحتفظ بنفوذ في المنطقة عن طريق فصائل تدور في فلكها.

في المقابل، نفى هشام اسكيف، وهو قيادي في "الجيش الوطني السوري" في حديث مع "العربي الجديد"، الأخبار المتداولة عن سيطرة "هيئة تحرير الشام" على مدينة جنديرس بالكامل، مشيراً إلى أن "تحرير الشام" تتواجد على بعض الأطراف المتاخمة للمدينة، والشرطة العسكرية لا تزال تعمل ضمن مقراتها في جنديرس ولم تنسحب إطلاقا.

وشدد على أن "جميع الأخبار التي تتحدث عن سيطرة تحرير الشام على المجلس المحلي في جنديرس ومبنى الشرطة العسكري عارية عن الصحة بتاتاً". وبيّن أن الجريمة مدانة أولاً وأخيراً وهي مشبوهة، موضحاً أن "المجموعة التي نفذت هذه الجريمة هم ثلاثة أشخاص، تم إلقاء القبض على واحد منهم، وجار ملاحقة الباقين المتورطين في الجريمة"، مضيفاً أن "هذه المجموعة المُسلحة قِيل إنها تتبع لفصيل أحرار الشرقية وهذا الأمر عار عن الصحة بناء على بيانات مُعلنة من حركة التحرير والبناء أو من فصيل أحرار الشرقية بقيادة أبو حاتم شقرا الذي وضح هذا الأمر".

ولفت اسكيف إلى أنه "أثناء عملية نقل الجثامين كان هناك حالة من البلبلة، وكان هناك تظاهرة وهذا حق مكفول، ولكن أصبح هناك بعض الفوضى ودخلت بعض القوى على الخط للاستثمار السياسي المرفوض حتماً".

وأشار اسكيف، إلى أنه "إذا أردنا التقاط خيوط الجريمة بأسرع وقت ممكن يجب البحث عن المستفيد والذي يحاول أن يستثمر في هذه الجريمة النكراء المدانة". وذكر أن وزير الدفاع لدى "الحكومة السورية المؤقتة" حسن حمادة ومدير القضاء العسكري العميد عرفات حمود، ونائب رئيس مجلس عفرين المحلي محمد شيخ رشيد وعددا من قادات الجيش الوطني وصلوا أمس الثلاثاء، إلى ناحية جنديرس الواقعة ضمن ما يُعرف بمنطقة "غصن الزيتون" بريف حلب الشمالي، وذلك للوقوف على ملابسات الجريمة ومتابعة التحقيقات.

جريمة جنديرس "نكراء"

كما وصف "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" في بيان أمس، ما حدث في جنديرس بـ "الجريمة النكراء"، مؤكداً أنه "وجّه الحكومة السورية المؤقتة والجيش الوطني للتحقيق ومتابعة تفاصيل الجريمة على أعلى المستويات للقبض على المجرمين ومحاكمتهم".

وتعليقاً على هذه التطورات، لفت الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن ما حصل هو مشهد مكرر، يتمثل باستغلال "هيئة تحرير الشام" جميع مشاهد الفوضى والخلل التي تحدث في مناطق "الجيش الوطني" بصرف النظر عن الدوافع أو إذا كانت هناك أياد خفية تتسبب بهذه المشكلات أو أنها طبيعية ويتم استغلالها.

وأضاف أن الهدف "ما يزال أن يقدّم الجولاني نفسه على أنه البديل القادر على ضبط المنطقة بشكل أكبر لا سيما من الناحية الأمنية والحوكمة". واعتبر أن "هذا الأمر لن ينتهي إلا بأن تخطو فصائل الجيش الوطني بالشراكة مع الحكومة المؤقتة خطوات جادة نحو الحوكمة المثلى للمناطق التي يسيطر عليها هذا الجيش ويفترض أن تكون تحت مسؤولية هذه الحكومة، إضافة إلى تعزيز العمل المؤسساتي بما يضمن الاستقرار في تلك المناطق ويوفر الطمأنينة لسكانها".

