- السلطات التونسية تواجه تحديات في التعامل مع تدفق المهاجرين عبر حدودها البرية والبحرية، مع ضغوط خارجية لتعزيز الأمن، وسط تساؤلات حول الحلول الإنسانية لهذه الأزمة.
- مطالبات بضرورة إيجاد حلول إنسانية لمشكلة المهاجرين، بدلاً من الملاحقة والطرد، مع التذكير بالدور التاريخي لتونس كأرض استقبال للاجئين والمهاجرين، وتجنب تسييس الموضوع.
تنشر وزارة الداخلية التونسية على صفحتها على "فيسبوك" صور وفيديوهات إخلاء ساحات عامة ومراكز شباب من المهاجرين الأفارقة. وتؤكد أنها "ستواصل التصدي لمختلف المظاهر المُخلة بالأمن العام وحماية الممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على السّكينة العامة" بحسب بيان للوزارة. المشكلة أن الوزارة لا تقول إلى أين ذهبت بهؤلاء المهاجرين، ولا توضح الحل الذي توصلت إليه إزاء هذه الوضعية الصعبة، تطردهم من مكان فيذهبون إلى مكان آخر، في البلد نفسه وليس خارج الحدود. وتناقلت صفحات التواصل الاجتماعي فيديوهات لمجموعات كبيرة من هؤلاء المهاجرين الملاحقين، وهم يتنقلون مشياً مسافات طويلة بين المدن التونسية.
تقول الوزارة إنها تريد فرض الأمن و"الحفاظ على السكينة العامة"، لكنها لا توضح كيف. منذ مدّة، تؤكد السلطات التونسية أنها لن تكون أرض مقرّ للمهاجرين، ولكنها لا تجيب على سؤالين مهمّين في تحديد حل هذه المعضلة: من أين يأتي هؤلاء إلى تونس، وحدودها فقط مع الجزائر وليبيا؟ وإذا كانت تونس تمنعهم من مواصلة رحلتهم إلى أوروبا، فكيف لا يتحوّلون أوتوماتيكياً إلى مقيمين على أرضها؟
لا شك في أن تونس ضاعفت جهودها في حماية حدودها البحرية مع إيطاليا، وربما أتى الضغط الإيطالي أُكله في هذا الصدد، فللمعونات المالية والدعم السياسي وقْع السحر في هذه الحالة، ولكنها لم تقم بالجهد نفسه في حماية حدودها البرية، أي مصدر دخول المهاجرين. ويرى مراقبون كثيرون أن السلطات تبالغ كثيراً في تضخيم هذا الملف، ويذكّرون بأن تونس استقبلت أكثر من مليون شخص إبّان قيام الثورة الليبية، بينهم مئات آلاف الأفارقة وغيرهم من الفارّين من المواجهات العسكرية وقتها، ولم تطرح هذه المشكلات التي نسمعها اليوم. ويتساءل كثيرون: كيف لبضعة آلاف من المهاجرين (أكثر التقديرات تعتبر عددهم 80 ألفاً) أن يُحدثوا كل هذه الأزمة في بلد يقدّر عدد سكانه بـ12 مليون نسمة، وهل فعلاً يهددون بتغيير التركيبة الديمغرافية كما قال الرئيس قيس سعيّد؟
لا شك في أن هناك مشكلات تطرحها إقامة لاجئين في الشوارع وفي الأحياء السكنية، ليس لهم مأوى ولا مصدر رزق يعيشون منه، وهذا يطرح مشكلة لأي بلد وأي سلطة، ولكن الحل ليس في ملاحقتهم وطردهم من مكان إلى آخر. وعلى السلطات التونسية أن تضع حداً لهذا الارتباك في التعامل مع مشكلة إنسانية بالدرجة الأولى، وألا تنسى أنها منحت اسمها القديم، أفريقيّة، للقارة، وألّا تحوّلها إلى استثمار سياسي محلي.