لم تفض لجان التحقيق بقتل واستهداف المتظاهرين والناشطين العراقيين والتي مضى عليها نحو عامين، ضمن بنود البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، عن الكثير. ويؤكد مسؤولون عراقيون، أحدهم بوزارة الداخلية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، عدم حسم أكثر من 600 دعوى قتل وخطف تعرض لها متظاهرون وناشطون خلال موجة الاحتجاجات الشعبية التي عمت مدن جنوب ووسط العراق والعاصمة بغداد في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019 واستمرت لأكثر من عام.
لجان تحقيق بقتل المتظاهرين العراقيين بلا نتائج
ومطلع مايو/ أيار 2020، أعلن الكاظمي عن تشكيل لجنة تحقيق وزارية عليا بمشاركة عدد من الجهات الأمنية، للتحقيق بعمليات قتل المتظاهرين والناشطين وتقديم المتورطين فيها للقضاء، قبل أن يعود للتأكيد مرة أخرى بدء التحقيقات فعلياً في يونيو/ حزيران من العام نفسه.
وأشار يومها إلى أن عمليات القمع والإخفاء تمت "على يد أطراف مسلحة"، ولفت إلى "أننا بحاجة إلى صبر وتحقيق مهني لضمان العدالة"، كما تحدث عن إشرافه شخصياً على التحقيقات، مخاطباً ذوي ضحايا التظاهرات والناشطين بالقول إن "دماء أبناءكم لن تذهب سدى".
وأحيا الناشطون في مدينتي كربلاء وبغداد، الإثنين الماضي، الذكرى الأولى لاغتيال رئيس تنسيقية تظاهرات كربلاء، الناشط المدني إيهاب الوزني. وأصدرت والدة الأخير بياناً تداولته وسائل إعلام محلية، تطالب فيه بالكشف عن المتورطين بقتل نجلها.
كما اتهم مروان الوزني، شقيق الناشط المغدور، شرطة كربلاء بأنها "طمست الكثير من الأدلة" المتعلقة بعملية اغتيال شقيقه، مؤكداً أن "من حق ذوي الشهداء الاستمرار بالمطالبة الشعبية بالكشف عن المجرمين، لأن الحكومة لا تتواصل معنا إطلاقاً"، بحسب تصريحات أدلى بها للصحافيين في كربلاء.
مجموع من تم اعتقالهم وإدانتهم بجرائم قتل المتظاهرين واغتيال الناشطين وعمليات الخطف لا يتجاوز 30 شخصاً
أسباب تعيق التحقيقات بقتل المتظاهرين والنشطاء العراقيين
من جهته، قال مسؤول في وزارة الداخلية العراقية ببغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "مجموع من تم اعتقالهم وإدانتهم بجرائم قتل المتظاهرين واغتيال الناشطين وعمليات الخطف لا يتجاوز 30 شخصاً، بينهم عناصر من الجيش ووزارة الداخلية، مع عدد من عناصر جماعات مسلحة أغلبهم في البصرة".
وأكد أن "الأشخاص الذين تم حسم التحقيقات معهم أو الذين يخضعون فعلياً للتحقيقات متورطون أو يشتبه بتورطهم في أقل من 5 بالمائة فقط من جرائم القتل التي شهدتها المدن العراقية خلال موجة الاحتجاجات".
وأرجع السبب في ذلك "لوجود صلة مباشرة بين الكثير من عمليات القتل والاغتيال التي حصلت وفصائل مسلحة وشخصيات بارزة في حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي"، مشيراً إلى أن "هناك ملفات جُمّدت لأن التحرك بشأنها وتنفيذ أوامر إيقاف بحق المشتبه بهم فيها قد يعنيان أزمة سياسية أو توتراً أمنياً جديداً بين رئيس الوزراء الحالي وفصائل مسلحة معروفة".
وفي نهاية مايو من العام الماضي، اعتقلت القوات العراقية القيادي بـ"الحشد الشعبي" قاسم مصلح بتهمة الوقوف وراء عمليات قتل ناشطين مدنيين في النجف، من بينهم إيهاب الوزني.
ودفع هذا الأمر يومها بمليشيات مسلحة إلى محاصرة المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة ومبنى جهاز مكافحة الإرهاب، ملوحين باقتحامها في حال عدم إطلاق سراح مصلح، وهو ما اضطرت الحكومة للاستجابة له لاحقاً.
ومنذ مطلع العام الحالي، توقفت الحكومة العراقية عن الإدلاء بأي تعليقات مرتبطة بملف قتل واستهداف المتظاهرين والناشطين، باستثناء خطوتها الأخيرة في منتصف الشهر الماضي، بنقل عدد من جرحى التظاهرات ممن استعصى علاجهم داخل البلاد إلى ألمانيا لهذا الهدف.
