حذر نشطاء سياسيون ومحامون وهيئات وطنية من إمكانية تردّي الوضع الصحي للوزير السابق ونائب رئيس حركة "النهضة" نور الدين البحيري، المحتجز منذ أمس الجمعة، مؤكدين أنه يعاني من وضع صحي دقيق ولم يحصل على دوائه ويرفض الطعام، وأنّه في إقامة جبرية بمحافظة بنزرت شمالي تونس.
وقال العميد السابق للمحامين، عبد الرزاق الكيلاني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت، إنّ "البحيري تم اختطافه من أعوان تبيّن لاحقاً أنهم من الفرق الأمنية، وتم اقتياده إلى جهة بنزرت شمالي تونس، وقد تمكّن عميد المحامين من مقابلته وهو يرفض الحصول على الدواء والطعام، أو أن يزوره الطبيب"، مؤكداً أنّ "طلب البحيري الوحيد وضعه في الإقامة الجبرية في منزله، وتمكينه من القرار الذي تم على أساسه وضعه في الإقامة الجبرية".
وأوضح الكيلاني أنّ "البحيري يعاني من مشاكل صحية في القلب كما خضع مؤخراً لعملية جراحية في رأسه، ولديه أدوية يتعيّن عليه أخذها"، محذراً من أنّ "هناك خطراً على حياته".
وأسف لوجود "تعنّت في تقديم أي معطيات حول البحيري إذ حاولت زوجته سعيدة العكرمي وهي محامية لقاء وزير الداخلية أو أي مسؤول بالوزارة، ولكن تم التعلل بأنّ اليوم هو يوم عطلة"، مشيراً إلى أنّ "البحيري مختطف ولا توجد حالياً أي تهمة ضدّه، وهو ليس موقوفاً في السجن أو في ثكنة عسكرية، وإنما كأننا في سجون سرية يتم فيها وضع الناس ولا أحد يعرف مكانهم".
ونبّه إلى أنّ "هذه الوضعية خطيرة جداً ولم تعشها تونس حتى في أحلك فترات القمع وحتى في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي"، معبّراً عن "المخاوف من تدهور الوضع الصحي للبحيري وأن يكون مهدداً في حياته"، مضيفاً أنّ "سلطة الانقلاب تتحمّل المسؤولية القانونية".
وأردف الكيلاني أنّ "القرار يبدو أنه كان وفق الأمر 50 لسنة 1970 والذي يصدره وزير الداخلية، ومن المؤسف أنّ وزير الداخلية الحالي توفيق شرف الدين، هو محام ومن المفروض أنّ له دراية بالقانون وبالتالي أن يتصرف هكذا وخاصة أنّ البحيري محام، فكيف يرضى بخرق القانون؟".
وأكد أنّه "ستكون أمامنا الوسائل القانونية للطعن في القرار الذي تم بموجبه إيقاف البحيري"، مشدداً على "أننا كمحامين سندافع عن زميلنا بالوسائل القانونية والنضالية، فهو محام ونائب شعب لا يزال يتمتع بصفتيه وله الحصانة كمحام بحسب الفصل 46 من القانون وهناك إجراءات يجب اتباعها لإيقاف محام وإعلام الوكيل العام لمحكمة الاستئناف ليعطي الإذن لذلك، ولا يستنطق المحامي من قبل الأمن، وللأسف لم يتم احترام كل ذلك".
تواصل التعتيم على وضعية البحيري
وأفادت هيئة الدفاع عن نور الدين البحيري، المعتصمة في دار المحامي بالعاصمة تونس، اليوم السبت، بأنه في إطار استجلاء مصيره، لا سيما في غياب أي قناة للتواصل، وعدم مدّ الهيئة بأي معطيات، فقد انتقل فريق من المحامين برئاسة رئيس فرع تونس للمحامين محمد الهادي، صحبة زوجة البحيري، عضو مجلس الهيئة الوطنية للمحامين، إلى مقابلة وزير الداخلية أو القيادات الأمنية العليا الممسكة للملف، فكان الجواب بعد المراجعة أنه لا يمكن إجراء المقابلة.
