تونس... أوجه متعددة للنضال بوجه الانقلاب

17 يونيو 2022
شلّ إضراب اتحاد الشغل أمس مرافق الدولة كافة (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

تدخل تونس منعرجاً خطيراً في أزمتها السياسية، مع إصرار الرئيس قيس سعيّد على المضي في برنامجه الانقلابي بسرعة كبيرة، مقصياً كل القوى الحزبية والاجتماعية وغير عابئ بها، بينما تتصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.

وعاشت تونس يوم أمس الخميس إضراباً في القطاع العام دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل، وأحدث شللاً في المطارات والموانئ والقطارات والحافلات والبريد وكل الشركات الحكومية والإدارات. وأكد الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، في كلمة له أمس، نجاح الإضراب بنسبة مشاركة فاقت الـ96 في المائة.

ولم يكن الإضراب بدافع حماية العمال وقدرتهم الشرائية فقط، ولا متعلقا فقط بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي يرفض الاتحاد المصادقة عليها، بسبب إجحافها وتداعياتها السلبية المتوقعة على التونسيين، وإنما كان أيضاً بسبب خلاف جوهري مع الحكومة حول الحق النقابي الذي يمثل أحد أسس الديمقراطية. فقد منعت الحكومة من خلال ما يُعرف بالمرسوم رقم 20، التفاوض مع أي ممثل نقابي في الوزارات والشركات من دون الرجوع إلى رئاسة الحكومة، وهو ما اعتبره الاتحاد ضربة مباشرة للعمل النقابي وتحجيماً مقصوداً لدوره.

تحركات احتجاجية مختلفة في تونس

في موازاة ذلك، ينظّم القضاة التونسيون، غداً السبت، جلسة جديدة لتقييم إضرابهم المتواصل منذ الإثنين ما قبل الماضي، وبحث الخطوات المقبلة أمام صمت الحكومة وعدم تراجع الرئيس عن استهدافهم.

كما أعلنت "جبهة الخلاص" المعارضة عن تنظيم مسيرة احتجاجية جديدة وسط العاصمة، الأحد المقبل، "انتصاراً لقيم الحرية ودفاعاً عن المكتسبات الديمقراطية للشعب التونسي ودولته الوطنية من مخاطر التفكيك العبثي الذي تمارسه سلطة انقلاب 25 يوليو".

وأوضحت في بيان لها، الأربعاء الماضي، أن هذه المسيرة "تأتي رفضاً لمسرحية الحوار الذي تنظّمه السلطة وللاستفتاء المخادع الذي تنوي توظيفه لفرض إرادة الفرد على الإرادة الوطنية". وتنظّم المسيرة كذلك "نُصرة للقضاء المستقلّ ودعماً لاستقلاليّة المنظمات الوطنية ودفاعاً عن الحريات المُستباحة ورفضا للمحاكمات العسكرية للمدنيين ولاسيما منهم الصحافيّون والمحامون وأعضاء مجلس نواب الشعب"، وفق البيان.

تتواصل مسرحية الحوار الذي تغيب عنه الأحزاب والمنظمات المهمة

وفي الأثناء، تتواصل مسرحية الحوار الذي تغيب عنه الأحزاب والمنظمات المهمة، إذ لم تحضره إلا شخصيات ثانوية لا تأثير أو تمثيل مهماً لها، بينما يُفاجَأ التونسيون بمنسق هيئة الجمهورية الجديدة، الصادق بلعيد، يطل عليهم في كل مرة بمقترحات غريبة قد يتضمّنها الدستور الجديد.

من هذه المقترحات، هيئة حُكمية بدل الحكومة، ورئيس فوق كل الهيئات الدستورية والحزبية، ودستور اقتصادي في أغلب فصوله، واستبعاد الهيئات الدستورية من الدستور، بالإضافة إلى قضية الهوية وحذف الإسلام كمرجعية للدولة كما في الفصل الأول من الدستور السابق. هذه المقترحات تحدث عنها بلعيد في التلفزيون الرسمي مساء الإثنين، من دون أن يوضح إذا ما كانت هذه أفكاره الشخصية أم خلاصات لجنته التي رفض عمداء كليات القانون المشاركة فيها، أم هي أفكار سعيّد أصلاً.

