استمع إلى الملخص
- المفاوضات بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة حول إنهاء مهمة التحالف الدولي وتحذيرات الفصائل المسلحة من استئناف العمليات العسكرية تعكس تعقيد العلاقات العراقية الأميركية.
- الدور الإيراني ومصالح الإطار التنسيقي الحاكم في العراق يشكلان عاملين رئيسيين في استمرار التهدئة، مع تأكيد على أن التهدئة ليست مفتوحة وقد تنهار إذا لم تتحقق الأهداف المرجوة.
دخلت تهدئة الفصائل العراقية مع أميركا شهرها الخامس، بعد وساطات داخلية وخارجية لإيقاف هجمات الفصائل المسلحة على المصالح الأميركية في العراق (وسورية)، وبعد سلسلة من الردود العسكرية الأميركية التي استهدفت مقرات لوحدات وفصائل عراقية مسلحة في بغداد وبابل والأنبار، وتسببت بمقتل قيادات وأعضاء بارزين في تلك الفصائل. وبعد خمسة أشهر من التهدئة، تبرز عوامل عدة لاستمرارها، وأخرى قد تؤدي إلى انهيارها، وهو ما لا يرجّحه متابعون.
أسباب تهدئة الفصائل العراقية مع أميركا
في الأول من شباط/فبراير الماضي، أعلنت جماعة كتائب حزب الله العراقية، تعليق عملياتها العسكرية ضد القوات الأميركية، بسبب ما قالت إنه "عدم رغبتها في إحراج" الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، لكن هذا الإعلان لم يمنع القوات الأميركية من اغتيال القيادي البارز في الجماعة، أبو باقر الساعدي، في السابع من الشهر ذاته، بقصف استهدف سيارة يستقلها شرقي بغداد، متهمة إياه بالتورط باستهداف مواقع أميركية داخل العراق وسورية (تحديداً بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين بقصف مسيّرة استهدف قاعدة أميركية شمال شرقي الأردن في يناير/كانون الثاني الماضي). على أثر ذلك، أوقفت فصائل أخرى هجماتها، دون إعلان رسمي، وأبرزها النجباء، وسيد الشهداء، وأنصار الله الأوفياء، وجماعات أخرى قالت إنها منضوية في ما سمته "المقاومة الإسلامية في العراق" (وذلك بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تاريخ هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة).
كاظم الفرطوسي: إذا لمسنا فشل المفاوضات بشأن إخراج الأميركيين، فستكون هناك عودة للعمل العسكري
لكن العودة للحديث عن تهدئة الفصائل العراقية مع أميركا وإمكانية استعادة هذه الفصائل هجماتها على المواقع الأميركية في المنطقة، تأتيان بالتزامن مع تزايد المخاوف من هجوم الاحتلال الإسرائيلي على منطقة رفح في غزة، واتساع نطاق جرائمه، ومواقف قادة الفصائل العراقية المنددة بذلك، إلى جانب تسجيل عدد من عمليات الاستهداف لمطاعم وشركات أميركية وبريطانية في العاصمة العراقية بغداد.
وحول مآلات التهدئة، رأى كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم كتائب سيّد الشهداء، أبرز الفصائل المسلحة في العراق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "فصائل المقاومة أعطت فرصة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني في ما يتعلق بملف إخراج الأميركيين (القوات الأميركية في العراق) وفقاً لاتفاق معيّن"، مضيفاً أن "هذه الفصائل تأمل بأن يكون هناك التزام ونتائج بعد خمسة أشهر". وحذّر من أنه "في حال لمسنا فشل المفاوضات بشأن إخراج الأميركيين، فستكون هناك عودة للعمل العسكري ضدهم من قبل الفصائل، وما زلنا نتابع ونراقب نتائج تلك المفاوضات بشكل مباشر ومستمر". ونفى الفرطوسي وجود علاقة للفصائل المسلحة بعمليات استهداف بعض العلامات التجارية الأميركية في بغداد، وقال إنها "بعيدة كل البعد" عن مثل هذه العمليات.
ونفذت جماعة "المقاومة الإسلامية في العراق"، التي تضم فصائل عدة مقربة من إيران، أبرزها كتائب حزب الله، والنجباء، وسيد الشهداء، والإمام علي، ما يقارب الـ200 هجمة متفرقة ضد القواعد الأميركية، كان أكثرها قسوة الهجوم بطائرة مسيّرة في 28 يناير الماضي، الذي استهدف قاعدة البرج 22 في الأردن، قرب الحدود السورية، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين.
مجاشع التميمي: ليس من مصلحة الإطار التنسيقي توتر العلاقات العراقية الأميركية منعاً لإحراج السوداني
ويوم الأحد الماضي، أكد رئيس "اللجنة العراقية العليا لإنهاء مهمة التحالف الدولي"، رئيس أركان الجيش الفريق عبد الأمير يار الله، مواصلة بلاده العمل مع واشنطن لتحديد سقف زمني لإنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق. وأضاف يار الله في مقابلة مع وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، أن "اللجنة العليا العراقية الأميركية (أعلن عن انطلاق أعمالها في يناير الماضي) مستمرة في العمل لإنهاء مهمة التحالف الدولي وعقدت اجتماعين خلال شهر مايو/أيار الماضي مع قوات التحالف الدولي"، مبيناً أن "اللجنة تركز الآن على جانب تحديد السقف الزمني لإنهاء مهمة التحالف في العراق". وأكد أن "المشاورات متواصلة"، وأن "هناك بعض التحديات وهي التي سترسم ملامح الوقت المحدد"، في إشارة إلى الانسحاب الأميركي العسكري من العراق.
