تونس تدخل أسبوعها السابع بلا حكومة... لماذا يخشى سعيد تشكيلها؟

10 سبتمبر 2021
تونس بلا حكومة منذ 46 يوماً (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

تدخل تونس يومها الـ46 بلا حكومة، بينما ينتظر الجميع في الداخل والخارج أن يتولى الرئيس قيس سعيد تعيين رئيس لها بعد وعود كثيرة بأنها ستتشكل في الأيام المقبلة. وتكررت وعوده بتشكيل الحكومة مرات كثيرة، مبدياً بعض الانزعاج والاستغراب لهذه المطالب المتكررة، لأنّ "الدولة والإدارات تعمل بشكل عادي بفضل الكفاءات الموجودة فيها"، بحسب تأكيده.

وتتواتر المطالب بتشكيل الحكومة داخلياً وخارجياً، حيث أكد الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بعد لقائه أول من أمس بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، أنهما "لا يفهمان لماذا لا يتم تشكيل حكومة إلى حدّ الآن"، مشيراً إلى أنّ "تونس تدخل الأسبوع السابع بعد تفعيل الفصل 80 دون حكومة، والإدارة في حالة شلل والدولة عاجزة عن مواجهة أي أزمة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، والعودة المدرسية على الأبواب، وحالة الغموض مستمرة، وهو ما تم التداول بخصوصه".

وكان الأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري، قال بدوره لـ"العربي الجديد"، إنّ "غياب مخاطب حكومي رسمي يؤجّل في الظرف الحالي كل التحركات النقابية أو المطالب التي يمكن أن يقدمها الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل تحسين الظروف الاجتماعية للمواطنين أو إنقاذ الوضع الاقتصادي في البلاد".

ويرى الطاهري أنّ "عدم تعيين رئيس حكومة، وغياب برنامج حكومي، يضعان الاقتصاد في مواجهة المجهول، ويزيدان من تعقيد الوضع التونسي"، محذّراً من توسّع ما وصفه بـ"الثقب الأسود" الذي "قد يبتلع الاقتصاد ويزيد في هشاشته وينفر المستثمرين من مناخ الأعمال، ويؤدي إلى انفجار اجتماعي جديد بسبب ما ستخلفه حالة الفراغ الحكومي وتمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية إلى إشعار آخر".

الطاهري: عدم تعيين رئيس حكومة ثقب أسود قد يبتلع الاقتصاد ويزيد في هشاشته وينفر المستثمرين

وأمس الخميس، طالبت النائبة عن حركة "الشعب" (القريبة من سعيد) ليلى الحداد، بـ"ضرورة الإسراع والتعجيل في الإعلان عن رئيس الحكومة، والإعلان عن التشكيلة، وسد الشواغر في عدة مناصب في الدولة". واعتبرت، في تصريح لإذاعة "شمس"، أنّ "تونس في حاجة إلى حكومة في أقرب وقت، وبحسب المعلومات المتوفرة، فإنّ الإعلان سيكون خلال الأيام القليلة المقبلة"، بحسب تأكيدها.

وخارجياً، شدّد سفراء الدول السبع في تونس، على "الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد، حتّى يتسنّى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة التي تواجه تونس على الصعيد الاقتصادي والصحي، وهو ما من شأنه أن يفسح المجال لحوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المُقترَحة".

ولفهم تردّد سعيد وتأخره في تعيين رئيس حكومة إلى حدّ الآن، ينبغي العودة إلى مساء 25 يوليو/تموز الماضي، عندما أقال رئيس الحكومة هشام المشيشي، قائلاً: "قررت أن أتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة أعيّنه بنفسي"، وهو ما يفيد بكل وضوح بأنه يريد أن يكون الماسك بكل السلطة التنفيذية، وأن فهمه لمهمة رئيس حكومة هو أن يكون مساعداً له في هذه المهمة، على الأقل طيلة هذه الفترة الاستثنائية التي لا يعرف أحد إلى متى ستستمرّ.

ويبيّن موقف السبعة الكبار أن هذه الدول تريد حكومة تشرف على حوارات شاملة حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية، وتستطيع معالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية؛ أي أنها تبحث عن شريك ثانٍ في تونس سيحدّ بالضرورة من نفوذ سعيد، المطلق إلى حدّ الآن، وهو ما يعيه سعيد جيداً، ويزيد من مخاوفه من أن تتكرر تجربة الهروب بالسلطة التي قام بها المشيشي، بعدما اختاره سعيد بنفسه.

وقال المحلل السياسي ماجد البرهومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرئيس التونسي قيس سعيد قضى هذه الفترة لاستبيان المواقف الداخلية والخارجية، وقياس ردة الفعل، وهو ما يفسّر الحذر في التعاطي مع ملف تعيين الحكومة". وأضاف: "يمكن أن يتم تعيين رئيس حكومة موالٍ له وقريب منه أو وزير أول كما في النظام الرئاسي الفرنسي، أو تعيين حكومة يكون سعيد رئيسها على غرار النظام الأميركي"، مشيراً إلى أن "طبيعة الحكومة من طبيعة التغيير السياسي الذي يبحث سعيد عن إدخاله على النظام السياسي".

