- تواجه العملية انتقادات بسبب غياب الشفافية والوضوح في طريقة الانتخاب، مما يثير تساؤلات حول الديمقراطية الحقيقية وينذر بتنازع في الاختصاصات بين المجالس المحلية والوطنية.
- يحذر النقاد من أن تأسيس الغرفة الثانية قد يزيد من التباس المشهد السياسي ويخلق تناقضات، مع توقعات بدور محدود للغرفة في ظل هيمنة الرئيس، مما قد يعزز نموذجاً تسلطياً بدلاً من دعم الديمقراطية الحقيقية.
انطلقت، صباح اليوم الخميس، في تونس عملية انتخاب أعضاء المجلس الوطني للجهات والأقاليم، الغرفة التشريعية الثانية في برلمان تونس، كما نصّ عليها دستور 2022 الذي صاغه الرئيس التونسي قيس سعيّد بمفرده، وسط تحذيرات الخبراء من غموض الأدوار والصلاحيات وتداخل الوظائف بين المؤسسات.
وتلقّت هيئة الانتخابات التونسية 260 ترشّحاً، قُبِل 256 مطلباً منها، ورُفض 4 مطالب لعدم استيفاء الشروط المحددة، وستُعلَن النتائج الأولية اليوم، بينما تُعلَن النتائج النهائية في 1 إبريل/ نيسان القادم.
وينص الفصل الـ81 من الدستور على أنّ المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم يتكون من نوّاب منتخبين عن الجهات والأقاليم، وينتخب أعضاء كلّ مجلس جهويّ ثلاثة أعضاء من بينهم لتمثيل جهاتهم بالمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم (من 24 محافظة) يضاف إليهم خمسة عن الأقاليم، ليكون المجموع 77.
ضبابية في طريقة انتخاب الغرفة الثانية لـ برلمان تونس
واعتبر المدير التنفيذي لمرصد "شاهد لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية"، ناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "انتخاب الغرفة الثانية بطريقة غير مباشرة يطرح إشكالاً مقارنة بانتخابات الغرفة الأولى (أي مجلس نواب الشعب) التي جرت مباشرةً من قبل الناخبين المسجلين، فمجلس الجهات ينتخبه أعضاء الجهات، وأعضاء الأقاليم انتُخبوا بدورهم في الانتخابات المحلية".
وشدد الهرابي على أن "هذه الطريقة لا تكرّس الديمقراطية الحقيقية في تونس، ولا تُعَدّ تمثيلاً حقيقياً للجهات في اختيار الغرفة الثانية. فالأصل انتخابها مباشرةً من قبل المواطنين، على غرار البرلمان، حتى يتحقق التكافؤ بين الغرفتين"، مشيراً إلى أن "الأصل في الشيء أن تُطبَّق الصيغ والإجراءات نفسها بين الغرفتين، باعتبار أن دستور 2022 أعطاهم المرتبة نفسها".
وبيّن الهرابي "أن هناك فرقاً بين من يخوض حملة انتخابية وطنية لعضوية البرلمان، ومن يجد نفسه نائباً بحملة انتخابية محلية، وعلى المستوى التمثيلي والسند والمشروعية لا يمكن المقارنة بينهما". وأشار إلى أن "هناك ضبابية وعدم وضوح، فالناخب الذي انتخب عضواً في دائرة محلية قد يتفاجأ بوجوده في المجلس الوطني، في حين أنه لم يُنتخَب لذلك مباشرةً".
وشدد الهرابي على أنه "لا توجد نصوص أصلاً تنظم المجالس المحلية ولا العلاقة بين مجلس الجهات والأقاليم مع باقي السلطات والوظائف"، مبيناً أنه "تمّ انتخاب مجالس محلية وجهوية وأقاليم دون أي نص قانوني ينظم العلاقات والصلاحيات وحدود الصلاحيات، بينما المجلس الوطني للجهات والأقاليم يحتاج أيضاً إلى قانون داخلي ينظمه، وقانون ينظم علاقته بالغرفة الأولى".
وأفاد بأنّ "هناك خلطاً كبيراً يحتاج توضيحاً حول حدود هذه المجالس وعلاقتها بالسلطات اللامحورية ومجالس التنمية، التي كانت تحت إشراف المحافظ، ما قد يخلق تنازعاً في الاختصاصات والصلاحيات بين السلطات"، مبيناً أن "هذه الضبابية والغموض والخلط تنبئ باستقالات، كما حدث مع المجالس البلدية سابقاً مع غياب القوانين المنظمة".
التجربة الراهنة في تونس والنظم الديمقراطية
واعتبر رئيس "الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية" وأستاذ القانون الدستوري، شاكر الحوكي، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "من الواضح أن تنصيب الغرفة الثانية سيزيد من التباس المشهد السياسي في تونس وسيخلف تناقضات جديدة، لكن دورها سيبقى محدوداً في ظل هيمنة الرئيس وتبعية النواب كما الحكومة له، وسيتم استعمالهم فقط لتمرير مخططاته الفردية ورغباته الشخصية".
وبيّن الحوكي أن "الاعتماد على فكرة تمثيل الجهات يمكن أن تكون فكرة جيدة، إذا كانت تطمح إلى تمثيل شرائح اجتماعية جديدة في البرلمان، لكن النظام الانتخابي الذي جرى اعتماده وعملية التصعيد بالبرلمان من طريق القرعة، فضلاً عن تمثيليته الضعيفة بحكم تدني مستوى المشاركة الانتخابية والصلاحيات المحدودة والغامضة التي تعود إليهم، واستفراد رئيس الجمهورية بهندسة هذه الغرفة دون تشريك الفعاليات الحزبية والسياسية حولها، فضلاً عن تأسيسها على أنقاض عملية انقلابية بائسة، ستجعل من هذه التجربة تجربة فاشلة مقدماً".
وشدد الحوكي على "أن نموذج مجلس الجهات والأقاليم لا وجود له في التجارب الديمقراطية المقارنة"، مستدركاً بأنّ "الأَولى أن نقارن التجربة الراهنة في تونس بالأنظمة التسلطية والاستبدادية مثلها، وليس بالأنظمة الديمقراطية"، وتابع: "ومع ذلك فمن الصعب العثور على نظام استبدادي وتسلطي كالنظام التونسي الذي يصحّ فيه القول إنه فريد من نوعه، فمبدأ الفصل بين الوظائف الذي يقوم عليه دستور 2022 لا يمكن أن نجد له نظيراً في مجمل دساتير العالم".
وأفاد أستاذ القانون بأنّ "الحديث عن العلاقة بين السلطات يبدو خارج الموضوع، ذلك أن العلاقة أو الفصل بين السلطات في الأنظمة الدستورية السائدة القصد منه هو تأكيد استقلالية تلك السلطات بعضها عن بعض بحيث لا تتعدى سلطة على السلطة الأخرى، والأهم من ذلك حماية أمن المواطن وضمان حقوق وحرياته، أما والحال بات يتعلق بالوظائف، فهذا يعني أنه لم يعد ممكناً الحديث عن استقلاليتها. فكلها تعمل في خدمة سلطة الفرد الواحد، أي رئيس الجمهورية".
وينص الفصل الـ84 من الدستور على أنه "تعرض وجوباً على هذا المجلس المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والإقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم. ولا يمكن المصادقة على قانون المالية ومخططات التنمية إلا بالأغلبية المطلقة لكل من المجلسين. ويمارس مجلس الجهات والأقاليم صلاحيات الرقابة والمساءلة في مختلف المسائل المتعلقة بتنفيذ الميزانية ومخططات التنمية وينظم القانون العلاقات بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم".