تواصل العنف في كولومبيا وسط دعوات دولية للتحقيق والتدخل

31 مايو 2021
قتل نحو 63 محتجاً خلال شهر من الاحتجاجات وجرح نحو 2300 ( Getty)
+ الخط -

تتواصل الاحتجاجات الشعبية في كولومبيا المستمرة منذ أواخر إبريل/نيسان الماضي. وتوسع نطاقها منذ الجمعة الماضية، بعد أن باتت تحصد المزيد من الأرواح. فقد شهدت كالي، التي يقطنها نحو مليون نسمة، مواجهات ضارية في الشارع، السبت والأحد الماضيين، مخلفة 4 قتلى من المحتجين وعشرات الجرحى.

وكان رئيس البلاد المحافظ إيفان دوكي، والمدعوم من جناح سياسي يميني ومن قيادة الجيش، نفذ تهديده السابق بإنزال الجيش إلى الشوارع في كالي بحجة مساعدة الشرطة، ما فاقم الوضع الميداني وأثار تذمرا شعبيا واسعا. 
واندلعت الاحتجاجات في 28 إبريل/نيسان ضد الإصلاح الضريبي الذي تم إلغاؤه الآن. وتطورت الاحتجاجات ضد غياب المساواة والعدالة الاجتماعية ونقص الفرص للشباب وضد عنف الشرطة الكولومبية. 

وتبرر سلطات بوغوتا الزج بالجيش في مواجهة الاحتجاجات الشعبية بأن "مدنيين يطلقون النار في كالي على الشرطة"، بحسب البيانات الرسمية خلال الأيام الماضية. وشهدت الاحتجاجات منذ الجمعة الماضي عنفا ملحوظا في تعامل الجيش والأمن مع محتجي كالي، مع تزايد عدد القتلى فيها إلى نحو 16 قتيلا، وفق مصادر المحتجين. 

واستدعى تدخل الجيش واتساع نطاق الاحتجاجات تدخلا أمميا، عبرت عنه المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة ميشيل باشليت (شغلت سابقا منصب رئاسة تشيلي، وتعرف تأثير قمع الحراك الشعبي المماثل لما جرى في سنتياغو خلال العامين الماضيين).
  
وذكرت باشليت، أمس الأحد، أنها قلقة بشكل عميق من العنف الجاري، وسط تنديد حقوقي دولي بتصدي الجيش العنيف للمتظاهرين المدنيين. وخرجت شهادات من ثالث أكبر المدن الكولومبية، أمس، تفيد بأن إطلاق النار أصبح عشوائيا ويستهدف حتى الصحافيين، ويشارك إلى جانب الجيش في قمع المتظاهرين "رجال يرتدون ملابس مدنية يستهدفون الجميع بالرصاص، محاولين التركيز على من يوثق عنف الجيش من صحافيين ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي". 
ويبدو أن انفلات العنف بعد الزج بالجيش في الشارع بات يقلق الأمم المتحدة، وخصوصا مع تسجيل حالة واحدة على الأقل قَتل فيها المتظاهرون ضربا رجل أمن كان يطلق النار على حشد من المواطنين.
 
وحثت باشليت على وقف جميع أشكال العنف، بما في ذلك التخريب، والدخول في حوار وتواصل بين الأطراف جميعها، مع ضمان احترام حياة وكرامة جميع الناس. وسجلت كالي وحدها إصابة العشرات بإطلاق نار عشوائي شاركت فيه مجموعات مدنية مؤيدة للرئيس اليميني المحافظ دوكي، الذي أوحى قبل أسبوعين أنه ستجرى مفاوضات مع المحتجين حول مطالبهم، بينما كان يتجهز للدفع بنحو 7 آلاف جندي إلى كالي وحدها، وهو ما فجر الموقف بعد شعور الحركة الاحتجاجية أنها خدعت من قبل دوكي. 

وسجلت منظمة "هيومان رايتس ووتش" مقتل نحو 63 محتجا خلال شهر من الاحتجاجات، بينما تفيد أرقام محلية في كولومبيا بجرح نحو 2300 محتج بالرصاص الحي.
 

واعترف وزير العدل فرانسيسكو باربوسا، مساء الجمعة الماضي، أن أحد موظفي وزارته قتل بالرصاص متظاهرين اثنين، وقام بعد ذلك بالانتحار. 

