تتزايد مخاوف مختلف الفاعلين السياسيين في تونس من مضي البلاد نحو المجهول وما يرافقه من تهديدات للمكاسب الديمقراطية الفتية، بعد مرور أكثر من 7 أسابيع على الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيّد، وجملة الإخلالات القانونية والاعتداءات على الحقوق والحريات تحت غطاء "حالة الاستثناء ومقاومة الخطر الداهم".
وتواترت التحذيرات من الأحزاب والمنظمات ومختلف الفاعلين من خطورة المس بمكاسب الثورة والاعتداء على الحقوق والحريات التي ناضل من أجلها التونسيون وكرست في دستور 2014.
وتزايدت في الوقت نفسه الهواجس من انهيار الدولة بتصدع مؤسساتها بسبب الفراغ الحكومي وارتباك الوزارات وعطالة عدد من الإدارات، مقابل تواصل غموض خطة سعيّد للخروج من الوضع الاستثنائي وإعادة الحياة الطبيعية والاستقرار.
وما يزيد من مخاوف الأحزاب هو اقتصار قرارات الرئيس على الإعفاءات، مقابل تعيينات وقتية لتسيير بعض الوزارات عبر أكثر من 50 أمرا رئاسيا دون أن يقوم بملء المناصب الشاغرة في الحكومة التي تعيش شللا غير مسبوق.
وتعد الحكومة التي يرأسها سعيّد بنفسه منذ أكثر من شهر ونصف الشهر الأغرب على الإطلاق، وتنتظر تعيين حكومة جديدة. فبعد موجة الإقالات والإعفاءات التي دشنها الرئيس في 25 يوليو/ تموز حين أعلن عن إجراءاته الاستثنائية بإعفاء رئيسها هشام المشيشي، لم يبق سوى 9 وزراء فقط بحقائب و8 وزراء بالنيابة (منهم 4 بالنيابة مع وزاراتهم و5 مكلفون)، و4 وزارات بلا وزير (الدفاع، والعدل، والزراعة، والشباب والرياضة).
وأعفى سعيّد، اليوم الاثنين، كاتبة الدولة سهام العيادي، التي كانت مكلفة بوزارة الشباب والرياضة بالإنابة لتلتحق بركب المقالين.
وعلق أمين عام حزب "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي على ذلك على حسابه بـ"فيسبوك" قائلا "قد نتفهم الإعفاءات من عدد من المناصب، ولكن لا يمكن أن نتفهم أن الدولة التونسية تبقى بدون حكومة تسير شؤونها وتواجه أزماتها منذ أكثر من خمسين يوما وما زلنا ننتظر".
وفي السياق نفسه، أكد أمين عام التيار الذي كان من أبرز الأحزاب المعارضة الداعمين لبعض قرارات سعيّد، أنه "بعد أكثر من 7 أسابيع والبلد تمر بأزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية وصحية وهي تسير نحو الهاوية وإشكاليات الموازنة والمالية العمومية والرئيس ما زال يفكر ويجري (كاستينغ) لاختيار الشخصيات المناسبة".
وتساءل الشواشي عن "المسؤول عن إدارة الأزمة في غياب الحكومة"، مشيرا إلى أن "مسؤولية الحكومة القيام بالإصلاحات ومجابهة الأزمات وإدارة الشأن العام".
وعلق الشواشي على قرار منع ابنه وعدد من التونسيين من السفر بسبب الإجراءات الاحترازية تحت غطاء الحالة الاستثنائية قائلا: "إجراء المنع من السفر الذي بلغ العائلات والأبناء فيه كثير من التعسف ولن يعطي سوى صورة سيئة عن تونس"، معتبرا أن منع ابنه من السفر أو أي تونسي آخر، "لا يليق ولا يمكن أن يتواصل، ولن نصمت على مثل هذه الممارسات"، بحسب قوله.
وشدد الشواشي، في حديث صحافي آخر، على أن "أجيالا وراء أجيال ضحت حتى نتمتع بهذه الحقوق والحريات بفضل نضالات شعب بأكمله"، مؤكدا على أنه "لا يمكن أن نترك أي إنسان مهما علا شأنه أن يعتدي على هذه الحريات".
وفي السياق، تحدث الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي عن العطالة التي تعيشها البلاد في اجتماع نقابي بمحافظة نابل قائلا إن "كل فترة تتعطل فيها دواليب الدولة يكون النقابيون أكبر المتضررين لأن ملفاتهم متراكمة".
ووجه الطبوبي رسائل للرئيس ومختلف الفاعلين السياسيين قائلا "إذا اخترتم الخط الوطني وحافظتم على مسار الدولة المدنية الاجتماعية لن تجدوننا إلا جنودا في خدمة الوطن، أما إن حدتم عن هذا الخط فنحن متعودون على المعارك.. جاهزون لها ونخوض معارك مضامين لا معارك وهمية .. ومن يريد تجريب ضرب الاتحاد فليتفضل".
وتابع "كل سلطة ترغب في حكم البلاد نحن معها لكن لسنا حطب معارك لزيد أو عمر ولن نكون... ومن يريد أن يحكم تونس عليه أن يقرأ تاريخها جيدا وسيجد عنوانها الرئيسي هو الاتحاد التونسي للشغل، هذه الخيمة التي يؤمها اليمين واليسار ومختلف شرائح الشعب التونسي، ورغم الضغط والنقد سنواصل تحمل الأعباء والأمانة".