شهد توقيع تونس والاتحاد الأوروبي، أمس الأحد، مذكرة تفاهم حول الشراكة الاستراتيجية الشاملة بينهما، انتقادات واسعة في تونس، بسبب تفرّد حكومة قيس سعيّد بتوقيعها، دون أي مناقشة مع المكونات الأخرى، كما جرت العادة قبل انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، وعدم إشارتها إلى وضع الحريات والديمقراطية في تونس.
وتضمنت المذكرة بنوداً اقتصادية، ودعماً مالياً أوروبياً لتونس، فضلاً عن مبادئ تتعلّق بمكافحة الهجرة السرية في البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى اتفاقيات بشأن مقاومة عمل مهربي البشر والمتاجرين بهم، وتعزيز مراقبة الحدود، وتحسين إجراءات التسجيل والعودة، وكلّ التدابير الأساسية لتعزيز جهود وقف الهجرة غير النظامية.
وتضمنت المذكرة التي نُشرَت نسخة منها على الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية التونسية، بنوداً حول التعاون بين الطرفين على ترحيل المهاجرين غير النظاميين نحو بلدانهم الأصلية، مع احترام معاهدات حقوق الانسان، والحفاظ على كراماتهم.
وتحدثت المذكرة عن مشروع للتعاون من أجل تحفيز مسالك الهجرة النظامية، والعمل الموسمي بحسب احتياجات الدول الأوروبية.
تحديد أولويات أوروبي
وتعليقاً على الاتفاقية، أشار الناشط السياسي والنائب السابق، حاتم المليكي، إلى أن "هذه الاتفاقية خالية من أي بند سياسي، لأن ما يهمّ أوروبا اليوم مرحلة تحديد أولوياتها، وقد عبّر عن ذلك مسؤول السياسات الخارجية جوزيب بوريل منذ أشهر، عندما اعتبر أن انهيار تونس ستكون له تداعيات كبيرة على أوروبا واضطرابات، وتصبح تونس غير قادرة على حماية حدودها".
واعتبر المليكي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هناك تقسيم أدوار في هذا الخصوص، فقد سبق للاتحاد الأوروبي أن أثار مسألة الحريات والديمقراطية في تونس من قبل". وتابع: "أوروبا تتفاوض في ما يهمها ويخصها، وهذه المفاوضات يقودها اليمين المتطرف، وأولوياته معروفة، وهي ملف الهجرة، وطبعاً لا تهمّ اليمين المتطرف مسألة الحريات والحقوق في تونس".
وأضاف: "بالتالي، فإن آخر اهتمام رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وحزبها مسألة الحقوق والحريات، هما يريدان فقط ترحيل المهاجرين ومنع دخول القادمين إلى أوروبا".
وبيّن أن "توقيع اتفاقية مع أوروبا في هذا الوقت يخدم الصالح الأوروبي، الذي فهم أن التونسيين منشغلون حالياً بالبحث عن تحقيق انتصارات على بعضهم البعض، وبالتالي لن يكون لهم الوقت الكافي للتفكير والتفاوض، ومعلوم أن من بين أسباب الفشل الانشغال عن القضايا الأساسية". وتابع: "هذه الاتفاقية تأتي في وقت تعيش فيه تونس حالة ضعف وأزمة، كذلك فإن الرؤية غير واضحة".
ولفت إلى أن "تفاوض سعيّد بمفرده دون إشراك أي طرف، مرده الانشغال بتحقيق انتصارات داخلية".
قرار أحادي
من جهته، رأى المتحدث باسم الحزب الجمهوري، وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "زيارات الاتحاد الأوروبي لتونس والبحث عن شراكة، لا يمكن أن يكون الهدف منها خدمة مصالح تونس، وهذا ليس جديداً، بل هو متواصل منذ الحرب العالمية الثانية لغاية الآن، وكل الاتفاقيات خلفيتها خدمة مصالح هذه البلدان، وهذا مشروع طبعاً".