البرهومي: طبيعة الحكومة من طبيعة التغيير الذي يبحث سعيد عن إدخاله على النظام السياسي

وتابع: "من الواضح أنّ سعيد قرأ رسائل الخارج والداخل جيداً، وفهم التوازنات، ويمكن أن يذهب في تعيين شخصية اقتصادية مقتدرة تستطيع التواصل مع الدول والمانحين حتى يتمكّن من مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية".

وبيّن البرهومي أنّ "تعيين رئيس حكومة مخاطرة كبيرة يقدم عليها سعيد، وعليه أن يكون حذراً بعد كل ما حدث، خصوصاً وأنّ رئيس الحكومة سيبعده عن الجهاز التنفيذي، وبالتالي يجب ضمان الآلية التي تمكنه من جعل الملف الاقتصادي والاجتماعي فقط بين يدي القصبة (قصر الحكومة)، وتحت متابعته هو شخصياً، في ما يتعلق بالملف الأمني والملف السياسي".

ولفت المحلل إلى أنّ سعيد "متوجس فعلاً من تعيين رئيس حكومة أو وزير أول ينقلب عليه، وقد استخلص العبرة من تعيين المشيشي ومن انقلاب يوسف الشاهد على الباجي قائد السبسي"، مشيراً إلى أنّ "الحكومة المقبلة هي بمثابة حكومة الفرصة الأخيرة لدى سعيد، التي يجب عدم المغامرة بها، بما يفسّر كل هذا البطء، فإن عيّن رئيس حكومة قوياً ومستقلاً بنفس الدستور الحالي الذي يمنح 90% من الصلاحيات التنفيذية للحكومة بما فيها الداخلية، فإنّ سعيد سيعود إلى المربع الأول الذي دفعه لتفعيل الفصل 80" من الدستور.

وأضاف أنّ "من يظن أنّ تعيين رئيس الحكومة وشيك فهو واهم، لأنه لا يمكن عزل الحكومة عن النظام السياسي وعن النظام الانتخابي، وهي منظومة بأكملها، إما الإطاحة بها كاملة وإعادة تشكيلها من جديد، وهو ما يتطلب وقتاً، أو ترميمها بآليات قد تعيد البلاد سريعاً إلى ما قبل 25 يوليو".

البرهومي: من يظن أنّ تعيين رئيس الحكومة وشيك فهو واهم، لأنه لا يمكن عزل الحكومة عن النظام السياسي

ويجد هذا التحليل تأكيده في ما كشفه مستشار سعيد، وليد الحجام، مساء أمس الخميس، من أنّ سعيّد ينوي تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي. وقال لوكالة "رويترز": "هناك اتجاه لتغيير النظام السياسي في البلاد وربما عبر استفتاء"، مشيراً إلى أنّ "الدستور الحالي أصبح عائقاً أساسياً، ويُفترض تعليقه ووضع نظام للسلطات المؤقتة"، وفق قوله.

ويمثل هذا التصريح بالون اختبار للساحة السياسية، ورداً على بيان السبعة الكبار الذين طالبوا بـ"حوار شامل حول الإصلاحات الدستورية والانتخابية المُقترَحة".

وجاء الردّ من أكثر المطالبين بتفعيل الفصل 80 وأكثرهم مساندة لسعيد، الوزير السابق محمد عبّو، الذي اعتبر أنّ "اللجوء إلى الفصل 80 كان أساساً للقطع مع حكم العصابات لا لتغيير الدستور، ورئيس الدولة بما يملك حالياً من صلاحيات قادر على إنجاح الحرب"، مشيراً إلى أنّ "ما صرح به مستشار الرئيس قد يفهم منه أنه إعلان مبكر عن فشل مشروع تفكيك المنظومة الفاسدة، واستبداله بمشروع آخر يقتضي إقناع الناس بحلّ سحري يكمن في تبني نظام سياسي جديد"، قائلاً: "لا لعودة الفساد إلى حكم تونس، ولا للحلول الخاطئة ولا لتعديل الدستور خارج الدستور".

وقال، في تدوينة على صفحته بـ"فيسبوك": "سيدي الرئيس تمّ الاستنجاد بك لتطبق الفصل 80 وتفكك منظومة الفساد السياسي التي جثمت على صدر الدولة، ولتؤسس لدولة قانون، ثم تنهي الحالة الاستثنائية حال عودة القضاء والأمن والإدارة إلى سيرها الطبيعي طبق مهامها المرسومة بالقانون".

وكتب المقرر العام لدستور 2014، الحبيب خذر، على صفحته أيضاً: "في الوقت الذي يصرّح فيه رئيس الجمهورية بتمسكه بالبقاء تحت مظلة الدستور، أقرأ لعدة أشخاص ممن تعالت أصواتهم هذه المدة وهم يستحثونه لإعلان تعليق الدستور واعتماد تنظيم مؤقت للسلطة، في انتظار سن دستور جديد تضعه لجنة من "الخبراء"… لهؤلاء ولغيرهم، السقف العالي للحقوق والحريات العامة والخاصة المضمنة بدستور الثورة أعلى من أي سقف آخر قد يصبح بمثابة الحُلم الذي لا يُدرَك".

وينتظر أن يثير هذا الموضوع جدلاً واسعاً في تونس إزاء هذه التحولات الكبيرة التي يشار إليها، وإن لم تكن مفاجئة، ولكنه قد يغير كثيراً في قائمة الداعمين والمعارضين لسعيد، بعدما بدأت الرؤية تتضح.

المساهمون