دعا الجنرال المتقاعد ومستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب السابق مايكل فلين، البيت الأبيض إلى إعلان حالة الطوارئ والاستعانة بالقوات المسلحة، لإجراء الانتخابات من جديد في الولايات الأربع التي حسمت النتيجة لصالح جو بايدن بحجة أنها كانت "مزورة".
واستند فلين في دعوته هذه إلى قانون 1807 الذي يجيز للرئيس استخدام هذه القوات "لقمع تمرد محلي". والتمرد هنا حسب هذا التعليل، أن الديمقراطيين قاموا بعملية "انقلاب" انتخابي لا بدّ من "إبطاله"، يدعمه في ذلك فريق من غلاة المؤيدين للرئيس من محامين وإعلاميين ونواب محليين وغيرهم، فضلاً عن قاعدة عريضة تصر بنسبة 77% على أن خصوم الرئيس "سرقوا" الانتخابات، وتدعو "لاسترجاع" الرئاسة مع التلويح بالعنف الذي ظهرت مؤخراً بعض تعبيراته في ولاية جورجيا والعاصمة واشنطن.
ويأتي هذا التهديد قبل شهر على النهاية الدستورية لرئاسة ترامب، وبعد استنفاد كافة السبل القضائية والسياسية – البرلمانية لشطب انتخابات هذه الولايات، وبعد مصادقة المجمع الانتخابي على النتائج.
ولم تبق غير موافقة الكونغرس على الانتخابات المرتقبة يوم 6 يناير/كانون الثاني المقبل، والتي باتت طريقها سالكة بعد اعتراف زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ السناتور ميتش ماكونيل بفوز بايدن، واعتزامه على تمرير الموافقة من دون اعتراض خلافاً لرغبة الرئيس.
ومع سقوط المراهنة على ورقة الكونغرس، التي لن تثمر حتى لو حظيت بتأييد بعض الجمهوريين لأنها مسألة إجرائية بكل حال، انتعشت لغة التلويح بخيار القوة، باعتبارها آخر العلاج الذي بلغ ذروته مع دعوة الجنرال فلين.
مع سقوط المراهنة على ورقة الكونغرس لأنها مسالة إجرائية بكل حال، انتعشت لغة التلويح بخيار القوة باعتبارها آخر العلاج
وكانت قد سبقتها مقدمات مهدت الطريق لترويجها، مثل تقديم فوز بايدن على أنه جرى على يد الأقليات، وأن "البلد صار بلدين لا يلتقيان وفي حالة حرب أهلية دائمة"، على حد تعبير منظّر اليمين المتزمت باتريك بيوكانن وآخرين من نفس الخط مثل صاحب البرنامج الإذاعي الشهير راش ليمبو والآخر مارك ليفين، الذين خصصوا معظم برامجهم المسموعة على نطاق واسع، للتركيز بلا هوادة على نقطة "التزوير" المزعوم في الانتخابات.
وكان يمكن أن تبقى هذه اللغة معزولة ومهمشة لولا الأوكسجين الذي يمدها به الرئيس ترامب المسمّر بموضوع الانتخابات، وبالإصرار على وجوب الإطاحة بنتائجها. فبعد كل ما جرى ما زال يعزف على نفس الوتر دون سواه. فهو غائب عن مجزرة كورونا التي تحصد أكثر من 3 آلاف أميركي يومياً، كما عن حملة التلقيح مع أنه كان بإمكانه تجييرها لرصيده. يطل بتغريدات متقطعة ومتعلقة في معظمها بالموضوع الانتخابي ذاته. مأخوذ كلياً بخسارة المعركة التي يقول المقربون إنه لم ولن يقوى على استيعابها. ناهيك بتجاوزها.
ولا يخفي البعض خشيته من احتمال أن ينحاز الرئيس تحت ضغط هذا الوسواس إلى خندق المنادين بخيار القوة والعنف، وبما يؤدي "إلى انهيار السدّ الدستوري" حسب المؤرخ الرئاسي والأستاذ الجامعي جون ميتشم.
وكثيرا ما يجري التعبير عن مثل هذا التخوف من خلال التحذيرات من تنامي نزعات "الاستئثار" و"ديكتاتورية الفرد" و"مصادرة السلطة" والجنوح نحو "الانقلاب على الشرعية"، إضافة إلى نبذ مبدأ "الانتقال السلمي" للحكم. مفردات كانت غريبة عموماً على القاموس السياسي الأميركي إلى درجة أن ثمة من راح يتساءل عما إذا كانت "الديمقراطية الأميركية قادرة على الصمود لعبور هذه المرحلة"، أم أنها "دخلت في طور تآكلها"؟
في الحالات العادية لا تشهد هذه المدة عموماً غير المتبقي من الإجراءات الانتقالية بين إدارتين. لكن الثلاثين يوما القادمة مختلفة. فهي "تحمل على القلق الشديد"، بتعبير الجنرال المتقاعد باري ماكفري. وتحذيره هذا يشاركه فيه كثير من المراقبين والمعنيين، ومنهم جمهوريون مثل السناتور ميت رومني، وذلك في ضوء توالي التسريبات والإشاعات عن خطوات غير اعتيادية يعتزم الرئيس اتخاذها، وتتراوح بين موجة إقالات جديدة مروراً بمفاجأة خارجية، وانتهاء باحتمال رفضه مغادرة البيت الأبيض يوم 20 يناير القادم.
طوفان التكهنات من هذا النوع يغذيه الرئيس بإشاراته المبطنة والمتقلبة، وبحيث تبقى احتمالاتها واردة.