تونس: المجلس الأعلى للقضاء يؤكد رفضه المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية

06 فبراير 2022
أكد المجلس رفض اتهامه بالتقصير ودعا إلى الكفّ عن مغالطة الرأي العام (فرانس برس)
+ الخط -

عبّر المجلس الأعلى للقضاء في تونس، اليوم الأحد، عن تمسّكه بـ"رفض المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية والإهدار المفاجئ والمسقط لكافة ضمانات استقلالية القضاء في تقويض واضح للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها".

وشدد المجلس، في بيان، على رفضه "المساس بالأمان الوظيفي للقضاة وإخضاع مساراتهم الوظيفية والتأديبية لوضع قانوني انتقالي مجهول العواقب وفاقد لكافة الضمانات تنفرد السلطة التنفيذية بصياغته وإدارته".

وأكد المجلس رفض اتهامه بالتقصير، فيما دعا إلى "الكفّ عن مغالطة الرأي العام بأنّ المجلس هو المكلف بالفصل في القضايا والمسؤول عن مآلها"، مشيراً إلى أنّه "وجه في عديد المناسبات بلاغات وإعلامات ومراسلات لوزارة العدل لإجراء الأبحاث، قصد التحري في الإخلالات المزعومة في عدد من القضايا التي تم تداولها لدى الرأي العام، ومنها قضايا الاغتيالات السياسية والملف القضائي المعروف بالجهاز السري وقضايا الفساد المالي، إلا أنه لم يتلق ردوداً من الوزارة في شأنها".

وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد أكد أنه سيصدر مرسوماً مؤقتاً يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء. وأضاف سعيّد، في فيديو نشرته الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية فجر اليوم الأحد، أنّ المجلس الأعلى للقضاء أصبح مجلساً تُباع فيه المناصب، مضيفاً: "وليعتبر هذا المجلس نفسه أنه أصبح في عداد الماضي من هذه اللحظة".

وأعلن المجلس "مواصلة تعهده بمهامه"، داعياً عموم القضاة إلى "التمسّك بمجلسهم باعتباره الضمانة الوحيدة التي تقيهم من خطر المساس باستقلاليتهم في أداء واجبهم وخطر تعريضهم للضغط، والتيقظ للدفاع عن وضعهم الدستوري".

ورفض المجلس "الهرسلة المتواصلة لرئيس وأعضاء المجلس والقضاة وما صاحبها من تجييش وتأليب وتحريض ضدهم"، محمّلاً رئيس الجمهورية والسلطة الأمنية المسؤولية عن إيقاف ذلك فوراً.

من جهتها، قالت الهيئة المديرة للجمعية التونسية للقضاة الشبان، تعليقاً على تصريحات الرئيس قيس سعيّد ضد المجلس الأعلى للقضاء، إنّ "رئيس الجمهورية قام بحلّ البرلمان والحكومة مستنداً إلى ما سماها الظروف الاستثنائية التي لا وجود لها في الأصل، وإلى تطبيق سيئ لأحكام الفصل 80 من الدستور، وهو لا يملك أي سند قانوني أو سلطة أو شرعية لحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من القضاة".

وحذرت الهيئة، في بيان، من أنّ "الوضع في غاية الخطورة، وأن رئيس الجمهورية يتجاوز إرادتهم والقوانين التي صادقوا عليها بواسطة نوابهم، ويقوم بحل كافة السلطات بإرادة منفردة، دون استفتائهم في الأمر، سعياً لتكريس نظام كلّي يجمع بمقتضاه السلطات السياسية والقضائية بين يديه".

ولفتت الهيئة إلى أنّ ما يقوم به رئيس الجمهورية "يعتبر مجهوداً معاكساً لقيم الجمهورية، وانقلاباً على الدستور وإرادة الشعب، وعملاً فوضوياً يندرج في إطار "الثورة المضادة" على القضاء لإعادته إلى ما كان عليه قبل الثورة".

وأكد البيان أنّ حل الرئيس المجلس الأعلى للقضاء "لا علاقة له بإصلاح القضاء؛ وإنما هو محاولة لإضعافه واستعماله والضغط على القضاة لتصفية خصومه السياسيين وكل من يقف أمامه من قضاة وإعلام وجمعيات وأحزاب".

رئاسة البرلمان: التحريض ضد مجلس القضاء يأتى فى سياق التفكيك المنهجي لمؤسسات الديمقراطية ودولة القانون عن طريق المس باستقلالية القضاء ووضع اليد عليه

كما أكدت الجمعية عزمها على تقديم شكوى إلى المقرر الخاص باستقلال القضاة والمحامين في أقرب الآجال، وتتضمن تشخيصاً دقيقاً لما آل إليه القضاء بعد إجراءات قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي، مع رصد كافة التجاوزات والانتهاكات المرتكبة منذ ذلك التاريخ إلى الآن؛ على غرار منع القضاة من السفر وكيل التهم لهم من دون إثبات وتشويههم والضغط عليهم وتوجيه قراراتهم تحت طائلة التهديد والوعيد.

