توالي الضربات الأردنية على مهربي المخدرات جنوبي سورية: عمّان يئست من دمشق

10 يناير 2024
من دورية للجيش الأردني على الحدود، 2022 (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

للمرة الثالثة، يضرب طيران يُعتقد أنه أردني مواقع وأهدافاً في الجنوب السوري، تتعلق بمتهمين بتجارة وتهريب المخدرات من الداخل السوري إلى الأراضي الأردنية، في مؤشر واضح على أن عمّان لن توقف عملياتها العسكرية على الحدود قبل القضاء على خطر يتهدد أمنها الوطني.

غارات أردنية على السويداء

وقتل وجرح عدد من الأشخاص، من بينهم متهمون بتهريب المخدرات إلى الأردن، في ضربات جوية وجهت ليل الاثنين- الثلاثاء، على قرى وبلدات في محافظة السويداء، جنوبي سورية، حيث قالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن الضربات التي يعتقد أن الطيران الأردني شنّها، استهدفت مواقع في قرية الشعاب، وبلدتي ملح وعرمان، جنوب محافظة السويداء وشرقها.

وأشارت مصادر في بلدة ملح إلى أن المدعو عصام خير، وهو أحد المتهمين بتجارة وتهريب المخدرات إلى الأردن، أصيب في ضربة استهدفت مزرعته، وتوفي بعد إسعافه إلى المستشفى. ونشرت شبكات إخبارية محلية صوراً لآثار الدمار في المزرعة في محيط بلدة ملح جنوب شرق السويداء، نتيجة الغارة الجوية الأردنية.

عبد السلام عبد الرزاق: ما يضبط لا يشكل 10 في المائة من مجمل ما يتم تهريبه

أما في قرية الشعاب، جنوب شرقي السويداء، فقد قتل عطالله الرمثان، وهو أيضاً أحد الذين توجه إليهم تهم قيادة مجموعات لتهريب المخدرات إلى الأردن، في ضربة استهدفت منزله. وقالت شبكة "السويداء 24"، وهي منصة إعلامية محلية، إن زوجته مرضية راشد الرمثان، قتلت معه في الضربة.

وأشارت مصادر محلية في بلدة عرمان، إلى أن الطيران الحربي الأردني قصف مزرعة المدعو فارس صيموعة، أحد كبار المتهمين بتهريب المخدرات إلى الأردن، موضحة أن القصف استهدف حظيرة حيوانات قرب منزل صيموعة، ولم يتسبب بمقتل أو إصابة أحد، فصيموعة غادر مع عائلته المنزل قبل وقوع الضربة بفترة قصيرة.

ويعد صيموعة من تجار المخدرات البارزين، وكان أحد شركاء مرعي الرمثان، الذي قُتل العام الماضي في قصف جوي أردني استهدف منزله في قرية الشعاب، وفق "السويداء 24".

وتعد هذه الضربة هي الثالثة لما يُعتقد أنه طيران أردني، التي تستهدف ما يشتبه في أنها مستودعات ومخابئ لمهربي مخدرات مرتبطين بإيران والنظام السوري. ونقلت وكالة "رويترز"، الخميس الماضي، عن مصادر استخبارية أردنية وإقليمية، أن المقاتلات الأردنية قصفت منزلاً يشتبه في أنه لتاجر مخدرات كبير في قرية الشعاب، بينما أصابت الضربة الأخرى مستودعات بالقرب من قرية الغارية (يذكر أن عشيرة الرمثان في المنطقة أصدرت بياناً الأحد الماضي استنكر الضربات الجوية الأردنية، ونفت العشيرة وجود مليشيات مرتبطة بالخارج ضمن العشيرة).

وكان الأردن شنّ في مايو/أيار الماضي ضربات جوية على جنوب سورية، استهدفت مصنعاً للمخدرات مرتبطاً بإيران وقتلت مهرباً (مرعي الرمثان) يُزعم أنه كان وراء عمليات شحن كبيرة عبر حدود البلدين. وأثارت هذه الغارة يومها الكثير من الانتقادات، ولا سيما أنها أفضت إلى مقتل الرمثان، المتهم بتهريب المخدرات، وعائلته المكونة من زوجته وأطفاله الستة.

