زادت إقالة وزيرة التجارة في تونس وعدد من كبار المسؤولين في قطاعات مالية وصحية مرتبطة بالأزمة الحادة التي تعيشها البلاد، من الحديث عن تعديل حكومي مرتقب، لسدّ الشغور واحتمالات التوسع لحقائب وزارية أخرى، فيما تتوقع بعض المصادر تغييراً للحكومة، وربما لرئيستها.
وأقال الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ يومين، وزيرة التجارة فضيلة الرابحي، التي تشغل منصبها منذ أكثر من سنة، دون تبيان أسباب الإقالة، ليُعلَن ذلك في بيان مقتضب خلال لقاء جمع سعيّد برئيسة الحكومة نجلاء بودن في قصر الرئاسة، تاركاً الوزارة شاغرة دون تعيين من يخلفها، أو إجراء تعديل في المنصب لغاية الآن.
وتأتي إقالة الرابحي بعد انتقادات لاذعة من قبل التونسيين بسبب النقص الحاد الذي تعرفه السوق المحلية في المواد الغذائية، واضطراب عمل المصانع والمتاجر، بسبب غياب المواد الأساسية والمنتجات الرئيسية، كالسكر والقهوة والحليب والزبدة والزيت والدقيق، بالإضافة إلى تذبذب التزويد بالوقود.
ولطالما هاجم سعيّد المحتكرين والمضاربين والمهربين، لتفسير النقص الفادح أمام الرأي العام، مطالباً الوزراء بتشديد الرقابة، وتسليط العقوبات، ومقاومة الاحتكار.
إلى ذلك، تزامنت إقالة الوزيرة مع إقالة محافظ صفاقس (جنوب شرقيّ البلاد)، وعدد من كبار المسؤولين عن الصيدلية المركزية، وشركة النقل بتونس، والبنوك الحكومية.
ويتداول الشارع السياسي احتمال ذهاب سعيّد نحو تغيير حكومي شامل، بتعيين شخصية اقتصادية لقيادة الحكومة الجديدة، فيما تواتر الحديث عن عودة رئيس الحكومة السابق إلياس الفخفاخ، بينما طُرحَت أسماء أخرى، على غرار رئيس كونفدرالية المؤسسات المواطنة، طارق الشريف.
تغيير شامل للحكومة؟
وتطالب أحزاب وشخصيات مساندة لسعيّد ولـمسار 25 يوليو/ تموز 2021، بتغيير شامل للحكومة، معتبرين أنها فشلت في إدارة الأزمة الحادة التي ضربت كل القطاعات، ومسّت بمختلف أوجه الحياة، فيما يعتبر المعارضون أن التعديل مهما كان حجمه، فهو شماعة يعلّق عليها سعيّد فشله، ومحاولة لطمس الأسباب الحقيقية للأزمة، وامتصاص غضب الشارع التونسي.
وقال المتحدث الرسمي باسم "حركة الشعب" (مساندة لمسار سعيّد) أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "حركة الشعب" دعت إلى تعديل وزاري، وأكثر من ذلك إلى تشكيل حكومة سياسية، لأننا نعتبر أن هذه الحكومة عاجزة، وفشلت في توفير الحدّ الأدنى من مقومات عيش التونسيين، وبالتالي لا يمكنها أن تستمرّ لسببين، لأنها تفتقر إلى الرؤية، ولأن وزراءها يفتقرون إلى الكفاءة".
وتابع: "كل الحكومة فشلت، وليس وزارة التجارة فقط، بل هناك 5 وزراء يتمثلون في الفلاحة، والتجارة، والعدل، والصناعة، والمالية، هم وزراء خربوا مسار 25 يوليو ويسيرون عكسه".
وشدد عويدات على أن "هذه الحكومة لا تملك رؤية ولا تصوراً، ولا برنامجاً، وهي تعمل عبر الحلول التقنية، وبالتالي لا يمكنها إنقاذ البلاد".
وبيّن أنه "في حال تعديل الحكومة دون برنامج أو تصور، فإن من سيعينون سيفشلون أيضاً، وسيكررون ذات الأخطاء، من خلال اعتماد ذات المنوال التنموي الذي اعتُمد زمن (زين العابدين) بن علي، وخلال العشرية الماضية وفي حكومة (هشام) المشيشي".
ولفت عويدات إلى أنه يجري "تداول اسم الياس الفخفاخ لرئاسة الحكومة المقبلة، لكن المسألة ليست متعقلة بشخص، بل بتصور كامل لمسار 25 يوليو، وبحكومة سياسية لديها خلفية سياسية للتفكير ولإيجاد حلول للإنقاذ وتصورات للمستقبل".
"فشل السلطة"
من جهته، اعتبر المحلل السياسي محمد ضيف الله، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أنه "عند حدوث إقالة وزير أو أكثر، أو عدد من المسؤولين، يصبح التعديل الحكومي الشامل غير منتظر، فمن تمّت إزاحته، يشكل نقطة ضعف في الحكومة، وهذا أمر ممكن، ولكن ما وقع في تونس بإزاحة وزيرة التجارة وعدد من المسؤولين، يعكس حالة التخبط التي تعيشها السلطة، خصوصاً بعدم توضيح أسباب إقالة هذا المسؤول أو ذاك، وبالتالي ليست هناك شفافية ووضوح كافٍ أمام الرأي العام، وفي ذلك اعتراف بخطأ من عيّن هؤلاء المسؤولين".
وتابع: "نحن في نظام فردي فرداني رئاسي، وما يحدث دليل فشل هذه المنظومة التي يراد إرساؤها وإرجاعها إلى ما قبل 2011 بيد شخص واحد".
واعتبر ضيف الله أن "هذا التعديل في حد ذاته يدل على فشل السلطة، وإن لجأت إلى تعيينات بذات الشكل، فهذه مواصلة لذات الفشل ومراكمة للفشل، فمن يعيّن يتحمّل فشل تعييناته".
وشدد على أن "الرئيس يريد تعليق الفشل على المسؤولين، ولكن في الحقيقة المشكلة في من عيّن، وهذه الطريقة غير صالحة لمستقبل البلاد مهما كان الشخص المعيَّن".
وبيّن أن "الرئيس يريد من الوزراء وأعضاء الحكومة أن يكونوا مطيعين ولا يظهروا في الصورة، فحكومة بودن القائمة منذ سنة ونصف بلا طعم ولا لون ولا رائحة، ووزراؤها لا يسمع بهم أحد، ولا نعرف أسماءهم، ولا برامجهم، ولا نشاطاتهم". وتابع: "نراهم في بعض الصراعات وبعض المسؤولين الجهويين الذين يشنون حملة على معارضين للرئيس".
وأضاف ضيف الله: "المشكلة أن هؤلاء المسؤولين معيّنون من طرف شخص واحد، ولا نرى محاسبة لهم عند فشلهم وإخفاقهم بعد إزاحتهم"، مضيفاً: "من عيّنهم يتحمل المسؤولية كاملة في ذلك"، حسب تعبيره.
من جانبه، اعتبر أستاذ القانون، صغير الزكراوي، أن "إعفاء وزيرة التجارة من مهامها وحتى تغيير حكومة بودن لن يغير شيئاً"، داعياً رئيس الجمهورية إلى "الإقرار بفشل مساره، وأن تكون له الشجاعة الكاملة للخروج وإعلان فشله"، وفق تعبيره.
وتابع الزكراوي في تصريح صحافي أن "إعفاء وزيرة التجارة دليل على تآكل منظومة قيس سعيّد من الداخل وإقرار ضمني بالفشل".