جحيم صنعاء: 500 ضحية على يد "داعش" بسيناريو عراقي

21 مارس 2015
التفجيرات هدفت لإيقاع فتنة وأكبر عدد من الضحايا (الأناضول)
+ الخط -

لم تكن صنعاء، أمس الجمعة، سوى قطعة من الجحيم مع تسجيل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، دخوله الساحة اليمنية، بمجزرة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، أودت إلى مقتل أكثر من 142 شخصاً وجرح 351 آخرين، باستهداف تفجيرات انتحارية مروّعة مسجدين عقب صلاة الجمعة. مذبحة تطرح مخاوف السيناريو العراقي والسقوط الكامل في اليمن في طريق الحرب الأهلية التي تقضي على جميع الأطراف. واقع ظهر جلياً في مذبحة المسجدين، بما أنه معروف عن اليمن أنه لا مساجد خاصة بالزيديين وأخرى للسنة، بل مساجد مفتوحة لكل المصلين، وهو ما جعل من ضحايا يوم أمس، مختلطين من كل أطياف اليمن سياسياً ومذهبياً. صدمة المذبحة بأرقام ضحاياها لم تنافسها سوى صدمة تبنّي "داعش" للتفجيرات، كونه لم يكن للتنظيم حضور في اليمن قبل يوم الجمعة الأسود، بل كان الجميع يتوقعون أن يكون تنظيم "القاعدة" هو المسؤول عن الجريمة.

تحريض مذهبي

واستهدفت التفجيرات أبرز مسجدين في صنعاء محسوبين على الحوثيين، وهما جامع بدر، الذي يديره ويخطب فيه العلامة المرتضى بن زيد المحطوري، وقد قتل بالتفجير، وجامع "الحشحوش" شمالي العاصمة. وفي التفاصيل، فقد فجّر الانتحاري الأول نفسه في مدخل مسجد بدر، وفجّر آخر نفسه بعد لحظات في باحة المسجد أثناء خروج المصلين. فيما وقع تفجيران آخران في جامع "الحشحوش" بطريقة مشابهة، ويقيم عليه القيادي في الجماعة، طه المتوكل.

وكما هو حال المساجد في العاصمة، التي كانت آمنة تجاه هذا النوع من التفجيرات، فإن المصلين ليسوا بالضرورة من المنتمين لجماعة الحوثيين، بل من مختلف المذاهب، إذ يصلي اليمنيون في أقرب الجوامع إليهم، ويأخذ العديد منهم أطفاله، الأمر الذي انعكس بسقوط العديد من الأطفال مع آبائهم أو أقارب لهم، في مشهدٍ مروع لم تعتده العاصمة اليمنية من قبل.

وتبنى تنظيم "الدولة الإسلامية" في بيان وُقّع باسم "فرع الدولة الإسلامية في اليمن" الهجمات الانتحارية. ومن الملاحظ أن هذه التفجيرات جاءت نوعية من حيث الهدف، إذ استهدفت مصلين في جوامع بالعاصمة لأول مرة، وكذلك نوعية من حيث العدد، فاستهدفت مسجدين بالتزامن، وفي وقت صلاة الجمعة الذي تكون فيه الزحمة في المساجد في أوجها، بالإضافة إلى استهداف مسجد ثالث وهو مسجد "الهادي" في صعدة، معقل الحوثيين، غير أن الانتحاري، بحسب رواية الجماعة، فجّر نفسه بجوار مبنى البحث الجنائي بعد فشله بالتفجير في الجامع ولم يصب أحد غيره بالتفجير.

اقرأ أيضاً: اليمن: قوات عسكرية تغادر صنعاء واقتحامات ونهب في لحج

كذلك تبدو الهجمات نوعية لجهة التفجير، إذ نفذت بعملية مزدوجة من انتحاريين اثنين في الهجومين، أثناء صلاة الجمعة، ويبدو أن الهدف من ذلك، إرباك الحراسات أولاً، ثم حصد عدد من كبير من القتلى. ومن جهة أخرى، فقد حاول المفجّرون استهداف أبرز مركزين دينيين للجماعة في صنعاء، في محاولة على ما يبدو لاستثارة تحريض مذهبي على أوسع نطاق، فقد أسفر استهداف جامع بدر، عن مقتل إمامه المرتضى بن زيد المحطوري، أحد أبرز المرجعيات الزيدية المؤيدة للجماعة، ويضم الجامع مركزاً تعليمياً، وهو مركز بدر العلمي، الذي أسسه المحطوري، على مراحل.