وأوضح المتحدث أن "الإشكال يكمن فينا وفي دولتنا، والسؤال: هل يتم التعامل بندية كما ترفعه الشعارات أم لا؟ أما عدم إثارة مسألة الحريات في المبادئ العامة للاتفاقية، فليس بغريب، لأن أوروبا تسعى لخدمة مصالحها وشعوبها، ولا يهمّ إن كانت هذه المسائل على حساب الشعوب الفقيرة ودول العالم الثالث".
ولفت إلى أن "هذه الاتفاقية قيل حولها الكثير، وهناك خيارات عديدة، ولكنها لا تتعدى كونها جملة من المبادئ العامة، ونحن ننتظر تدقيق هذه المبادئ العامة"، معتبراً أن "التفاصيل التي يُروَّج لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي يُفهم منها أن هناك بندين أساسيين، وهما إعادة التونسيين من المقيمين بشكل غير نظامي ودون وثائق من بلدان الاتحاد الأوروبي، وهناك أيضاً موضوع الأفارقة جنوب الصحراء في أوروبا، حيث يدور حديث حول إمكانية إعادتهم إلى تونس، ومن ثمة ترحيلهم إلى بلدانهم، وهذا إن حصل، فإنه يتناقض مع أن تونس ليست منصة ترحيل، أو أرض توطين أيضاً، وسنرى عندما تتوضح تفاصيل الاتفاقيات".
وبيّن أن "الاتفاقيات الاستراتيجية ستحتكم إليها تونس على مدى أجيال، وستحدّد مستقبل وتوجهات الدولة على مرّ عقود، ولكن توقيعها من قبل شخص واحد بعيداً عن المنظمات والجمعيات، قرار أحادي، ولا أظن أنه سيتم نقاشها ضمن البرلمان، لأن هذا يتناقض مع فلسفة قيس سعيّد، لأن هذه الهيئات مجرد صورة، واليوم لا نسمع أي كلمة من مجلس النواب، ويؤكد هذا أن هذه المؤسسات أصبحت صورية ويخضعها سعيّد لمزاجه، وكذلك الحكومة التي لا تأثير لها حتى في الخيارات الاستراتيجية، ولكن السؤال الأهم الذي يطرح على سعيّد اليوم: ماذا عن سردية الشعب يريد؟ فهل يريد الشعب فعلاً مثل هذه الاتفاقية وهل يرضى عنها؟".
من جهته، أكد الباحث في العلاقات الدولية بشير الجويني، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الظروف التي تحيط بهذه الاتفاقية دقيقة وصعبة على كلّ المستويات، من ناحية ما يحدث في هذه البلدان على حدة، وكذلك المشاكل المشتركة، سواء في بلدان المنشأ، أفريقيا جنوب الصحراء، وبلدان العبور، تونس، وليبيا، والجزائر، ومصر، ثم بلدان المقصد، أساساً إيطاليا وشمال المتوسط، حيث الوضع أيضاً دقيق في ما يتعلق بملف الهجرة".
ولفت إلى أن الاتفاقية تُبقي كل التأويلات ممكنة في ظل عدم وجود قراءة رسمية في التفاصيل، مشيراً إلى أنه "لم تتم مناقشتها في الفضاء التشريعي، ولا اطلع عليها المجتمع المدني، عكس ما كان حاصلاً خلال العشرية الماضية، من تسليط الضوء تحت مجهر كلّ الأطراف".
ولفت إلى أن "هذا ما سيؤثر في علاقات تونس المستقبلية، وتوجهاتها، وقد يكون سبباً لارتهان السياسة الخارجية التونسية".
وقال الجويني إنه "بالعودة إلى منطق الاتحاد الأوروبي، فهو ليس وحدة صماء أو كتلة واحدة، ولكن في السياسة والعلاقات الدولية، المصالح هي المحدّدة والتوازنات هي التي تحكم، وبالنسبة إلى الاتحاد الاوروبي قيس سعيّد هو القادر على تنفيذ ما التزم به، وعبر هذه الاتفاقية يرى البعض أنه تم ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، بينها قضية اتفاقية "الأليكا" التي تعطلت لعشر سنوات، وربما قضية التوطين أيضاً".