وامتدت الاحتجاجات الشعبية الكولومبية على سوء الأوضاع الاقتصادية، واتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء، مع زيادة كبيرة في العاطلين من العمل في فئات الشباب، لتصل إلى ضواحي بوغوتا. ورغم أن الاحتجاجات في معظمها سلمية الطابع، خصوصا في  ضاحية "كونديناماركا مدريد"، فقد لوحظ الرد العنيف بالرصاص الحي لقوى الأمن والجيش، في محاولة لتنفيذ سياسة الرئيس إيفان دوكي في قمع حركة الشارع، بدعم من طبقة سياسية ورأسمالية محلية تخشى على مصالحها من تخلخل وسقوط  نظام الحكم. 

ويسوق دوكي وعسكر الحكم في الكواليس، على طريقة أنظمة تسلطية عالمثالثية، تهمة "المؤامرة والعمالة" للمتظاهرين، وبأنهم ينفذون "محاولة اليسار قلب نظام الحكم"، وهو ما زاد من احتقان الشارع وفجر موجة غضب دفعت بالعديد من المحتجين إلى قطع طرق المدن. 

ويعتقد الرئيس دوكي أن الدفع بآلاف الجنود بحجة "إزالة الحصار"، كتوصيف لقطع الطرقات ولكسب تعاطف طبقة الأثرياء إلى جانبه، يمكن أن يؤدي إلى قمع الحركة في الشارع. حيث فرض النظام الحاكم في بوغوتا حظر التجول في كل ولاية فالي ديل كاوكا، التي تضم مدينة كالي، من السابعة مساء وحتى السابعة صباحا، ورغم ذلك، لم تتوقف الاحتجاجات. 

وينتهج الرئيس دوكي سياسة تتهم المعارضة في الشارع وقادة النقابات بأنهم ينفذون مشروعا إرهابيا في البلد. وزاد على ذلك في تصريحات له مساء الجمعة، مع اتساع الاحتجاجات وسقوط مزيد من الضحايا، أن "نشر الجيش سيضاعف قدرتنا على مواجهة الشارع ثلاث مرات تقريبا في جميع أنحاء الولاية (فالي ديل كاوكا)، وسيقدم الجيش المساعدة للشرطة والأمن المحلي في المناطق الحرجة التي شهدنا فيها أعمال تخريب وعنف وإرهاب".
 وجاء نشر الجيش بعد انهيار المفاوضات بين الحكم والنقابات، التي تتطالب بتحقيق مساواة وعدالة اجتماعية ومحاربة البطالة والفقر في البلاد.  

وكان محتجو كالي، بؤرة الاحتجاجات الكولومبية، قد شعروا بالخيانة، بعد أن دعا رئيس بلديتها خورخي أوسيبنا إلى "حوار بين المحتجين والحكومة والمجتمع، وإلا فدوامة العنف ستسمر"، ثم نشر الجيش الذي بات عنوان مواجهة عنف السلطة، وخشية محلية وإقليمية، في أنحاء أميركا اللاتينية، من أن يؤدي تدخل الجيش إلى عنف أشمل في بلد عانى نحو 4 عقود من حروب بين حركات ثورية متمردة والانقلابيين في البلد، قبل أن يتم التوصل قبل سنوات إلى توقيع اتفاقية سلام. 
إلا أن حالة الإحباط المنتشرة في البلاد كان أحد أسبابها غياب تنفيذ ما نصت عليه الاتفاقية، ووعود أطلقت في 2016 بتحسين ظروف الحياة والسعي نحو نظام عدالة اجتماعي ومحاربة الفقر.
ويقول ناشطون فلسطينيون ولبنانيون لـ" العربي الجديد" إن الفقر زاد مقابل ثراء طبقة مسيطرة في البلد، ومنهم من كان جزءا من مرحلة الاحتراب الأهلي، ويدير الأمور من الكواليس.  

ويخشى مراقبون أن يؤدي تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 7 في المائة خلال عام جائحة كورونا 2020، وتزايد الخسائر الاقتصادية خلال الربع الأول من العام الحالي، إلى تعمق أزمة الفقر والبطالة والغلاء المعيشي، وغياب أفق لحلول يلمسها المواطن، وإلى اتساع نطاق الاحتجاجات، وانجراف الوضع إلى مواجهة مسلحة مع حركات رفضت توقيع اتفاقية سلام، ولا تزال تحتفظ بسلاحها في الجبال والغابات. 