وأضافت الهيئة، في بيان لها، أنه "تبعاً لذلك ورغم مزيد التأكيد على أنّ الوضعية الصحية للزميل تتطلب متابعة متواصلة، وأنه في تواصل التعتيم على وضعية البحيري، هناك خطر جدي على حياته، ورغم كل ذلك كان الجواب برفض المقابلة"، مشددة على أنها "تتمسك بحرية البحيري وبضرورة تمتيعه بكل الضمانات القانونية والحقوقية"، ومواصلة الاعتصام بدار المحامي في تونس.
ودعت الهيئة كل المحامين والمحاميات للالتحاق بالاعتصام دفاعاً عن حرية زميلهم البحيري، وإدانة الاعتداء غير المسبوق الذي طاول زوجته العكرمي.
من جهتها، قالت "الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب"، إنها "تلقّت، صباح أمس الجمعة، إشعارين يتعلّقان باحتجاز مواطنين اثنين من طرف جهة أمنيّة غير معلومة في مكان غير معلوم"، مؤكدة أنّ من "صلاحيّاتها زيارة كلّ أماكن الاحتجاز التي تخضع أو يمكن أن تخضع لولاية الدّولة التونسيّة وسيطرتها". وعبّرت عن استنكارها لممارسات "التعتيم والتعطيل" التي ما فتئت تتعرّض لها.
وأشارت، في بيان لها، إلى أنه من صلاحياتها زيارة أماكن الاحتجاز التي أقيمت بموافقة الدولة، والتي يمكن أن يوجد فيها أشخاص محرومون من حرّيتهم بموجب أمر صادر عن سلطة عموميّة أو بإيعاز منها أو بموافقتها أو سكوتها، تبعاً لما نصّ عليه القانون الأساسي عدد 43 لسنة 2013 والمتعلّق بالهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب.
تفعيل الحماية الدولية من الاختفاء القسري
وذكّرت الهيئة، في بيانها، بأنّ "القانون يخوّل لها في إطار ممارستها لمهامّها من الحصول على التسهيلات الإداريّة الممكنة والضروريّة، وعلى المعلومات المتعلّقة بأماكن الاحتجاز وعددها ومواقعها وعدد الأشخاص المحرومين من حرّيتهم إلى جانب المعلومات المتعلّقة بمعاملة الأشخاص المحرومين من حرّيتهم فضلاً عن ظروف احتجازهم والدّخول إلى جميع أماكن الاحتجاز ومنشآتها ومرافقها، وإجراء مقابلات خاصّة مع الأشخاص المحرومين من حرّيتهم أو أيّ شخص آخر يمكن أن يقدّم معلومات دون وجود شهود".
كما ذكّرت الهيئة بأنّ "تونس دولة طرف في الاتفاقيّة الدّوليّة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري".
وقال رئيس "الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب"، فتحي الجراي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الهيئة بادرت بمراسلة وزير الداخلية ورئيس الديوان وأرسلت مراسلة بالفاكس وأخرى مباشرة لتمكينها من معرفة مكان الاحتجاز وزيارة البحيري وفق ما يخوله لها القانون فهي جزء من مؤسسات الدولة ومثل أي وزارة"، مؤكداً أنها لم تظفر إلى حد الآن بأي إجابة.
وأضاف الجراي أنّ "الهيئة، وبنصّ القانون، تزور جميع الأماكن السالبة للحرية بما في ذلك أماكن الإقامة الجبرية للتأكد من احترام القانون والمعايير المنصوص عليها"، مضيفاً أنه "إذا تواصل التكتم على مكان احتجاز البحيري فسيصبح الأمر اختفاء قسرياً وتونس صادقت على الاتفاقية الدولية ضد الاختفاء القسري وسيصبح الأمر مشكلاً حقيقياً".
وبيّن أنه "خلاف لما يشاع أنّ مكان الإقامة الجبرية للبحيري في بنزرت، فإنّ الهيئة لم تتلق أي معلومات عن المكان، ومن المفروض الرد على الهيئة".