تنحية الجنرال ألكسندر لابين: خلافات بين العسكر والمليشيات الروسية

30 أكتوبر 2022
بوتين منح لابين لقب "بطل روسيا" (تويتر)
+ الخط -

تزايدت الأنباء، أمس السبت واليوم الأحد، عن إبعاد قائد المنطقة العسكرية المركزية في الجيش الروسي المسؤول عن العمليات في القطاع الأوسط في الغزو الروسي لأوكرانيا، الجنرال ألكسندر لابين، من منصبه، وهي أنباء، في حال صحّت، تكشف عن اشتداد الصراع بين جنرالات وزارة الدفاع الروسية من جهة، وحاكم الشيشان رمضان قديروف ومؤسس مجموعة "فاغنر" رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، المعروف باسم "طباخ بوتين" من جهة ثانية. كذلك، تفتح هذه الأنباء الباب على صراعات حادة بين هذين الفريقين، بعدما اقتصرت في الشهرين الأخيرين على سجالات في وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية النكسات المتتالية في معارك خاركيف ولاحقاً ليمان وخيرسون.

وكانت قناة "غروزني" الحكومية قد نقلت، أمس السبت، عن مصادر لم تحددها، أن لابين نُحي من منصبه. وفي وقت لاحق، ذكرت قناة "إر بي كا" الروسية أن مصدراً قريباً من قسم الكوادر في وزارة الدفاع أكد لها التنحية. ومن اللافت أن تكون إحدى أولى وسائل الإعلام التي أعلنت استقالة لابين هي محطة "غروزني" الحكومية، من دون الاشارة إلى مصدر المعلومات. وجاء الخبر بعد يوم من إقرار نادر لقديروف بفقدان 26 شيشانياً في المعارك الأخيرة.

في المقابل، نقل موقع "أورا. رو" عن مصادر في وزارة الدفاع الروسية، اليوم الأحد، أن لابين في إجازة في مدينة يكاترينبورغ، وسط روسيا، لمدة ثلاثة أسابيع. 

وأكد مصدر للموقع أنه لم تتم تنحيته من منصبه، وأنه يقضي إجازة نظراً لأنه حارب في الجبهة منذ بداية العملية العسكرية في 24 فبراير/شباط الماضي من دون استراحة. كما أكد المصدر الثاني، الذي وُصف بأنه مطلع على خطط القيادة العسكرية، أنه لا توجد أي نيّة لتنحية أو إقالة الجنرال لابين. وفي حين رفضت وزارة الدفاع الرد على تساؤلات الموقع حول حقيقة الإقالة، أكد مصدر ثالث للموقع أن "لابين قدم طلباً لإعفائه من قيادة قطاع "المركز" في أوكرانيا، وأنه لن يعود إلى الجبهة بعد انتهاء الإجازة".

وتعليقاً على الأنباء حول تنحية لابين، قال بريغوجين إنه "لا يوجد أي شيء مثير للدهشة في ما حدث". ونقلت وكالة "فان" التابعة له، اليوم الأحد، قوله: "لا أرى أي شيء يثير الدهشة هنا، لأنه عندما يتعب الأطفال من أي لعبة يقولون عادة إنها في بيت الألعاب ولا يلمسونها بعد ذلك. هناك وضع مشابه، فالجنود الاحتياط الذين جرت تعبئتهم هم من يضطرون للقتال، والنخبة لها غاية مختلفة".

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن، في 4 يوليو/ تموز الماضي، عن توقيع مرسوم بمنح لابين لقب "بطل روسيا" عن إنجازاته، وذلك أثناء لقاء بثته المحطات الروسية مع وزير دفاعه سيرغي شويغو، أُعلن فيه عن "تحرير" كامل أراضي لوغانسك عن أوكرانيا.

ولكن بعد نكسة الانسحاب الروسي من مدينة ليمان أوائل أكتوبر/تشرين الأول الحالي، انتقد حاكم الشيشان رمضان قديروف الجنرال لابين، واتهمه حينها، في تسجيل نشره على قناته في "تليغرام"، بأنه "لم يؤمّن الاتصالات والتفاعل والإمداد الضروري على صعيد الذخائر" للجنود الذين كانوا يدافعون عن مدينة ليمان. وتساءل عن الهرمية القيادية داخل الجيش الروسي وعن التقارير التي ترفع إلى بوتين، محذراً من أن "المحسوبيات في الجيش ستفضي إلى أمور سيئة".

