منذ أيام، كتب رئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية والقانونية، أحد مؤسسي "مواطنون ضد الانقلاب" في تونس، شاكر الحوكي، نصاً مهماً عن المعتقل السياسي عصام الشابي، الأمين العام للحزب الجمهوري. الحوكي عنون نصه بـ"عصام الشابي، فرصتنا المهدورة"، وقال إن "الرجل تقريباً كان السياسي المخضرم الوحيد من خارج الدائرة النهضاوية والدائرة المرزوقية الذي قاوم الاستبداد النوفمبري، وشارك في معمعة الثورة، وانتصر للانتقال الديمقراطي، ودافع عن دستور 2014، ورفض الإقصاء والانقلاب".
وأضاف أنه "هو الوحيد تقريباً الذي كان بوسعه أن يكون محلّ إجماع مجمل الطبقة السياسية على الرغم من تناقضاتها، وذلك لما كان يحظى به من احترام من قبل الجميع، ولما يستبطنه في شخصه من نزعات سياسية متنوعة الموارد والمشارب تراوح باتّزان بين الوطنية والعروبة، وبين الحداثة والمحافظة، وتجمع بذكاء بين الحقوقية والوسطية".
والحقيقة أن ما قاله الحوكي يعبّر عن حجم الفرص المهدورة المتتالية والعمى السياسي الذي أصاب نخبة حاكمة بعد الثورة، انغمست في حسابات صغيرة وأوهام حكم جعلتها لا ترى من حولها شخصيات وطنية ديمقراطية حقيقية كان يمكنها أن تتحالف معها لتحمي الثورة والديمقراطية.
يذكر الجميع في تونس كيف اعترض كثيرون على شخصيات كانت مرشحة للمحكمة الدستورية، زمن التحالف بين "نداء تونس" و"النهضة"، وسقطت بسبب ذلك المحكمة الدستورية كلها، ويرى الجميع اليوم أنها هي من تقف اليوم بالصوت العالي دفاعاً عن دستور 2014 ودفاعاً عن الثورة والشرعية الدستورية.
وكم من شخصيات ظلمتها النخبة الحاكمة في السنوات التي سبقت الانقلاب، بسبب الحسابات الحزبية والأيديولوجية الضيقة، والثمن المدفوع اليوم باهظ وغالٍ، وهو ضياع التجربة، وعودة التسلّط والسجون والخوف والاعتقالات.
ولئن يعتقد المتفائلون أنها أخطاء مرحلة سيتم تجاوزها بمجرد عودة الديمقراطية، لا أحد يقول كيف ستعود، فإن الظاهر أنه ليس هناك استفادة كثيرة من تلك الأخطاء، حيث لا تزال إدارة الأزمة تتم بالأساليب نفسها والحسابات الشخصية ذاتها ونزوع التموقع الحزبي، بينما يضيع الوطن وتموت الديمقراطية التونسية تدريجياً، إلا في صدور الآملين أو المتوهمين. ولكن هذه البلاد هي أرض الفرص المهدورة بامتياز، حيث يضيّع شعب فرصة خروجه إلى النور نهائياً، ويعتقد بعضه أن الديكتاتورية يمكن أن توفّر خبزاً للجميع، على الرغم من أنه يرى بأم عينه أن الدقيق مفقود والماء مقطوع والحكومة لا تبالي.