أثار قرار الرئيس التونسي، قيس سعيّد، الصادر أمس الجمعة، تقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم، تمهيداً لإجراء الانتخابات المحلية، جدلاً وانتقادات لتفرده بالقرار، وتساؤلات عن تبعات هذه الخيارات السياسية على البلاد، ولا سيما أن الانتخابات التي ستجرى يوم 24 ديسمبر/كانون الأول القادم، ستقود إلى انتخابات جهوية ثم انتخاب الغرفة التشريعية الثانية (مجلس الجهات والأقاليم).
ويأتي هذا التقسيم ضمن التنظيم السياسي الجديد الوارد بالدستور التونسي الجديد الذي صاغه سعيّد بنفسه، كذلك يأتي تمهيداً لإرساء المجلس الوطني للأقاليم والجهات (الغرفة الثانية) الذي نص عليها دستور 2022 لاستكمال الوظيفة التشريعية بعد أن تم تشكيل مجلس نواب الشعب (الغرفة الأولى).
وضبط الأمر الرئاسي حدود هذه الأقاليم، حيث ضم الإقليم الأول محافظات بنزرت وباجة وجندوبة والكاف، وضم الإقليم الثاني محافظات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنّوبة ونابل. فيما ضم الإقليم الثالث محافظات سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية، والإقليم الرابع محافظات توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة، بينما ضمّ الإقليم الخامس محافظات تطاوين وقابس وقبلي ومدنين.
وقالت النائبة السابقة والقيادية في "حركة النهضة" يمينة الزغلامي في تصريح لـ"العربي الجديد": "قبل التعليق على مضمون الأمر الرئاسي، هل من حق رئيس الجمهورية، ووفق دستوره، التشريع بأوامر رئاسية في وجود برلمان أعطاه وظيفة تشريعية؟ وهل ما زلنا فعلاً في حالة الاستثناء؟"، مستنتجة أن "انتخاب ما يسمى برلماناً لم يكن إذاً إلا ذرّ رماد في العيون، وفعلاً أن قيس سعيّد مستحوذ على كل السلطات، فالمجالس الوزارية يترأسها والتشريع ينجزه في غياب أي تشاركية".
وتساءلت الزغلامي: "كيف يقع إحداث هذا التقسيم بأمر وليس بمقتضى قانون يشارك في صياغته وتعديله البرلمان والمجتمع المدني وكل المختصين والمتدخلين في موضوع مهم، ألا وهو اللامركزية"، مستحضرة "مراحل إنجاز مجلة الجماعات المحلية من طرف برلمان الشعب الديمقراطي السابق، حيث كان نصاً تشاركياً، إعداداً ونقاشاً وصياغة".
وشددت الزغلامي بالقول: "بما أنه عمل فردي أكيد سيكون مآله مثل بقية المراسيم، فسيغذي العروشية (القبلية) والانتماء الجهوي الضيق والصراعات وستكون له نتائج وخيمة اجتماعياً وإدارياً وعقارياً".
بدوره تساءل الأمين العام لحزب "التكتل من أجل العمل والحريات"، خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد" عن "صلاحيات هذه الأقاليم وطريقة عملها وخيار تغيير مكان اجتماعاتها من محافظة إلى أخرى، بما يضفي لعدم استقرار هذه المجالس".
وبين الزاوية أن "تقسيم الأقاليم ليس بفكرة جديدة ولم يبتدعها قيس سعيّد، بل اقترحتها أحزاب سابقاً، من بينها التكتل، بناءً على دراسات ونقاشات منذ 2011 بتصور ورؤية مختلفة، ولكنه اليوم هو وضع رؤيته الخاصة انطلاقاً من دراسات قديمة سابقة، بأن يقوم الإقليم فيه جانب من البحر ومطار في اتجاه التكامل بين المحافظات".
وتابع: "المهم ليس مجرد التقسيم، بل دور هذه الأقاليم وكيفية عملها وهل سيشرف الإقليم على التنمية الجهوية أم سيكون مجرد غرفة ثانية تصدّق على الموازنة؟".
من جانب آخر، انتقد الزاوية "العدد الهائل للنواب عن كل دائرة.. والموازنة التي ستخصص لهم والتبعات المالية لذلك، وهل تمت برمجة كل هذا في موازنة 2024"، معتبراً أن "هذه العملية تجري في أزمة سياسية وستكون نسب المشاركة ضعيفة جداً كما حدث مع انتخابات البرلمان، وبالتالي هي عملية تسويقية".
وشدد على أن "التقسيم الترابي مبني على العروشية (القبلية) وهو ما سيثير النعرات الجهوية عكس ما بناه بورقيبة (رئيس الجمهورية الأسبق) من نبذ للجهوية وضرب العروشية والدفع نحو الوحدة الوطنية، فكلنا تونسيون، لدينا الحقوق والواجبات نفسها، واليوم سيعيدنا إلى المربع الأول".
في مقابل ذلك، اعتبر رئيس المكتب السياسي لمسار 25 جويلية، المساند للرئيس سعيّد، عبد الرزاق الخلولي، أن "فلسفة التقسيم الإداري الجديد للبلاد تقوم على جعل كل إقليم يجمع بين ولايات تمثل بينها التكامل: مدخل بري ومدخل بحري ومطار"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، "أن هذه الخطوة مهمة لاستكمال تركيز المؤسسات واستكمال الوظيفة التشريعية في الدستور".
وتساءلت النائبة المساندة للرئيس، فاطمة مسدي، على حسابها بموقع "فيسبوك" عن كيفية تقسيم الأقاليم، قائلة: "تقسيم أقاليم لا نواب شعب شاركوا فيه، ولا الشعب على علم به، ولا نعرف كيف ولماذا صار.. هل ترى تم ذلك بالقرعة؟" حسب تعبيرها.
واعتبر الأمين العام لحركة "مشروع تونس" محسن مرزوق، على حسابه بـ"فيسبوك" أن "التقسيم لأقاليم مطلة على البحر فكرة قديمة وموجودة في كتب منشورة، وحتى دستور 2014 فيه أقاليم. وهو مشروع هام، ولكن ليس له معنى إذا اقترن بتقسيم يهدف إلى تأطير التمثيلية الانتخابية فقط، لأنه وقتها يبقى إطاراً دون محتوى، وقد يؤجج خلافات لا داعي لها".
وتابع مرزوق: ''يصبح هذا المشروع ذا معنى عندما يقترن برؤيا تنموية شاملة فيها تخصص وتكامل من منظور خلق الثروة المادية والرمزية. ويتبع ذلك رؤية متكاملة لتطوير البنية التحتية، وخصوصاً في مجال الطرقات والسكة الحديدية وفتح السماء لتعمل المطارات في الجهات".
وأضاف: "كما يقترن ضرورة بتوزيع جديد للمؤسسات السيادية ومنها مقارّ الوزارات التي يجب أن توزع على الأقاليم لتنشيط الجهات، فلا معنى لتركيز كل مقارّ الوزارات في إقليم واحد وترك الباقي يعاني التهميش".
واعتبر القاضي، عفيف الجعيدي، على صفحته أن "مجلس الأقاليم يُختار أعضاؤه بالقرعة ولمدة ثلاثة أشهر لكل واحد (يعني أعضاؤه غير قارين) ومقره يتغير مرة كل ستة أشهر من محافظة لأخرى وليس له مقارّ ولا وسائل ولا أعوان. ببساطة، مجلس متنقل متغير يصعب الحديث عن حفظ لأرشيفه ويستحيل أن يعرف أعضاؤه بعضهم بعضاً، كما يبدو من باب المعجزات أن يتابع من فيه أي ملف".