أكّد سياسيون تونسيون أن التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس قيس سعيّد الأحد، في حكومة كمال المدوري، والذي شمل جلّ الحقائب، باستثناء خمس منها، وهي الداخلية، والعدل، والمالية، والتجهيز، والصناعة، هو محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع، وكأن سعيّد شبه متيقّن من بقائه بعد الانتخابات، خاصة أن التعديل يأتي قبيل الانتخابات الرئاسية بأقل من شهرين.
ودافع قيس سعيّد عن قراره، قائلاً في خطاب أمام الوزراء الجدد المعيّنين، مساء أمس الأحد: "إنّ الذّين ينتقدون القيام بتحوير وزاري قبل أسابيع من الانتخابات لا يفرّقون بين الانتخابات، وبين السير العادي لدواليب الدّولة وأمنها القومي"، مشيراً إلى أن "دواليب الدولة تتعطّل كل يوم، والأمن القومي قبل أي اعتبار".
وتمسّك قيس سعيّد بخياره، قائلاً: "لو اقتضت المصلحة العليا للبلاد إجراء تحوير وزاري حتى بعد فتح مكاتب الاقتراع لما تمّ التردّد للحظة واحدة في ذلك". وانتقد بوضوح المسؤولين السابقين، مؤكداً أن "اختيار عدد من المسؤولين، جهوياً ومحلياً ومركزياً، كان بناءً على تعهدهم تحقيق أهداف الشعب التونسي ومطالبه المشروعة، لكن لم تمر سوى أيام بعد تكليفهم حتى انطلقت المنظومة من وراء الستار لتنجح في احتواء عدد غير قليل منهم والالتفاف عليهم، ما حوّل الوضع منذ مدة إلى صراع بين نظام دستوري جديد ومنظومة فاسدة، ما زال الفاعلون فيها يمنّون أنفسهم بالعودة إلى الوراء".
قيس سعيّد واثق من فوزه بالانتخابات؟
وفي تعليق على قرار سعيّد، قال رئيس حزب التكتل خليل الزاوية في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الدلالة لهذا التعديل الوزاري سياسية، وكأن قيس سعيّد متيقن من فوزه في الانتخابات الرئاسية"، مضيفاً "يبدو وكأن الانتخابات شكلية وأن الحكومة ستواصل عملها". وبيّن المتحدث أن "الحكومة هي حكومة تكنوقراط، وجل الذين تم اختيارهم من موظفي الدولة، ورئيس الحكومة المعيّن حديثاً كمال المدوري لم يقدّم أي تصريح ولم يقدّم أي برنامج"، متسائلاً: "ما الذي سيتغير بتغيير أسماء بأخرى؟". وبيّن المتحدث أن "هناك 5 وزارات لم يشملها التحوير، بعضهم عيّن حديثاً كالداخلية، وتقييم سعيّد أن هؤلاء ناجحون في مهامهم، لذلك سيواصلون عملهم"، مؤكداً أن "التغيير ليس في برنامج الحكومة، بل مواصلة للسياسات العامة وتغيير في الأشخاص".
وقال الزاوية: "السؤال الآن، إذا لم يؤدِ هؤلاء مهامهم كما ينبغي، فهناك مشكل، لأن تغيير أكثر من 20 وزيراً يعني أن التعيين منذ البداية لم يكن صائباً". بدوره، رأى القيادي في حركة النهضة محسن السوداني أن "التحوير من الناحية السياسية غير واضح وغير مفهوم"، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تغيير حكومة قبل شهر من الانتخابات الرئاسية "غير معقول، لأنه يفترض انتظار الانتخابات الرئاسية، وعلى ضوء ما ستفرزه وما ستفضي إليه من نتائج، يمكن الحديث عن تحوير وزاري".
