مع اقتراب حرب السودان بين الجيش بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، من إتمام عامها الأول في 15 إبريل/ نيسان المقبل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أول من أمس الإثنين، تعيين مبعوث خاص للسودان، هو عضو مجلس النواب السابق عن الحزب الديمقراطي توم بيرييلو وذلك استجابة لضغط طويل مارسه أعضاء ديمقراطيون وجمهوريون في الكونغرس على إدارة الرئيس جو بايدن للقيام بهذه الخطوة، في وقت تتعالى أصوات حول العالم من تحول حرب السودان إلى "حرب منسية".
توم بيرييلو... مبعوث أميركي لإنهاء حرب السودان
ويُمكن القول إن تعيين بيرييلو، جاء في الوقت الضائع الأميركي انتخابياً، ويُكسب إدارة بايدن نقطةً لدى الجالية السودانية الأميركية، التي كانت أجرت لقاءات عدة مع نواب وأعضاء مجلس شيوخ أميركيين، للفت النظر إلى ارتدادات الحرب المستمرة في السودان، على المسار الديمقراطي الذي كان من الممكن أن ينتج بعد الثورة السودانية التي أطاحت نظام عمر البشير، لا سيما أن البرهان كان قد انقلب قبل ذلك على مخرجات هذه الثورة.
بيرييلو: سنبني على جهود الشركاء لوضع حدّ للحرب
لكن التعيين يبقى من وجهة نظر سياسية، غير مأمول منه كثيراً، في ظلّ تعامل إدارة بايدن بتناقض مع حرب السودان التي أزهقت حتى الآن أرواح أكثر من 13 ألف مدني، وأحدثت أزمة نزوح شديدة الخطورة، وتهدّد الاستقرار الهشّ في منطقة القرن الأفريقي، وسط اضطرابات عدة أيضاً في دول الجوار.
إذ بينما أدارت الولايات المتحدة وساطة مع السعودية لوقف الحرب (مباحثات جدّة)، تعاملت ببرودة مع المأساة الإنسانية في السودان، وبـ"حذر" مع فرض العقوبات على طرفي الحرب، وقادتهما الرئيسيين، علماً أنها اتهمت "الدعم السريع" بالمشاركة في حملة تطهير عرقي في غرب دارفور وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب، كما اتهمت الجيش السوداني بارتكاب جرائم حرب نتيجة ضرباته الجوية.
حتى إن تعيين بيرييلو كان من الممكن أن يحصل في وقت أبكر، بحسب ما تسرّب من معلومات صحافية (موقع "ديفيكس" في 2 فبراير/ شباط الحالي)، لو استجاب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لطلبات قدمها بيرييلو عندما عرض عليه المنصب العام الماضي، ومن بينها أن يقدم تقاريره إلى وزير الخارجية مباشرة.
وكان اللافت في مساهمة واشنطن بتحول السودان أكثر إلى "حرب منسية" ترسي اليوم وقائع ميدانية ومناطق نفوذ قد يصعب تخطيها لاحقاً، أن الحرب جاءت في وقت كانت فيه واشنطن تحت إدارة بايدن مهتمة باستكمال مشاريع التطبيع مع إسرائيل في المنطقة، بينما عاد خطر تقسيم السودان إلى الواجهة مع الحرب.
وأعلنت الولايات المتحدة، الإثنين، أنها ستعين النائب السابق في الكونغرس توم بيرييلو مبعوثاً خاصاً جديداً للسودان، وذلك في إطار مساعيها لإنهاء الحرب التي دمّرت أجزاء من البلاد وأودت بحياة عشرات الآلاف، بحسب بيان للخارجية الأميركية.
وقال بلينكن في البيان، إن الدبلوماسي وعضو الكونغرس السابق بيرييلو سيتولى دور المبعوث الخاص للسودان، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى زيادة التركيز على الصراع بعد فشل المحادثات في حلّه حتى الآن. وأوضح أن السفير الأميركي لدى السودان جون غودفري غادر منصبه بعد انتهاء ولايته، علماً أن غودفري كان أول سفير أميركي للسودان منذ أكثر من ربع قرن.
