تونس ما بعد انتخابات 17 ديسمبر: رسائل التونسيين إلى سعيّد

18 ديسمبر 2022
شككت جبهة الخلاص بالنسبة المعلنة، ورأت أنها لا تتعدى 3 في المائة (Getty)
+ الخط -


شكلت نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات التشريعية، التي دعا إليها الرئيس قيس سعيّد، صدمة لمناصريه، و"زلزالاً" على حد تعبير أحد أكبر خصومه، رئيس جبهة الخلاص المعارضة أحمد نجيب الشابي.

بلغت نسبة التصويت 8.8 في المائة فقط، وفق ما صرّح به رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر في الندوة الإعلامية.

وفسّر بوعسكر ضعف نسبة المشاركة بأنه "نتيجة غياب المال السياسي الفاسد والأجنبي وغياب استعمال التمويل العمومي"، وفق تصريحه، وكذلك "بتغيير القانون الانتخابي واعتماد نظام الاقتراع على الأفراد، إضافة إلى تأثير دعوات المقاطعة الصادرة عن عدد من الأحزاب ومكونات المشهد السياسي في تونس".

وأشار بوعسكر إلى أنّ "عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم، والذي قدّر بحوالى 804 آلاف ناخب، هو العدد الذي تمكن المترشحون من إقناعهم بإمكاناتهم الذاتية"، وفق تعبيره.

وهناك من يرى أن تورط بوعسكر في تبريرات ليست من اختصاصه يعكس حجم الإرباك الذي أحدثته النتائج الضعيفة التي لم تشهدها الانتخابات في تونس منذ الثورة، وكانت جبهة الخلاص المعارضة قد قالت في مؤتمر صحافي عاجل ليلة أمس السبت، إن هذه النسبة مشكوك فيها، وإن النسبة الحقيقية لا تتعدى ثلاثة في المائة على أقصى تقدير.

وكان الشابي قد دعا إلى عزل سعيّد والتوافق على شخصية محايدة ومستقلة، قد تكون من القضاة السامين، تشرف على مسار بانتخابات رئاسية جديدة وحوار وطني يجمع كل الفرقاء من أجل إنقاذ البلاد، ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل والأحزاب والمنظمات والشخصيات إلى الاجتماع والاتفاق على مسار جديد.

بن مبارك: قيس سعيد فقد مشروعيته وفقد أيضا انخراط الشعب التونسي في مشروعه، ولابد أن نعيد الكلمة للشعب التونسي ولصناديق الاقتراع الشفافة والحرة

رسائل المقاطعة

وبدت انتخابات 17 ديسمبر رسالة اعتراض من التونسيين لسعيّد ولمساره، وقال الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "تاريخ 17 ديسمبر الذي أراد سعيّد أن يكون فارقاً، كان كذلك بالفعل، ولكن بالنسبة إلى مسار الانقلاب، فالشعب التونسي حكم نهائياً بأنه غير معنيّ بالمسار"، مبيناً أن "هذا المسار سقط داخلياً وخارجياً، وبالتالي فالمطلب الحقيقي اليوم لتجنيب البلاد مزيداً من الإخفاقات والعثرات هو المطالبة بتنحي سعيّد وفتح المجال لصفحة جديدة ومرحلة من الانتقال الديمقراطي يتفق التونسيون على إدارتها".

ولفت إلى أنه "بعد هذا الحكم الشعبي على المسار، لا يمكن سعيّد أن يستمر في إدارة الدولة غصباً، فهذه السلطة سقطت وفقدت شرعيتها ومشروعيتها، مبيناً أنها لا تستند إلى أي شرعية، ومعزولة داخلياً وخارجياً، وتونس لا يمكن أن تدار بهذه الطريقة، ويجب إغلاق هذه القوس بطريقة حضارية وسلمية".

وتابع أن على سعيّد "التفكير في تسليم السلطة وتجنيب البلاد المزيد من المآسي".

من جهته، أكد عضو مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذا اليوم سيكون فارقاً، لأن الشعب التونسي أصدر شهادة وفاة لمسار سعيّد، ومن المفارقات أن سعيّد "دخل في مغامرة وكذبة قال عنها إنها مسار إصلاح واتضحت سريعاً الخديعة"، مبيناً أن "هناك اليوم مسارات أخرى اختارها التونسيون ولا بد أن نعطيهم الفرصة ليحكموا بين هذا وذاك".

وبيّن أن "قيس سعيّد فقد مشروعيته وفقد أيضاً انخراط الشعب التونسي في مشروعه، ولا بد أن نعيد الكلمة للشعب التونسي ولصناديق الاقتراع الشفافة والحرة ويختار الشعب مصيره، ومن يقود السفينة في المستقبل وفي أي مسار، هل في مسار سعيّد الانقلابي أم في مسار آخر، وهو مسار البناء الديمقراطي".

وتابع: "هذا الخيار لا يمكن أن يحسمه إلا التونسيون، وبسرعة، عبر انتخابات رئاسية مبكرة، وبعد انتخاب رئيس جمهورية جديد يضع الإطار السياسي لإصلاحات دستورية يعرضها على استفتاء صادق، ثم يتم المرور إلى انتخابات تشريعية يتم في ضوئها استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية".