محاولة للسيطرة على القضاء التونسي

ولكن الأخطر هو ما كشفته أزمة القضاة التونسيين، الذين خرجوا عن صمتهم وكشفوا خلفيات العزل الذي طاول أغلب القضاة من قائمة الـ57، إذ تبيّن أن السلطة تريد السيطرة على مفاصل القضاء لتصفية حسابات مع خصوم سياسيين، وهذا ما يُدخل البلاد في منعرج خطير للغاية.

وجاءت تصريحات أعضاء من هيئة الانتخابات التونسية، الأربعاء، بخصوص منع المقاطعين للاستفتاء من أي حق في النشاط، لتكشف نوايا تكميم الأفواه، واعتبار كل معارض للاستفتاء خارج دائرة الحق السياسي في التعبير عن موقفه، وهو منعرج خطير تدخله تونس قد يعصف بكل الحقوق التي منحتها الثورة للتونسيين.

المكي: سعيّد يريد وضع اليد على القضاء وزج كل معارضيه في السجن، ليؤسس لنظام دكتاتوري

ورأى القيادي في حراك "توانسة من أجل الديمقراطيّة"، وزير الصحة الأسبق، عبد اللطيف المكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المنعرج الذي دخلته تونس خطير، لأن قيس سعيّد يريد وضع اليد على القضاء وزج كل معارضيه في السجن، ليؤسس لنظام دكتاتوري قد يكون أبشع من نظام زين العابدين بن علي".

ولكن المكي اعتبر في المقابل أن "حجم المقاومة يكشف أن النضال المدني في تونس و10 سنوات من الحرية، أعطيا حداً معقولاً من المناعة للمنظومة الديمقراطية في تونس، وبالتالي نخوض الصراع ونحن متأكدون من الانتصار وأن الإرادة الديمقراطية ستنتصر".

ولفت إلى أن "الخروج من هذا المأزق لا يكون إلا بإسقاط الانقلاب، والعودة إلى الحياة الدستورية وإجراء حوار وطني يُنتج حكومة إنقاذ وطني، مع التركيز على المسائل الاقتصادية، وإسقاط كل ما انبثق عن الانقلاب من قرارات وقوانين".

وأشار المكي إلى أن" لجنة البندقية (اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون، وهي هيئة استشارية لمجلس أوروبا، تضم خبراء مستقلين في مجال القانون الدستوري وتختص بتقديم المشورة القانونية) وقبلها كبار رجال القانون في تونس، أكدوا أنه ليست هناك أي شروط قانونية وسياسية متوفرة لإجراء استفتاء في تونس، ومع ذلك فهو (سعيّد) ماضٍ إلى الأمام". واعتبر أن "الحل الآن يكمن في تصعيد النضال، والمعركة قد تقصر أو تطول، ولكن الأكيد أنه لا ينبغي التسامح مع الانقلاب لأن التسامح سيجعله يتكرر".

من جهته، اعتبر المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة، رياض الشعيبي أن "هذا الصمود وهذا الرفض من قبل القضاة إيجابي، أما محاولة الانتقام من القضاة وتدجين هذه السلطة فمرفوضة". وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "هناك تمسكاً باستقلال السلطة القضائية، وتصميماً على الدفاع عن المكاسب الديمقراطية واستقلال القضاة وحقوقهم القانونية والمدنية، لأن في ذلك دفاعاً عن الضمانات الدستورية والقانونية لكل مواطن".

واعتبر الشعيبي أن "السلطة تعيش أزمة، وإذا استمرت في هذه السياسة ستكون لها انعكاسات خطيرة على استقرار البلاد وعلى السلم الأهلي". وتابع أن "سعيّد بصدد اتخاذ خطوات انعزالية تكرس عزلته في الداخل والخارج"، مؤكداً أن "كل القوى انفضّت من حوله، القوى السياسية والاجتماعية والمدنية، وهو ما يؤثر على شرعيته وعلى قدرته على التقدم، وللأسف هذا ما يفسر الذهاب في مزيد الإجراءات التعسفية التي يعلن عليها تباعاً".

وأضاف أن "عزلة سعيّد دولية أيضاً، إذ توقفت خطوط التمويل، وهناك عقوبات صامتة على تونس من قبل المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما يفسر الموقف الدولي مما يحصل في تونس منذ 25 يوليو".

اقتصاد الناس
التحديثات الحية
المساهمون