تبدو الأزمة في تونس مفتوحة على كل الاحتمالات، يمكن أن تذهب إلى حوار سياسي هادئ بين الفرقاء، ويمكن كذلك أن تتعكر الأوضاع وتسوء بسرعة وتذهب إلى الشارع، خصوصاً في ظل هذا التوتر الاجتماعي المتصاعد بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
وعلى الرغم من أن المشهد يبدو واضحاً للجميع، ومآلاته كذلك، خصوصاً مع إصرار الرئيس قيس سعيّد على الذهاب في مشروعه إلى النهاية غير عابئ بأحد، فإن أغلبية الفاعلين السياسيين لا يزالون متسمّرين في حساباتهم الصغيرة، يمنّون النفس لغاية اليوم بأن يضرب الرئيس خصومهم ويستفردون بالمشهد.
الحزب الدستوري الحر، الذي تتزعمه عبير موسي، أخرج أنصاره أمس الأحد، في مسيرة احتجاجية وسط العاصمة تونس، للمطالبة بـ"روزنامة دقيقة ورسمية لإنهاء الفترة الاستثنائية عبر حلّ البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، مع تنقية المناخ الانتخابي لمنع تزوير إرادة الناخبين". وكان الحزب قد نبّه في بيان له من "خطورة التمطيط المتعمد في الفترة الاستثنائية، وتواصل الحكم المطلق لغاية تحقيق الرغبات والمشاريع السياسية الشخصية لرئيس سلطة الأمر الواقع، مقابل استفحال الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية".
هذا الكلام جميل، ولكنه متأخر جداً، لأن سعيّد لن يحل البرلمان الآن ولن يُجري الانتخابات التشريعية إلا كما قال في نهاية هذا العام وربما بعدها، ولكن هذا لن يحصل أبداً الآن. وهو في الأثناء منشغل بإنجاح استشارته الإلكترونية التي جعلها أساساً لمشروعه السياسي الذي اقترحه على المراقبين الدوليين، استشارة يتم على أساسها استفتاء، تليه تغييرات دستورية ثم انتخابات تتم أيضاً وفق القواعد الجديدة.
ولكن المرحلة الأولى (الاستشارة) فشلت شعبياً، على الرغم من كل النفخ الممكن فيها، وهو ما سيجعل كل المشروع قائماً على سند ضعيف، ولذلك يسابق سعيّد الزمن قبيل نهاية هذا الأسبوع حتى يرفع أرقام المشاركين بالاستشارة ما استطاع، ولن يكون أمامه من بد إلا البحث عن شرعية جديدة لمشروعه بعد التشكيك في الشرعية الشعبية.
وربما يكون الحوار حلاً من الحلول إذا نجح اتحاد الشغل في إقناع سعيّد بذلك، على الرغم من صعوبة هذا الأمر منطقياً، بالنظر إلى رفض الرئيس على مدى السنوات الماضية أي حوار، واقتناعه بأنه أصبح قريباً جداً من السيطرة على كل شيء، مستغلاً انشقاق معارضيه في كل المستويات، الأحزاب، الحقوقيون، المحامون والقضاة. كلهم مختلفون حول قراءة الوضع وحول حلول الخروج من الأزمة، لأن كلاً منهم يحسب حساباته الخاصة ويبنيها على أوهام الغنيمة التي سيكسبها، قبل أن يستفيق الجميع وقد ضاع كل شيء.