الشعيبي: المقاطعة الواسعة عبارة عن تفويض شعبي للقوى السياسية لتصعيد نضالاتها والمطالبة بإسقاط الانقلاب

واعتبر مستشار رئيس حركة النهضة رياض الشعيبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه  الانتخابات من الأساس باطلة قانوناً، والمحكمة الأفريقية ولجنة البندقية صرحوا برأيهم في هذا"، وأفاد بأن "المقاطعة السياسية الواسعة التي شملت كل القوى السياسية، اكتملت الآن بالمقاطعة الشعبية، وانخفاض غير مسبوق للاقتراع".

وأضاف: "هذه الانتخابات سيكون لها ما بعدها، وهي تكشف عن التحول الكبير في المزاج العام تجاه سلطة الانقلاب، وانتباه المواطن لخطورة هذه السلطة على الاستقرار الاجتماعي وتداعياته على بقية الجوانب".

وبين أن "المقاطعة الواسعة عبارة عن تفويض شعبي للقوى السياسية لتصعيد نضالاتها والمطالبة بإسقاط الانقلاب، وهو ما سيبرز بعد الانتخابات، فسيكون هناك تصعيد والمطالبة بالذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة، تعيد المسار الديمقراطي الصحيح".

 المحلل السياسي، قاسم الغربي، قال لـ"العربي الجديد"، إنه قد أصيب بصدمة "من تصريح رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، حين اعتبر أن نسبة الإقبال تعبّر عن غياب المال السياسي الفاسد عن هذه الانتخابات"، مستدركاً: "لا أعلم مدى وعيه بما يقول ويصرح، وكأنه يقول إن هناك 8 ملايين تونسي مرتشٍ لم يذهبوا للانتخاب لغياب الرشوة، فهذا الكلام من الناحية الأخلاقية غير مقبول بتاتاً".

وتابع: "من الناحية القانونية، هذا المجلس سيمرّ وسينطلق في العمل، ولكنه سيفتقد كثيراً من المشروعية، ودون مبالغة نعتبر أن هناك نقاط استفهام حقيقية وجدية على كل مسار 25 يوليو حتى لا نقول انتهى المسار".

وتساءل الغربي: "هل تعبّر نسب المشاركة عن نهاية مسار 25 يوليو، وهل 25 يوليو وما بعدها هي الحل أم لا؟".

وبيّن أن "نسبة المشاركة فضيحة، وهي نسبة متدنية جداً، وعندما يضاف إليها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والخيارات الاقتصادية غير الواضحة والظروف الدولية وموقف صندوق النقد الدولي الأخير، فهو ينذر بأيام صعبة على التونسيين".

ولفت الغربي إلى أن "التونسيين بعدم ذهابهم إلى الانتخابات أرسلوا رسالة واضحة إلى 25 يوليو، بأنه انتهى الأمر، وهذا المسار لا يعبّر عنا".

ووضح الغربي أن "هناك موقفاً سلبياً أيضاً من المنظومة الحزبية كلها، ولكن عندما لا تقدم السلطة بديلاً من المنظومة الحزبية التي فشلت، فهي تدفعهم إلى العودة إلى المنظومة الحزبية أو الاستقالة تماماً من العمل السياسي، لأن عزوف الناخبين لا يعني فشل الأحزاب بالضرورة، ولكنه يعني عزوف الناس عن الشأن العام، سواء كان حزبياً أو غير حزبي".

وبيّن المحلل السياسي أن نسب مشاركة الشباب بلغت 5% من جملة الناخبين، عكس نسبة المشاركة في 2019، وهو ما يطرح تساؤلات عن تغيّر القاعدة الانتخابية لقيس سعيّد، "صحيح أنها انتخابات تشريعية، ولكنها تعبّر عن كل مسار سعيّد".

وأضاف الغربي أن "العقل السياسي السليم الآن يفترض أن يقوم سعيّد بخطوة إلى الوراء وبأن يدعو إلى حوار وطني أو يتراجع ويجد حلاً مؤسساتياً، ولكن للأسف، أعتقد أنه لن يتراجع إلى الوراء"، مرجحاً أننا "مقبلون على مرحلة اقتصادية واجتماعية صعبة جداً نضيف إليها الحديث عن عدم مشروعية المؤسسات القادمة".

ثقة مفقودة  

قال كاتب عام جمعية "ملاحظون بلا حدود" عبد الحق السلطاني، في تصريح لـ"العربي الجديد،" إن هناك عدة أسباب لضعف الإقبال، منها أساساً الوضع الاجتماعي والوضع السياسي في البلاد، فنسبة هامة من الأحزاب قاطعت الانتخابات ودعت مناصريها للمقاطعة، وهذا لعب دوراً في العزوف، ولكن الوضع الاجتماعي وندرة بعض السلع وارتفاع الأسعار، إلى جانب عامل فقدان ثقة الشباب بالطبقة السياسية، سواء تلك التي حكمت طوال 10سنوات أو الحالية، كلها أسباب قادت إلى هذه النتيجة".

وأشار إلى أن "ملامح بعض المرشحين الحاليين قد لا يدفع أيضاً إلى نيل ثقة الناخبين، لأنه ليس لديهم خبرة أو حزام سياسي يمكنهم من تنفيذ مشاريعهم".

وتوقع أن يؤثر ضعف الإقبال في "مشروعية المجلس القادم، وأن هناك نواباً سيمرون بعدد أصوات قليل، صحيح من الناحية القانونية، ولكن من ناحية المشروعية، سيعطي هذا فرصة لمعارضي المسار للتشكيك في شرعية المجلس" .