ولفت السوداني إلى أن "إجراء تحوير قبل الانتخابات بحوالي شهر يطرح عدة تساؤلات، وهذا التحوير دليل على عدم الاستقرار ومن شأنه إرسال رسائل سلبية للمستثمرين وللشركاء وإلى كافة المتدخلين في الشأن السياسي، ودليل على أن المناخ غير مستقر، وسعيّد غيّر منذ أيام رئيس الحكومة، والتحوير الآن يكاد يكون شاملاً، ما يعطي انطباعاً أن الرئيس واثق من فوزه، والنتائج محسومة، والحكومة ستواصل مهامها". وأضاف أن "هذا التغيير لا يتوافق والسياق السياسي والزمن الانتخابي الغامض، والإبقاء على بعض الوزارات، ومن بينها وزيرة العدل (ليلى جفال) يثير الاستغراب والتساؤل حول أسباب تمسك قيس سعيّد بها رغم ما أثير من قضايا في ديوانها".
من جهتها، قالت القيادية في جبهة الخلاص الوطني، شيماء عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "توقيت التعديل الوزاري الذي يأتي قبل أسابيع قليلة من الانتخابات هو مواصلة للتفرد بالسلطة، وكأن قيس سعيّد يريد القول إن المستقبل بيده، ولكن هذه الخطوة تفتقر للأخلاق السياسية، لأنه يقترب من نهاية عهدته، ولا يمكنه أخلاقيا القيام بتحويرات، ولكن يبدو أن الرسالة للعموم هي أنه يفعل ما يريده وإلى آخر لحظة".
ولفتت عيسى إلى أن "الرئيس ومنذ 2019 يغيّر الحكومات والوزراء دون أي منطق ودون أسباب، إلا أنه لن يكسب الكثير من ذلك، هو ينتهج فقط سياسة الهروب للأمام، أما خطابه أمس وتحميل المسؤولية للوزراء فهذان هروب وبحث عن كبش فداء لأنه وفي أغلب خطاباته، يقرّ بأنه هو من يضع البرامج والسياسات، وبالتالي فأغلب من عيّنوا ليسوا وزراء، بل مجرد موظفين لدى رئيس الجمهورية". وشددت عيسى على أن "التاريخ سيذكر فشل الانقلاب إلى جانب الظلم والتعطيلات الحاصلة في الدولة والتي يتحمل مسؤوليتها وحده".
بدوره، اعتبر القيادي في حزب العمال، جيلاني الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الدلالة الأولى للتحوير الوزاري هي عدم استقرار منظومة الحكم، مضيفًا: "في الحكومة وزراء لم تمض على تعيينهم فترة ولكن يتم تغييرهم سريعا، كوزيرة التربية، وهذا يعني أن قيس سعيّد يواجه صعوبات ولا يجد الفريق الذي ينسجم مع توجهاته". واعتبر أن "منصب الوزارة أصبح عبارة عن خطة ظرفية وفي ذلك مسّ بقيمة واعتبار هذا المنصب". وفيما لفت إلى أن "التحوير الذي أجراه سعيّد دليل على بحثه عن فريق حكومي ينخرط أكثر مع ترشحه للرئاسة"، قال إن "سعيّد يتصرف في مؤسسات الدولة بشكل شخصي وفردي، ويتصرف بحسب مزاجه، وهو يبحث عن فريق يتحكم فيه كما يريد، خاصة خلال الانتخابات".
وأضاف: "الواضح من خلال اختيار الشخصيات أن سعيّد يركز على شخصيات من الإدارة، لأن الشخصيات السياسية التي انخرطت معه في 25 يوليو انسحبت، وهو يختار من الإدارة لأنها الوحيدة التي لم تشهد تغييرا منذ الثورة وتطبق التعليمات ولا تناقش، وهو ما يحتاجه سعيّد، وأغلب المعيّنين تكنوقراط وشخصيات غير معروفة". ولفت المتحدث إلى أن "هناك فوضى في الاختيارات، كإقالة كاتب دولة في 30 يونيو 2021 ثم تعيينه الآن وزيرا للخارجية (محمد علي النفطي)، وبالتالي هناك مزاجية وعبث في التعامل مع الحكومة". وحول تمسّك سعيّد ببعض الوزراء، مثل وزيرة العدل، ليلى جفال، رد الهمامي بأن "سعيّد في حاجة لها لأنه لا تزال لديه ملفات وربما لا يوجد من يقوم بهذه المهمة مثلها، فيما وزير الداخلية، خالد النوري، عُيّن حديثا وطبيعي أن يحافظ عليه حاليا".