رغبات إيران والإطار التنسيقي
الناشط السياسي المُقرب من التيار الصدري، مجاشع التميمي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "هدنة الفصائل العراقية مع أميركا يحكمها أكثر من عامل، لكن بالدرجة الأساس هو التوجه الايراني تجاه المصالح الأميركية في هذه الفترة، فمعلوم أن قواعد الاشتباك بين واشنطن وطهران واضحة جداً ولهذا جاءت الهدنة". وبيّن التميمي أن "الهدنة تحققت بعد التدخل الإيراني المباشر ولقاء (قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني) الجنرال اسماعيل قاآني مع قيادات الفصائل العراقية وقد توصلوا إلى اتفاق تهدئة لأن الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على طهران في مجالات متعددة، ولهذا اقتنعت طهران أنه ليس من مصلحتها حصول توتر كبير مع الجانب الأميركية".
وجاء ذلك برأيه "إضافة إلى أن الفصائل العراقية هي قريبة من قوى إطار التنسيقي الذي شكل الحكومة العراقية برئاسة السوداني ولذلك كانت هناك رغبة إطارية بحصول التهدئة لعدم إحراج السوداني لأنه ليس من مصلحة الإطار التنسيقي توتر العلاقات العراقية الأميركية في هذه الأوقات منعاً لإحراج رئيس الحكومة". لكنه أكد في الوقت ذاته أن "تهدئة الفصائل العراقية مع أميركا يمكن أن تنهار في أي وقت، فهي تتعلق بالتطورات والمواقف والمصالح، فلا ضمان على استمرار هذه الهدنة خلال المرحلة المقبلة".
وفي هذا السياق أيضاً، اعتبر عضو تحالف الإطار التنسيقي الحاكم في العراق، عائد الهلالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل منحت السوداني وحكومته فرصة ووقتاً للتفاوض على ملف إخراج القوات الأميركية، ولهذا جاءت تهدئة الفصائل العراقية مع أميركا في العراق طوال الأشهر الماضية، حتى لا تؤثر تلك العمليات على سير المفاوضات". لكنه أكد أن "التهدئة ليست مفتوحة، خصوصاً في حال لمس أي تسويف أو مماطلة أميركية في قضية الانسحاب عبر التفاوض، فالأكيد حينها أن العمليات العسكرية سوف تستعاد وتتصاعد كورقة ضغط على الأميركيين، فلا يمكن السكوت طويلاً على هذا التواجد، الذي أصبح خطراً يهدد أمن العراق واستقراره".
وتجري بغداد وواشنطن جولات من المحادثات المشتركة لإخراج قوات التحالف الدولي من العراق، إذ عُقدت الجولة الأولى، في 27 يناير الماضي، وأفضت إلى اتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لمراجعة مهمة التحالف وإنهائها، إلى جانب الانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية، وقد بدأت اللجنة أعمالها في 11 فبراير الماضي.
عائد الهلالي: التهدئة ليست مفتوحة، خصوصاً في حال لمس أي تسويف أميركي في قضية الانسحاب
في المقابل، استبعد الخبير في الشأن الأمني مخلد حازم، كسر تهدئة الفصائل العراقية مع أميركا والعودة إلى العمليات. وقال حازم لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظلّ حصول تطور بالجهود الحالية للوساطة وإنهاء الحرب على غزة، فستستمر التهدئة، حيث أن هذه أبرز الأسباب التي قالت الفصائل العراقية إنها تقف خلف ضرب القواعد الأميركية". أما السبب الآخر، بحسب حازم، لمنع عودة عمليات الفصائل ضد القوات الأميركية، فهو أن هناك لجنة عسكرية عليا مشكلة من قبل الجانبين العراقي والأميركي، حيث إن عمل هذه اللجنة سوف يستغرق وقتاً زمنياً طويلاً، فهي تتألف من ثلاث لجان مختصة، كل واحدة منها تبحث في آلية الوصول إلى قرار نهائي بشأن إنهاء مهام التحالف الدولي والانسحاب الأميركي من العراق، وعند انتهاء عمل تلك اللجنة سوف ترفع تقريرها النهائي الى الأمم المتحدة، التي لها لجان أيضاً ستبحث نتائج تقرير اللجنة المشترطة، ولهذا فإن الموضوع سوف يتأخر قليلاً".
كما أكد الخبير في الشأن الأمني، أن "عمليات استهداف بعض المطاعم والشركات الأميركية في بغداد، لا يعني كسر تهدئة الفصائل العراقية مع أميركا المتواصل منذ خمسة أشهر"، بل إن هذه العمليات برأيه "نفذت من قبل مجموعات تحاول إرسال رسائل ذات صبغة سياسية، وربما تكون من قبل أطراف على خلاف مع الحكومة وبعض الفصائل المساندة للحكومة، أو لإيصال رسائل للخارج، لكن كل المعطيات تؤكد أن عودة العمل العسكري ضد الأميركيين من قبل الفصائل أصبح من الماضي".
ولم تفض زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن، من 13 إلى 19 إبريل/نيسان الماضي، لأي نتائج حاسمة بشأن ملف خروج القوات الأميركية من العراق، وهو المطلب الأساسي لحلفاء إيران من قوى سياسية وجماعات مسلحة. وأعلن السوداني خلال لقائه الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع واشنطن.
ويوجد نحو 2500 عسكري أميركي في العراق، ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده واشنطن منذ سبتمبر/أيلول 2014، ويتوزع الجنود الأميركية على ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، هي قاعدة عين الأسد في الأنبار، وقاعدة حرير في أربيل، ومعسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد الدولي. وتضاف للقوات الأميركية، قوات فرنسية وأسترالية وبريطانية، تعمل ضمن إطار قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وأخرى ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العراق.