وتحظى كولومبيا باهتمام دول الجوار وواشنطن، لتاريخها الطويل في حرب العصابات، ولاعتبارها بلد منشأ رئيس للمخدرات في القارتين اللاتينية والأميركية الشمالية. 

ويلقى خطاب الحكومة، الذي يصور الاحتجاجات بأنها صادرة عن "يساريين متطرفين"، دعما في واشنطن ولدى حكومات يمنية محافظة في وسط وجنوب أميركا اللاتينية. ورغم ذلك، يذهب مراقبون إلى اعتبار الاحتجاجات الشعبية جزءاً من الحراك الشعبي الذي شهدته وتشهده بعض دول القارة، كما شهدت فنزويلا وبوليفيا وتشيلي والإكوادور وغيرها، سعيا لتحقيق مزيد من المساواة في الفرص والعدالة الاجتماعية. 

ويعيش، على سبيل المثال، السكان الأصليون في بعض دول أميركا اللاتينية ظروفا صعبة، بعضها يصل إلى حد الشعور بالتهميش، كما في بوليفيا وتشيلي اللتين شهدتا بالفعل مشاركة واسعة للشعوب الأصلية في الاحتجاجات التي اندلعت في خريف 2019 وبداية 2020. 

وعلى عكس ما شهدته الجارة الجنوبية تشيلي من نتائج لحركة احتجاجية، فجرها قرار زيادة أسعار تذاكر المترو في 2019، بالذهاب إلى حل سياسي لصياغة دستور جديد، لإزالة عوائق وضعها حكم الديكتاتور السابق أوغستو بينوشيه تجعل من المستحيل تحقيق قوانين عدالة اجتماعية، وهو ما صوتت له أغلبية شعبية في استفتاء شعبي، بانتخاب هيئة دستورية من 150 شخصا، شملت السكان الأصليين والنساء، فإن وضع كولومبيا أكثر تعقيدا من تعنت الرئيس المحافظ إيفان دوكي وداعميه من خلفه، لتحقيق مطالب الشارع، والانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي حقيقي. 

ويعيش أكثر من ثلثي سكان كولومبيا (نحو 50 مليون نسمة وفق إحصاء 2020) على حافة الفقر، حيث يكافح الناس بشكل يومي من أجل البقاء على قيد الحياة، فيما تهيمن حفنة صغيرة من الأثرياء على ثروات البلاد، ما جعل الإحباط يتحول إلى حالة من الكراهية الموجهة للسلطة المتحالفة مع تلك النخبة الثرية، وخصوصا معسكر الرئيس السابق مانويل سانتوس، وكأن شيئا لم يتغير منذ أن وضعت الحرب أوزارها قبل نحو 5 أعوام، ووقعت اتفاقية السلام مع حركة "فارك" المسلحة، فيما أبقت حركات أخرى على سلاحها رافضة التوقيع على اتفاق سلام مع حكومة بوغوتا. 

وتعيش كولومبيا ظروفا صعبة بفضل تراكم فترة الحرب الأهلية، وتشكل ما يشبه مليشيات مسلحة إلى جانب الحكومة، اتهمت من منظمات حقوقية مختلفة، بما فيها منظمة العفو الدولية "أمنستي"، بممارسة أعمال عنف واختطاف وقتل ضد المحتجين، وذلك بالتعاون مع الشرطة، وهو ما يتهدد البلد بانزلاقه مجددا إلى حالة العنف المسلح، مع توالي تقارير "أمنستي" خلال الشهر الحالي عن عمليات اختطاف واعتداءات جنسية على يد تلك المليشيات بحق المتظاهرين.

وأبلغت نساء كولومبيات شاركن بالتظاهرات عن تعرضهن للاعتداءات من قبل أفراد مليشيات يساندون الجيش في قمع الاحتجاجات، بحسب ما ذكرت تقارير "أمنستي"، ومن بينهن شابة تبلغ 17 عاما انتحرت بعد اعتداء جنسي عليها شارك فيه ضابط شرطة، وهو ما زاد نقمة المحتجين الذين يعرفون بقصة الشابة في منطقة كارتاخينا دي إندياس، أو قرطجنة، التي تقع في شمال البلاد، وأدى إلى تفجر الأوضاع فيها الأسبوع المنصرم. 
 

المساهمون