جاء قرار الإدارة الأميركية بإنهاء مهمة قوات بلادها في أفغانستان بحلول سبتمبر/أيلول المقبل، بعد أن بات على الولايات المتحدة التركيز على التحديات الحالية بدلاً من شن حرب مع "طالبان"، ليدفع الدول الأخرى المشاركة ضمن قوات "الناتو"، ومن بينها ألمانيا، ثاني أكبر مزود لقوات عمليات الحلف بعد القوات الأميركية، للعمل على إنهاء انتشار جنودها على الأراضي الأفغانية، وذلك بعدما كانت مددت أخيراً تفويض مهمة البوندسفير في أفغانستان حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2022.
وفي السياق، كتبت صحيفة "بيلد"، اليوم الخميس، أنه وبحسب وزيرة الدفاع الألمانية، ووفقاً لخطط الحكومة الفيدرالية، يمكن سحب القوات المسلحة الألمانية، وعديدها 1100 جندي، بحلول منتصف أغسطس/آب المقبل. وأشارت الصحيفة إلى أن المستشارة أنغيلا ميركل والرئيس الأميركي جو بايدن، اتفقا، باتصال هاتفي، على التنسيق الوثيق بشان الانسحاب المرتقب لقوات بلديهما من أفغانستان. وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفان زايبرت، إن المسؤولين شددا أيضا على رغبتهما في مواصلة التزامهما السياسي تجاه الدولة التي عاشت عقودًا من الحرب. فيما أوردت وكالة الأنباء الألمانية، نقلا عن رئيس رابطة البوندسفير أندريه فوستنر، أن القرار "منطقي وذو أهمية تاريخية، إنه يمثل نهاية المهمة الأكثر أهمية، وفي الوقت نفسه، الأكثر خسارة في صفوف الجيش الألماني".
ومن المعلوم أن القوات المسلحة الألمانية في أفغانستان تكبدت أكبر خسائر بعد الحرب العالمية الثانية، إذ قتل 59 جنديا ألمانيا، بينهم 35 في المعارك أو خلال الهجمات، عدا عن أن المهمة تعد ثاني أطول انتشار أجنبي للقوات المسلحة الألمانية بعد مهمة كوسوفو التي بدأت عام 1999.
وعلى ضوء مشاورات وزراء الدفاع والخارجية التي انعقدت أمس الأربعاء في بروكسل، فمن المقرر أن يبدأ الانسحاب في الأول من مايو/أيار المقبل و بطريقة منظمة ومنسقة ومدروسة لضمان أمن الجنود والانتهاء منه بحلول ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية.
وأعرب سياسيون ألمان عن مخاوفهم على الوضع المستقبلي لأفغاتستان، بعد اكتمال انسحاب جميع القوات من البلاد بعد ما يقارب عقدين من وجود قوات "الناتو" ومعها البوندسفير، والاستغراب من التسرع بخيار الانسحاب، بعدما لم يعد يرتكز القرار الألماني على طبيعة الوضع المتوتر على الأرض هناك -والذي مددت على أساسه مهمة الجيش في أفغانستان- بحجة أن القوات الألمانية ستكون مهددة بالغرق بالفوضى والحرب الأهلية إذا لم يتم الانسحاب قبل أوانه.
وفي هذا الإطار، حذرت السياسية عن الليبرالي الحر ماري أغنيس شتارك تسيمرمان، في مقابلة مع "إيه آر دي" الإخبارية، من أن "الانسحاب سيكون مدمّرا إذا عادت أفغانستان إلى ظروف القرون الوسطى في نطام ما بعد الحرب". من جهتها، قالت المتحدثة باسم السياسة الدفاعية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي سيمتجي مولر، إن "هناك أسئلة كثيرة تبقى مطروحة، بينها كيف ستتصرف "طالبان"، وبخاصة أن قوات مدنية ألمانية، من دبلوماسيين وموظفين، ومستشارين وأفراد من منظمات التنمية، سيبقون في البلاد بعد 11 سبتمبر المقبل"، وعبّرت قائلة: "هذا يقلقني : كيف نحميهم، كيف نضمن الحماية في حال تدهور الوضع الأمني؟"، فيما تساءل السياسي عن حزب الخضر توبياس ليندنز عما سيحدث لأولئك الأفغان الذين عملوا كمترجمين مع البوندسفير لسنوات عديدة.
كل ذلك وسط الانتظار للنتائج التي ستترتب على القرار في ما يخص مفاوضات السلام الجارية بين الحكومة و"طالبان"، والترقب من خطر استيلاء طالبان على السلطة تحت تهديد السلاح بعد وقت قصير من الانسحاب، وتهديد الديمقراطية الفتية في أفغانستان، عدا عن التقدم في ما خص حقوق المراة أو حرية الإعلام، مع العلم أن المانيا كانت قد دعت أخيرا إلى جعل نهاية مهمة أفغانستان تعتمد على نجاح مفاوضات السلام.
وكانت وزيرة الدفاع الألمانية كرامب كارنبور أعلنت، أمس، وقبل مؤتمر "الناتو"، في حديث ضمن المجلة الصباحية لشبكة "إيه آر دي" الإخبارية، أنها تؤيد الانسحاب المنظم، موضحة أن انسحاب الجنود الأميركيين سيعني انسحاب القوات المسلحة الألمانية من أفغانستان. أما وزير الخارجية هايكو ماس، فأكد في بيان صحافي أن الدعم المدني لأفغانستان سيستمر لفترة ما بعد الانسحاب، وأن بلاده تنفق سنويا ما قيمته نصف مليار يورو لإعادة الإعمار هناك، مؤكدًا على أن مفاوضات السلام في قطر ستحقق نتائج مثمرة.