وأثارت التفجيرات هلعاً في أوساط اليمنيين الذين تابعوا مشاهد الفتنة الطائفية بتفجير المساجد في العراق، ويبدو أن هناك محاولات لنقلها إلى اليمن، من أوسع الأبواب، غير أن المراهنة على تكرار السيناريو العراقي أو مشهدٍ شبيه أمرٌ يأمل اليمنيون فشله، خصوصاً أن الفرز المذهبي غائب إلى حد كبير، إذ ليس ثمة جوامع للسنّة وأخرى للشيعة، حتى أنصار الحوثي، لا يوصفون بـ"الشيعة"، بل كـ"زيديين"، وهو المذهب الذي يعده البعض، أقرب المذاهب الشيعية إلى السنّة.

من الناحية الأمنية، تُعدّ التفجيرات التي جاءت بعد يومين من اغتيال القيادي في الجماعة، عبدالكريم الخيواني، وتبناه تنظيم "القاعدة"، مؤشراً على عودة نشاط الخلايا الإرهابية في صنعاء، الأمر الذي يُعدّ فشلاً أمنياً لجماعة الحوثي، الممسكة الأولى بأمن العاصمة، في الشهور الأخيرة. أما من الناحية السياسية، فقد جاءت في توقيت يربك الأوضاع في البلاد إلى حد كبير، بسبب التطورات المتسارعة في الجنوب.

اتهامات مفتوحة

في أول تعليق رسمي لها، اعتبرت جماعة الحوثيين أن الجريمة وما سبقها من اغتيال للخيواني، "تأتي في إطار حرب واضحة على الشعب اليمني وثورته الشعبية مستخدمة كل الأدوات السياسية والاعلامية والأمنية والعسكرية".

وأشارت في بيان للمتحدث الرسمي باسمها محمد عبدالسلام، إلى "القاعدة" وتحركاتها "في ظل نشاط ودعم الأجهزة الأمنية والعسكرية المدعومة أميركياً".

وكان لافتاً في البيان اتهام الجماعة للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بتهريب السجناء المنتمين لـ"القاعدة" من سجن المنصورة في عدن، الخميس، معتبرة أن ذلك "تصرف واضح وجلي يكشف أن هذه العناصر أدوات للأجهزة الاستخبارية الأميركية والمحلية". وجعلت الجماعة الباب مفتوحاً للاتهامات، إذ قالت في البيان إن "الجريمة معروف من يقف وراءها ومن يحرّض عليها ومن يمولها ويدعمها ويشجعها، وهي جزء من معركة شاملة تقودها أطراف تتبادل الأدوار السياسية والإعلامية والعسكرية والأمنية، وبقدر ما تقوم وسائل إعلامية ممولة خليجياً بمنح الغطاء السياسي والأمني لعناصر ما يسمى بالقاعدة في البيضاء ومأرب حين تصف عناصر القاعدة بالقبائل وتصف الجيش واللجان الشعبية بالمتمردين أو بالحوثيين".

وهاجمت الحوار الذي يرعاه المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر، واعتبرت أنه يُستخدم لـ"إعطاء هؤلاء المجرمين والقتلة المزيد من الوقت لاستهداف الشعب والثورة وتخدير الحلول العملية وتأجيلها من دون الوصول الى حلول"، مشيرة إلى أن التحديات التي تواجه الجماعة لن يثنيها عن مواجهتها "أي صراخ أو عويل أو انتظار من أحد أن يعطينا الإذن والموافقة كيف ندافع عن أنفسنا". وأضافت: "بات من المهم استكمال الخطوات الثورية للحفاظ على الشعب وثورته وحماية حقوقه وأمنه واستقراره".