تسود في تونس حالة من الترقب الحذر بشأن الخطوات القادمة إزاء الأزمة السياسية التي تخنق البلاد منذ إقدام الرئيس التونسي قيس سعيد على قراراته تباعا في 25 يوليو/تموز، ثم في 22 سبتمبر/أيلول، حين أقال الحكومة وعلق اختصاصات البرلمان وأغلب أبواب الدستور، وجمع كل السلطات بين يديه، ثم أعلن عزمه على تغيير عدة قوانين في البلاد دون سند دستوري.
وتراقب الساحة التونسية تركيز الرئيس سعيد على القضاء في الأيام الأخيرة، وإعلان نيته تقديم مشروع للمجلس الأعلى للقضاء، وسط رفض واسع من القضاة التونسيين ومنظماتهم، وخشية من ضرب استقلالية القضاء وتدخل السلطة التنفيذية فيه، بما ينهي عمليا كل فصل بين السلطات، بينما يؤكد الرئيس أنه لا يريد التدخل في القضاء وأن التغييرات ستتم بمساهمة القضاة أنفسهم.
وقال رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمادي، اليوم الأربعاء، إن "المنظومة القضائية في حاجة لإصلاحات جوهرية على مستوى القضاة والتشريع، لكن هذه الإصلاحات يجب القيام بها في الحالات العادية وليس في حالة استثنائية محاطة بعديد المخاطر"، حسب تعبيره.
وأكد الحمادي، في تصريح لإذاعة "شمس" الخاصة، على "ضرورة أن تتم هذه الإصلاحات ضمن حوار وطني شامل تساهم فيه كل الأطراف".
وأشار الحمادي إلى أن "هذا الإصلاح لا يجب أن يكون فوقيا وأحاديا ولا يصدر عن السلطة التنفيذية التي ترغب دائما في وضع اليد على القضاء".
وقالت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين روضة القرافي، للإذاعة نفسها: "نحن الآن في وضع هش، وبالتالي لا يمكن في مرحلة يكون فيها المجتمع ضعيفًا وليست هناك أي سلط تخلق التوازن في ما يتعلق بالقوانين، وتمسّ بالقضاء الذي يمثل مكونًا من مكونات النظام السياسي"، معقبة "نحن الآن في ظرف استثنائي ليست لنا فيه أيّ ضمانة مقابل تجمع السلط في يد الجهة التنفيذية الممثلة في رئيس الجمهورية"، وأوضحت "إذا فتح هذا الباب وصيغ المرسوم بما يخالف استقلالية القضاء أو يمسّ تركيبة المجلس الأعلى للقضاء أو تعيين القضاء، فإن الوضع سيكون خطيرًا ومخيفًا".
سياسيا، هناك نوع من الهدوء يقارب الركود في صفوف معارضي سعيد، ولا أثر لتحركات أو مواقف، بينما تتوجه الأنظار كلها إلى مقر الاتحاد العام التونسي للشغل، حيث تؤشر بعض الاجتماعات والتصريحات إلى تبلور الموقف الأهم في الساحة السياسية التونسية بحكم الثقل الذي تمثله المنظمة النقابية تاريخيا، وأهميتها الدولية أيضا، حيث يشدد كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على أهمية الاتحاد في حل الأزمة الحالية.
وجدد أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، في حوار صحافي لجريدة الصباح التونسية، اليوم الأربعاء، التعبير عن قلقه "من الصعوبات التي تتخبط فيها البلاد ومن غياب الرؤية"، داعيا رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى "وضع سقف زمني لإنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية".
واعتبر الطبوبي أن "مبادرة الحوار مع الشباب على المنصات الافتراضية مرحّب بها، لكن العصارة النهائية والصياغة الختامية للمقترحات المتعلقة بإصلاح المنظومة السياسية والانتخابية يجب أن تتم في إطار تشاركي مع المنظمات الوطنية والأحزاب السياسية"، مطالبا رئيسة الحكومة نجلاء بودن بمصارحة الشعب بـ"حقيقة الأوضاع في البلاد على جميع الأصعدة".
وكانت السفارة الأميركية في تونس قد أعلنت، الاثنين، أنّ السفير الأميركي دونالد بلوم "جدد التأكيد على أهمية عملية سياسية شاملة في تونس، تضم المجتمع المدني والأطراف المتعددة في الوقت الذي تواجه فيه تونس تحديات اقتصادية وصحية واجتماعية مهمة".
وذكرت أن السفير الأميركي التقى بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي بمقر المنظمة النقابية.
وقال الاتحاد من جهته، إن "الطرفين تداولا الوضع العام بالمنطقة، خاصة كيفية دعم التجربة الديمقراطية في تونس ودفع الاقتصاد الوطني". وأضافت أن "بلوم أكد استعداد الولايات المتحدة لدعم تونس والمؤسسات الديمقراطية، وتشريك الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا المسار، خاصة في المجال الاقتصادي، الذي يتطلب الإسراع في حلول عملية وفي المفاوضات مع المؤسسات الدولية وإخراج تونس من الوضع الصعب الذي يمر به الاقتصاد الوطني".
ويؤكد المحلل السياسي قاسم الغربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك فعلا حالة ترقب وهدوء في صفوف معارضي قيس سعيد بالخصوص، فالحملة التي تكونت تحت اسم "مواطنون ضد الانقلاب" تكاد تكون غائبة ولا أثر لها، رغم بعض الإشارات لإمكانية خروج مسيرة كبرى يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري القادم أمام البرلمان، مشيرا إلى وجود "حالة ترقب عامة ربما لزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لتونس يوم 12 نوفمبر بحسب ما يتردد".
وأضاف الغربي أنه "من الواضح أن وعود دول الخليج بشأن دعمها المالي لتونس ظلت مجرد وعود، حيث تم منح تمويلات لباكستان ومصر، ولم تمنح تونس شيئا لحد الآن"، مضيفا أنه "يبدو أن دول الخليج لا ترغب حاليا في الدعم أو ربما طلب منها ذلك، وتونس تنتظر مساعدة الجزائر اقتصاديا، بينما تنتظر المعارضة أيضا توضيحا للموقف السياسي الحقيقي للجزائر، والذي يبدو أنه مختلف عن التصريحات الدبلوماسية لتبون، فبعض المعطيات تشير إلى عكس ما يتردد عن دعم غير مشروط لسعيد".
وفي تقدير الغربي، فإن "الجزائر ليست ضد سعيد ولكنها ترى أن المشهد السياسي في تونس يجب أن يكون متوازنا وشرطها الأساسي ألا تكون السلطة بيد شخص واحد".
وتابع المتحدث أن "الجزائر تؤكد على التوازن لضمان الاستقرار، فأي طرف يمسك بمفرده السلطة ستكون ضده، وهذا ما حصل في علاقة الراحل الباجي قائد السبسي بالنهضة الذي لعبت فيه الجزائر دورا محوريا".
ولفت إلى أن "أغلب التحركات حاليا تدور حول الاتحاد العام التونسي للشغل، وما تسرب عن لقاء السفير الأميركي دونالد بلوم والأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، يتجه لمصلحة المعارضة أكثر منه لسعيد، وهناك تشديد دولي على أن يلعب الاتحاد دورا في حل الأزمة التونسية".