تعيين بيرييلو يُكسب بايدن نقطةً لدى الجالية السودانية
وأشار بلينكن إلى أن الدبلوماسي دانيال روبنستين، سيعمل مؤقتاً قائماً بالأعمال كمدير لمكتب شؤون السودان، وسيكون مقره في إثيوبيا. وكان روبنستين ترأس في الآونة الأخيرة الوفد الأميركي في محادثات السودان التي عقدت في مدينة جدة، والتي لم يف أي من طرفي الحرب في السودان بالالتزامات التي تعهد بها خلالها.
من جهته، قال بيرييلو، في بيان، إنه سيبني على جهود الشركاء في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط لوضع حدّ للحرب السودانية، والأزمة الإنسانية والأعمال الوحشية التي أفرزتها. وأضاف: "يعكس هذا التعيين مدى الإلحاح والأهمية التي أولاها الرئيس (الأميركي جو) بايدن والوزير بلينكن لإنهاء هذه الحرب ووضع حدّ للكثير من الأعمال الوحشية بحق المدنيين والحيلولة دون تحول الوضع الإنساني المروع بالفعل إلى مجاعة كارثية".
من الكونغو الديمقراطية إلى السودان
ودمّر القتال بين الجيش السودان وقوات "الدعم" منذ إبريل الماضي، أنحاء واسعة من السودان، منها العاصمة الخرطوم، وأودى بحياة أكثر من 13 ألف مدني، فضلاً عن إصابة أكثر من 26 ألف آخرين، بحسب أرقام الأمم المتحدة في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي. وبحسب مكتب المنظمة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن حوالي 7.6 مليون شخص اضطروا للنزوح داخل وخارج السودان منذ اندلاع القتال، كما تمّ تسجيل أكثر من 9 آلاف حالة يشتبه بإصابتها بالكوليرا، بما فيها 269 حالة وفاة بسبب الوباء.
ولبيرييلو، المولود عام 1974 في ولاية فيرجينيا، ودرس المحاماة، تاريخ سابق في العمل الدبلوماسي، إذ عيّنه الرئيس الأسبق باراك أوباما، في عام 2015، بمنصب المبعوث الخاص لمنطقة البحيرات العظمى في أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية (عمل بالمنصب عاماً واحداً فقط)، حيث كان المبعوث الأميركي لمنطقة شملت الكونغو الديمقراطية وبوروندي ورواندا، وساهم عمله في إنتاج اتفاق لأول انتقال سلمي للسلطة في الكونغو الديمقراطية عام 2016.
كما كان وزير خارجية أوباما الأول، جون كيري، اختار بيرييلو، لقيادة ما يسمى بـ"تطوير المراجعة الربعية للدبلوماسية والتنمية" التابعة لوزارة الخارجية، وهي عملية تخطيط استراتيجية، تجري كل 4 سنوات، لصالح الخارجية الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية "(يو أس إيد). وأصدر البرنامج بقيادة بيرييلو وثيقة بعنوان "القيادة المستدامة لعالم ديناميكي"، ركّز فيها على 4 أولويات استراتيجية للدبلوماسية الأميركية والمساعدات الخارجية، وهي: منع الصراعات والتطرف العنفي، الترويج للمجتمعات الديمقراطية، الترويج للنمو الاقتصادي الشامل، والتخفيف من تأثيرات التغير المناخي. كما شغل منصب المدير التنفيذي لمؤسسة "المجتمع المفتوح" التي يرأسها الملياردير جورج سوروس.
وكان أبرز الداعين لتعيين مبعوث جديد للسودان السيناتوران الديمقراطيان في الكونغرس مارك وارنر وتيم كين، اللذان وجّها تحية أول من أمس لاختيار بلينكن، مذكرين في بيان، بالأزمة الإنسانية الهائلة التي نتجت عن هذه الحرب.