حرب المخدرات... انتهاء التعويل على النظام السوري

يقلّل المحلل العسكري النقيب عبد السلام عبد الرزاق، في حديث إلى "العربي الجديد"، من أهمية الضربات الجوية في الحد من عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن، مضيفاً أن الطيران الأردني يستهدف مهربين، هم عبارة عن موظفين لدى نظام الأسد ومليشيات إيران التي تعتمد في تمويلها على تجارة المخدرات. ويعرب عبد الرزاق عن اعتقاده بأنه "لا يمكن الحد من هذه التجارة إلا بتعاون الدول المتجاورة"، مضيفاً في هذا الصدد أن "عمليات التهريب يقف خلفها النظام السوري، وبإشراف وتنفيذ مليشيات عسكرية مدربة ومسلحة".

ويوضح المحلّل العسكري أن ما يضبط من المخدرات المهربة لا يشكل 10 في المائة من مجمل ما يتم تهريبه. ويرى أن القضاء على تجارة وتهريب المخدرات يحتاج لقوات برّية وأنظمة إنذار وتعاون وثيق على طرفي الحدود، وهذا ما لن يحصل على حدود الأردن مع نظام الأسد، بحسب قوله.

من جهته، يرى الصحافي نورس عزيز، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن توالي الضربات الجوية والقضاء على بعض رؤوس التهريب وتدمير مستودعات "يؤدي بالتأكيد إلى خوف المهربين وأفراد العصابات وربما تخف عمليات التهريب". ويضيف: "نحتاج إلى أرقام لما قبل الضربات وبعدها حتى نعرف بدقة مدى نجاعتها في الحد من التهريب إلى الأردن".

محمد سالم: نشاط عصابات التهريب ازداد وتطور بشكل ممنهج وبات يجري وفق طرق احترافية

ويدل تسارع الضربات وتتابعها على أن عمّان حسمت قرارها لجهة القضاء على تهريب المخدرات إلى أراضيها من الداخل السوري لأن "الجماعات المهربة للمخدرات تستهدف أمن الأردن"، وفق وزير الاتصال الحكومي والمتحدث باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين.

وكانت قوات حرس الحدود الأردنية خاضت الأسبوع الماضي اشتباكات مع مجموعات مسلّحة كبيرة من المهربين على الحدود الشمالية للمملكة، ما أدى إلى مقتل وإلقاء القبض على عدد من أفراد هذه المجموعات وضبط 627 ألف حبة كبتاغون و3439 كف حشيش، وسلاح ناري من نوع كلاشنيكوف، وفق الجيش الأردني.

وانتعشت تجارة وتهريب المخدرات من سورية إلى الأردن بدءاً من عام 2018 بعد اتفاقات تسوية بين النظام وفصائل المعارضة أفضت إلى سيطرة قوات هذا النظام على محافظة درعا. وارتفعت وتيرة عمليات التهريب خلال العام الماضي إلى الحد الذي دفع فيه الجيش الأردني للتدخل، وخصوصاً أن المهربين طوروا أساليب تنفيذ هذه العمليات من خلال استخدام الطيران المسيّر، وهو ما يؤكد صلة المليشيات الإيرانية المنتشرة بالجنوب السوري بمهربي المخدرات.

كما تعني الضربات الأردنية أن عمّان فقدت الآمال بتعاون أمني وعسكري من قبل النظام السوري، رغم أن الأردن كان المبادر للتطبيع مع هذا النظام وفتح البوابة العربية مجدداً أمامه.

وفي هذا الصدد، يرى الباحث السياسي محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تتابع الضربات الجوية الأردنية يؤكد أن "نشاط عصابات التهريب ازداد وتطور بشكل ممنهج وبات يجري وفق طرق احترافية". ويضيف أن "هذه الضربات تدل على أن الأردنيين يئسوا من مدّ غصن الزيتون للنظام السوري ليساعدهم وعلموا أن عليهم حل مشاكلهم بأنفسهم".

وكان الأردن قاد تقارباً عربياً مع نظام دمشق عقب الزلزال الذي ضرب الشمال السوري في فبراير/شباط 2023، أفضى إلى عودة هذا النظام إلى جامعة الدول العربية بعد تجميد عضويته لأكثر من عقد.

واشترطت الدول العربية إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق، ووضع حدّ لتهريب المخدرات إلى الأردن، مقابل تخفيف العزلة عن نظام الأسد والتطبيع معه. لكن الضربات الأردنية تؤكد أن النظام لم يتعاون في ملف تهريب المخدرات التي تدر عليه أموالاً طائلة، قدر "معهد نيولاينز" للأبحاث في العام 2021 قيمتها بحوالي 5.7 مليارات دولار.

المساهمون