هناك صلة مباشرة بين الكثير من عمليات القتل وفصائل مسلحة وشخصيات بارزة في حكومة عبد المهدي
تفاصيل مهمة في إفادات حول قمع المتظاهرين العراقيين
بدوره، أكد مسؤول أمني آخر بوزارة الداخلية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، أنه "تم تحقيق تقدم في بعض ملفات المتورطين باستهداف الناشطين في البصرة والناصرية، لكن في بغداد وباقي المناطق لا يمكن القول إن هناك إنجازاً حقيقياً في الأمر".
وتحدث المسؤول عن "وجود إفادات لأفراد أمن ضمن قوات مكافحة الشغب والجيش، تتناول تفاصيل مهمة حول عمليات القمع التي حصلت، بينها تأكيدات على أن أوامر قمع المتظاهرين كانت تأتي من مكتب القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء حينها عادل عبد المهدي)".
ومن بين هذه الأوامر، وفقاً للمسؤول نفسه، "استخدام قنابل الغاز والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين في بغداد، في حال حاولوا عبور جسري الجمهورية أو السنك (على نهر دجلة) باتجاه المنطقة الخضراء، ولاحقاً التوسع لاستخدام الرصاص الحي ضدهم، حيث كان الاعتقاد أنه بمجرد سقوط عدد منهم، سينسحب الآخرون وتنتهي الاحتجاجات".
ولفت المتحدث نفسه إلى أن "إفادات ضباط وعناصر الأمن تؤكد وجود تورط مباشر لفصائل مسلحة بقتل متظاهرين واختطافهم، وأيضاً بعمليات الطعن بالسكاكين التي طاولت الكثير من المحتجين بعد خروجهم من ساحات الاعتصامات".
وختم بالقول إن "التحقيقات بعمليات قتل جماعية طاولت المتظاهرين في مناطق السنك والخلاني ومول النخيل ومستشفى الجملة العصبية ببغداد، تم دمجها مع ملف التحقيقات بقمع التظاهرات ككل، من دون معرفة سبب ذلك".
مسؤول: أوامر قمع المتظاهرين كانت تأتي من مكتب القائد العام للقوات المسلحة
حصيلة ضحايا قمع الاحتجاجات العراقية
وبحسب أرقام غير رسمية صدرت عن منظمات حقوقية عراقية بينها مرصد "أفاد"، فقد بلغ عدد ضحايا التظاهرات وعمليات اغتيال الناشطين منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ولغاية يناير/ كانون الثاني 2021، أكثر من 760 متظاهراً، أصغرهم فتى في الرابعة عشرة من العمر سقط في الأيام الأولى للتظاهرات ببغداد.
كما جرى تسجيل إصابة نحو 27 ألف متظاهر، إصابات معظمهم متوسطة وبسيطة، لكن هناك ما لا يقل عن 900 متظاهر سترافقهم إعاقات دائمة وتشوهات ومشاكل صحية مدى الحياة. وتتصدر بغداد والناصرية والبصرة القائمة لناحية أكبر عدد من الضحايا.
والأسبوع الماضي، كتب الناشط المدني رحيم الجون، الذي أصيب خلال تظاهرات مدينة الناصرية، جنوبي العراق، بنيران قوات الأمن، منشوراً على حسابه بموقع "فيسبوك"، بعد أيام من وصوله إلى ألمانيا للعلاج، قال فيه إن "الأطباء في ألمانيا أبلغوه بأنه لن يتمكن من المشي طوال حياته".
عودة الاحتجاجات العراقية مجدداً؟
من جانبه، قال رئيس حركة "امتداد" المنبثقة من الاحتجاجات علاء الركابي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ملف التحقيق بقتل المتظاهرين واحد من أسباب النقمة السائدة حالياً في القواعد الشعبية للمتظاهرين، وقد يكون السبب الأبرز الذي سيدفع لعودة الاحتجاجات مجدداً".
الميزان: سيبقى الملف مفتوحاً من دون نتائج
ولفت إلى أنه "سلّمنا للسلطات الأمنية في وقت سابق جملة من الملفات التي تتوفر فيها الكثير من المعلومات، إضافة إلى دفعنا لها نحو تنفيذ ما أصدرته لجان التحقيق من أوامر قبض بحق مسؤولين في الدولة"، متهماً "جهات سياسية"، لم يسمها، بأنها "تسعى إلى تجميد لجان التحقيق بقتل المحتجين".
إلى ذلك، أشار الباحث في الشأن السياسي العراقي كتاب الميزان، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "اللجان التي تشكلت للتحقيق بحوادث قتل المتظاهرين أو غيرها، لم تصل إلى نتائج كاملة كونها تصطدم بالوجود السياسي".
وأوضح الميزان أن "هذه اللجان تواجه صعوبات وعراقيل من قبل جهات سياسية وفصائلية، ونتائج التحقيقات ستؤدي إلى أزمة بين هذه الجهات، وبين الحكومة والقضاء. كما أن الفصائل المسلحة لن تسمح بأن يتم اعتقال أي من عناصرها أو قادتها، لذلك سيبقى الملف مفتوحاً من دون نتائج".
وختم بالقول إن "ما هو مؤسف هو استغلال بعض الجهات السياسية هذا الملف، واللعب على عواطف ذوي الضحايا".