ونفت جبهة "البناء والتحرير" و"جيش الشرقية" أي علاقة لهما بجريمة جنديرس. وذكرت "الجبهة" في بيان أن مرتكبي الجريمة هما شخصان مدنيان لا عسكريان، مشيرة إلى أنها تمكنت، بالتعاون مع الشرطة العسكرية، من إلقاء القبض على أحد الجانيين.

ووصف أحمد الحسن، وهو عضو الأمانة للمجلس الوطني الكردي في حديث مع "العربي الجديد" ما جرى في جنديرس بـ "الجريمة البشعة". وطالب الحسن بـ "إبعاد كل فصائل المعارضة من منطقة عفرين"، مضيفاً: نريد حماية دولية لأهالي عفرين الذين يتعرضون للظلم.

وأكد أن الجريمة "حدثت على أيدي عناصر من فصيل جيش الشرقية". ووقع خلط إعلامي بين فصيلي "جيش الشرقية" و"حركة أحرار الشرقية"، التي نفى قائدها أحمد إحسان فياض الهايس، المعروف باسم "أبو حاتم شقرا" عبر "تويتر" تبعية العناصر الذين أقدموا على قتل المدنيين في جنديرس لفصيله، مضيفاً أنه يدين هذا التصرف، وطالب بتقديم الفاعلين إلى القضاء.


قُتل 5 أشخاص من عائلة واحدة في جريمة جنديرس

 

وفي السياق، اعتبر مسؤول المكتب السياسي في "حركة أحرار الشرقية" زياد الجراد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من الطبيعي أن توجه أصابع الاتهام للحركة، لوقوع منطقة جنديرس تحت سيطرة فصيل آخر هو جيش الشرقية"، مضيفاً: هناك خلط إعلامي بين الفصيلين، الأمر الذي سبّب ضرراً كبيراً للحركة.

ونفى الجراد أي صلة لـ"حركة أحرار الشرقية" بالجريمة، مضيفاً: حتى فصيل "جيش الشرقية" تعهد بتقديم الجناة إلى المحاكم لينالوا جزاءهم. وأبدى الجراد أسفه "لأن المجرم من أبناء المنطقة الشرقية في سورية"، مشيراً إلى أن "هذه المنطقة هي من أرسلت قوافل المساعدات إلى جنديرس، حين ضربها الزلزال المدمر".

فصيل "أحرار الشرقية"

وكانت الولايات المتحدة فرضت في منتصف عام 2021 عقوبات على فصيل "أحرار الشرقية" واثنين من قيادييه، هما: أحمد إحسان فياض الحايس، المعروف باسم "أبو حاتم شقراء"، ورائد جاسم الحايس، المعروف باسم "أبو جعفر شقرا"، وهو ابن عم الأول. واتهمت الخزانة الأميركية الفصيل بارتكاب جرائم عدة ضد المدنيين، لا سيما الأكراد السوريين، في شمال شرقي سورية: "تشمل عمليات قتل خارج نطاق القانون وخطف وتعذيب ومصادرة ممتلكات خاصة".

وينشط فصيل "أحرار الشرقية" في ريف حلب الشمالي، وفي المنطقة التي سيطر عليها الجيش التركي أواخر عام 2019 شرقي نهر الفرات، وأغلب قيادييه وعناصره من ريف محافظة دير الزور.

وتعد منطقة عفرين ساحة مفتوحة لكل الانتهاكات من قبل فصائل ومجموعات منفلتة بحق السكان المحليين والنازحين والمهجرين، في ظل عجز كامل من وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة عن فرض الأمن ووضع حد لهذه الانتهاكات المستمرة منذ عام 2018.

واستولت هذه المجموعات على أرزاق وممتلكات النازحين من عفرين، كما فرضت إتاوات على من بقي من السكان، فضلاً عن عمليات اعتقال بحجة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني بهدف الابتزاز المالي.

ويحتفل الأكراد في العالم في 20 مارس من كل عام بعيد "النيروز"، ويوقدون مشعلاً احتفالاً بقدوم العيد الذي يترافق مع خروج المحتفلين من العائلات والأصدقاء إلى الأماكن الطبيعية.