ودعت القضاة إلى "التكاتف واتخاذ موقف موحد للوقوف ضد أكبر حملة تطهير وتصفية سياسية للقضاة، يعتزم رئيس الجمهورية تنفيذها إثر حل المجلس الأعلى للقضاء ورفع الحصانة عن القضاة، على غرار ما فعله مع أعضاء مجلس نواب الشعب".

كما دعت الجمعية المجلس الأعلى للقضاء إلى مواصلة أعماله بصفة عادية مع الدعوة لاجتماع عام يضم كافة القضاة والهياكل لاتخاذ مواقف موحدة، كما دعت كافة مكونات المجتمع المدني، وخصوصا المهن المتمتعة بعضوية في المجلس، إلى الوقوف صفا واحدا أمام محاولات الاستيلاء على السلطة القضائية وتركيعها.

وعبّرت الجمعية عن "سعيها إلى التنسيق التام مع بقية الهياكل القضائية بغية إصدار مواقف وتحركات مشتركة في الأيام القليلة القادمة "، فيما حذرت "بعض الذين يشرعون لحل المجلس الأعلى للقضاء، بأنّ ثمن الخيانة سيكون باهظاً".

رئاسة البرلمان التونسي: التحريض على القضاة غايته تفكيك المؤسسات الديمقراطية

من جهتها، أكدت رئاسة مجلس نواب الشعب التونسي أنها تتابع الإساءة المتواصلة منذ أشهر من قبل الرئيس قيس سعيّد بحق المجلس الأعلى للقضاء، وما صحب ذلك من تحريض متواتر على القضاة.

واعتبرت أنّ هذا التحريض "يأتي فى سياق التفكيك المنهجي لمؤسسات الديمقراطية ودولة القانون عن طريق المس باستقلالية القضاء ووضع اليد عليه وضرب أهم ضمانة لإقامة العدل"، وفق بيان صادر عن رئاسة مجلس النواب مساء اليوم الأحد.

واستنكرت "مواصلة الرئيس استهدافه للدستور الذي تبنى الفصل بين السلطات وأسس لاستقلال السلطة القضائية"، فيما عبرت عن "التضامن المطلق مع السلطة القضائية والدفاع عن استقلاليتها".

ورفض البيان "المسّ الأحادي بالمجلس الأعلى للقضاء"، مشدداً على أنّ "أي إصلاح لهذا المرفق له أسسه الدستورية وشروطه القانونية".

وأهابت رئاسة المجلس بالنواب إلى "الوقوف صفاً واحداً إلى جانب السلطة القضائية ودعمها فى الحفاظ على استقلاليتها"، كما دعت كافة المنظمات الوطنية والأحزاب والمجتمع المدني وكافة الشعب التونسي إلى الوقوف إلى جانب السلطة القضائية من أجل الدفاع عن دولة القانون والمؤسسات "التي هي شرط كل عدالة وحرية وكل نظام ديمقراطي".

ثلاثة أحزاب تؤكد رفض إعلان سعيّد عزمه حلّ المجلس الأعلى للقضاء

من جهتها، أصدرت أحزاب "التكتل الديمقراطي" من أجل العمل والحريات و"الجمهوري" و"التيار الديمقراطي" بياناً مشتركاً، أكدت فيه رفض إعلان الرئيس قيس سعيّد عزمه حل المجلس الأعلى للقضاء، فيما دعت كافة القضاة والأحزاب الديمقراطية والمنظمات المدنية للتصدي لهذه المحاولة الرامية لإخضاع القضاء لسلطة الانقلاب.

وأكدت الأحزاب "غياب أي آلية دستورية أو قانونية تجيز لقيس سعيّد حل المجلس كما يتوعد ويدعي"، معبرة عن استهجانها خطاب سعيّد وتحريض مناصريه على مؤسسات الدولة، فيما رأت أنّ الخطاب "استنساخ لممارسات ما يسمى لجان حماية الثورة".

كما أكدت "رفضها توظيف الرئيس ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد، كما استغل قبلها الاحتجاجات المشروعة للمواطنات والمواطنين لتنفيذ مشروعه الشخصي وتنفيذ حكمه الفردي".

وشددت الأحزاب الثلاثة على أنّ استقلال السلطة القضائية يبقى شرطاً أساسياً لتحقيق العدالة وضمان الديمقراطية وطمأنة المستثمرين ودعم جهود تمويل ميزانية الدولة، كما شددت على أنّ "الإصلاح الحقيقي للقضاء، الذي ما زالت الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية تطالب به، يكون بتحريره من مختلف الضغوطات والولاءات، لا بإخضاعه لسلطة الشخص الواحد".

وجددت تمسّكها بـ"كشف الحقيقة كاملة في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي دون تدخل سياسي ولا توظيف أو تباطؤ، باعتبار ذلك استحقاقاً وطنياً لا يمكن أن يخضع للمساومة".