في الوقت الذي تزداد فيه عمليات تهريب المخدرات، لا سيما مخدر الكبتاغون إلى خارج سورية، يرى محللون وباحثون أن إيقاف عمليات التهريب الكبيرة يمكن أن يتم من خلال التحكم في الأموال التي تصل إلى النظام السوري، وكذلك من خلال الضغط عليه.
وبات الكبتاغون علامة مسجلة باسم رئيس النظام بشار الأسد والنظام السوري، بحيث غزا دول الجوار ومناطق متفرقة من العالم حتى وصل إلى أوروبا، وخرجت أصوات في الولايات المتحدة مطالبة بكبح هذه التجارة قبل وصولها إلى الشواطئ الأميركية.
تجارة الكبتاغون تزدهر
في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، قالت مديرة معهد "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات، كارولين روز، إن تجارة الكبتاغون "تتم إلى حد كبير خارج السجلات، لذلك من الصعب تحديد مقدار أرباح نظام الأسد بالضبط من مصدر الإيرادات البديل غير المشروع"، موضحةً أن "أفضل تقدير تم تقييمه حتى الآن، هو من (المرصد السوري للشبكات السياسية والاقتصادية)، والذي يقدر أن الشبكات المتحالفة مع النظام قد حققت ما لا يقل عن 7 مليارات دولار من التجارة في السنوات الثلاث الماضية".
وأشارت روز إلى أنه "من المعروف أن أكبر مراكز التصنيع تقع في عمق الأراضي التي يسيطر عليها النظام، والعديد منها يديرها أفراد مرتبطون بشكل وثيق مع عائلة الأسد والفرقة الرابعة وحزب الله".
وأشارت إلى أنه على الرغم من "العقوبات الغربية على المنتجين والمتاجرين، والضغوط من أصحاب المصلحة الإقليميين، فمن غير المرجح أن تقوم هذه الشبكات بتحويل الإنتاج إلى خارج سورية"، مضيفة: "تمتلك سورية بنية تحتية صناعية وتواطؤ حكومي وطلب إيرادات بديلة تساعد على جني الأموال"، وأكدت أن "تجارة الكبتاغون تزدهر".
وتعد الفرقة الرابعة، التي يقودها الضابط ماهر الأسد شقيق بشار، وحزب الله اللبناني الذي تدخل إلى صالح النظام في الحرب السورية، بالإضافة إلى مليشيات يحركها الحرس الثوري الإيراني، الجهات الثلاث الأكثر إمساكاً بملف صناعة وتجارة وتهريب الكبتاغون خارج البلاد، وحتى ترويجها في الداخل.
وقالت روز في المقابلة ذاتها إنّ الرياض وعمان ودبي شهدت ارتفاعاً طفيفاً في تهريب الكبتاغون خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن كان آخرها بعد تطبيع العلاقات مع الأسد في مايو/ أيار من عام 2023.
يشار إلى أنه جرى التطبيع مع الأسد، وإعادته إلى الجامعة العربية في أيار/ مايو من العام الماضي، بناء على المبادرة العربية – الأردنية للتواصل مع النظام القائمة على مبدأ "خطوة بخطوة"، كما أعيدت لاحقا العلاقات بين عدد من الدول العربية والنظام بشكل ثنائي.
وعندما أُعيد الأسد إلى الجامعة العربية، تم تشكيل لجنة وزارية عربية للتواصل مع النظام لحل عدة ملفات رئيسية، هي إعادة اللاجئين، وإخراج المليشيات الأجنبية من البلاد، وإقرار الحل السياسي بما يتماشى مع القرار الأممي 2254، بالإضافة إلى إزالة التهديدات الأمنية وبشكل رئيسي مسألة تهريب المخدرات إلى خارج الحدود، لكن النظام لم يقدم أي خطوات حقيقة لإزالة المخاوف العربية، بل على العكس، زادت عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن بعد إقرار المبادرة، ما دفع عمان إلى توجيه ضربات جوية داخل الأراضي السورية، ضد متهمين بتهريب المخدرات إلى أراضيها.
وأشارت "فوكس نيوز" في تقريرها إلى أنه ضُبط في الأردن 65 مليون قرص، و15 مليون قرص في السعودية، و86 مليون قرص في الإمارات، منوهة إلى أن "هذه الأرقام مجرد حفنة من الأرقام التي تعاملت معها دول الخليج العربية في السنوات الأخيرة مع تهريب مخدر الكبتاجون عبر المنطقة".
شراء الكبتاغون من الأسد لإيقافه
في ذات التقرير، يشير أندرو تابلر، الزميل الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إلى أنه "من غير المفاجئ أن الأسد لم يتخذ إجراءات صارمة ضد تجارة الكبتاغون"، منوهاً إلى أن الأردن نقطة عبور مهمة بالنسبة لهذا التجارة المقصود منها دخول دول الخليج، لكون عدم الاستقرار في العراق يقلل من فرص تمريرها من هناك".
لكن تابلر الذي نوه إلى أنه "يجب تحفيز الأسد لوقف إنتاج الكبتاغون أو الحد منه بشدة"، يقترح "سياسة الجزرة" كنهج للتعامل مع النظام السوري، مؤكداً أن الأسد يريد أموال إعادة الإعمار".
أما الطريقة الأخرى لوقف هذا السلوك، بحسب تابلر هي من خلال القوة العسكرية، وقد استخدم الأردنيون ذلك مراراً وتكراراً طوال العام الماضي.
وأظهرت دراسة "المرصد السوري للشبكات السياسية والاقتصادية"، التي أشارت لها روز، أن ريع الأموال لتجارة الكبتاغون للفاعلين في كل من سورية ولبنان بلغت 7.3 مليار دولار في الفترة ما بين 2020 و2022، أي بمعدل 2.4 مليار دولار للعام الواحد.
من جهته، قال الباحث الرئيسي في الدراسة وأحد مؤسسي المرصد كرم شعار، إلى أن معلومات الدراسة استندت بشكل رئيسي على أمرين، الأول المضبوطات في السنوات الأخيرة، والثاني السعر المتوسط للأسعار في البلدان التي تم ضبط شحنات فيها، مضيفاً لـ"العربي الجديد" بأنه "على "هذا الأساس تم تقدير هذه الأرقام التي تعد ضخمة، رغم أن الرقم متوسط، بناء على كل الفرضيات التي اتبعناها".
وحول ما إذا كان من الممكن للأسد أن يوقف تجارة المخدرات، أشار شعار إلى أنه "من الممكن ذلك، لكن هذا يرتبط بالثمن الذي سيطلبه بشار الأسد مقابل ذلك، والمقابل الكبير في صلب عقيدة النظام، وعلى هذا الأساس فإن الحرب مستمرة حتى اليوم".
ويعتقد شعار بأن الأسد يطلب من دول الخليج الضغط على الدول الغربية لإزالة العقوبات الغربية، وزيادة أموال التعافي المبكرة، ودفع أموال لإعادة الإعمار، وبحسب شعار فإن ذلك "من الصعب أن يتم، وبالتالي ستستمر هذه التجارة".