كما كتب قديروف بعد هزيمة ليمان: "العار لا يكمن في عدم كفاءة لابين، المكلف بحماية المدينة، بل في أنه محمي من الأعلى من قبل قيادة هيئة الأركان العامة". وتابع: "لو تُرك الأمر لي، لعاقبته وجردته من ميدالياته وأرسلته ببندقية إلى صفوف القتال الأمامية ليطهر عاره بالدم".

ومعلوم أنه بعد ذلك بأيام، أصدر بوتين مرسوماً بترقية قديروف إلى رتبة جنرال ميجور في 5 أكتوبر في ذكرى عيد ميلاده الـ46. كلام قديروف حينها وجد دعماً من بريغوجين الذي قال على "تليغرام": "جميل يا رمضان، استمر في ذلك".

وفي 27 أكتوبر الحالي، عاد قديروف لانتقاد لابين، واتهمه بالمسؤولية عن اختراق الأوكرانيين خط الدفاع في اتجاه باخموت في دونيتسك، وأعلن عن الحاجة إلى تغييرات في الأفراد.

وأشار قديروف إلى أنه من أجل وقف تقدم العدو، تقررت إزالة دفاع مدينة روبيجني ونقل كتيبة معززة وسرية واحدة، وزاد: "طوال يوم كامل، لم تتمكن القوات المنتشرة هناك من العثور على مقاتلي لابين. كان علينا الدفاع عن أنفسنا ثم المضي قدما بنجاح".

وجاءت تعليقات قديروف أعلاه بعدما نشرت قناة بريغوجين على "تليغرام" رداً على سؤال حول تقارير إعلامية غربية عن وجود صراع بين بريغوجين ووزارة الدفاع. وفيه انتقد عمل الجنود والضباط في الجيش الروسي، وفي المقابل، امتدح مقاتليه الذين "يتصرفون بشكل فعال وخاضوا عشرات الحروب".

وزاد: "لا يسعني إلا أن اتفق مع رمضان أخماتوفيتش (قديروف). من الضروري العمل على الأخطاء، بما في ذلك الأخطاء التكتيكية والبشرية... دع الحرّاث (مرتزقة فاغنر) يواصلون العمل من أجل النصر وتقليل الخسائر، وأما العاطلون فيجب أن يتنحوا على الفور".

ويرى مراقبون أن الإقالة، إذا صحت، تؤكد من جديد الخلافات المتصاعدة بين أجنحة عدة مشاركة في الغزو الروسي لأوكرانيا، مع محاولة قديروف وبريغوجين تقوية مواقعهما لدى بوتين على حساب جنرالات الجيش الروسي ووزارة الدفاع، بعد النكسات العسكرية المتتالية لموسكو في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول. فبريغوجين يريد التقرب أكثر من بوتين عبر زيادة أعداد مرتزقة فاغنر وإثبات أنه شخص يمكن الاعتماد عليه أكثر لحسم الأوضاع في أوكرانيا.

وقد يكون بوتين معنياً بهذا الصراع حتى يتسنّى له تحميل المسؤولية عن الفشل في أوكرانيا لبعض الضباط والجنرالات وليس بسبب قرار الحرب بحد ذاته. وأيضاً فإن التنافس يمكن أن يجلب نتائج أفضل تمحو الصورة المهتزة التي ظهرت بها روسيا منذ الحرب مع تعثر عمليتها العسكرية، وزيادة قوة وإصرار الأوكرانيين في الدفاع عن أراضيهم، وتحقيقهم مكاسب على الأرض.

يُذكر أن لابين من مواليد عام 1964 في مدينة قازان، عاصمة جمهورية تتارستان الروسية، تولى منصب نائب قائد الجيش الـ58 كجزء من المنطقة العسكرية الجنوبية. ومن 2014 إلى 2017، كان النائب الأول لقائد المنطقة العسكرية الشرقية، وفي عام 2017 عُيّن رئيساً لأركان مجموعة القوات الروسية في سورية. أصبح لابين قائد المنطقة العسكرية المركزية في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. أثناء العملية في أوكرانيا، قاد مجموعة " المركز"، التي شاركت في معارك ليسيتشانسك، والسيطرة عليها.