على الرغم من أن مجلة "ذا تايمز" اللندنية كشفت أخيراً أنه سبق لرئيس "الموساد" يوسي كوهين أن أبلغ قادة من العرب قبل عامين، بأن إسرائيل ترى في تركيا مصدر تهديد يفوق إيران؛ فإن هذه القناعة لم تتسرب من قبل نخب إسرائيلية إلا في الوقت الراهن، من خلال مقاربة اتجاهات السياسة الخارجية لأنقرة.
ويرى الكاتب الإسرائيلي جاي إيلستر، في تحليل نشره موقع "والاه"، أن اتساع رقعة التدخلات التركية أفضى إلى تسلل الإدراك لدى المسؤولين الإسرائيليين بأن تركيا يمكن أن تتحول إلى خطر يفوق الخطر الذي تمثله إيران، مشيراً إلى أن أنماط السلوك التركي جعلت أنقرة تبدو حتى أخطر مما دار في ذهن كوهين عندما أطلق تحذيره.
وقال إيلستر: إن هذه القناعة تكرست أيضاً لدى قادة دول خليجية، باتوا يرون أن المشكلة لا تتجسد في إيران وسياساتها، بل أيضاً في تركيا التي عبّرت عن رفض علني لاتفاقات التطبيع مع إسرائيل. ورسم إيلستر صورة سوداوية في كل ما يتعلق بفرص مواجهة تركيا بسبب ما وصفه بـ "الشلل" الذي أصاب المؤسسات الأوروبية ونتاج التوجهات "الانعزالية" التي تتسم بها السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وادعى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستغل تفشي وباء كورونا، وما رافقه من اضطراب في النظام العالمي لتكريس مشاريعه الإقليمية ووضعها موقع التنفيذ، وتحديداً في ظل عجز الدول الأوروبية عن مواءمة سياساتها مع هذه التحولات، وتمسكها بالتوجهات القديمة التي لا تصلح للتعاطي مع الواقع الجديد، وفق الكاتب الإسرائيلي. الذي يرى أن تركيا باتت تلعب من خلال عضويتها في حلف شمال الأطلسي دور حصان طروادة، عبر تحدي مصالح هذا الحلف والدول المشاركة فيه.
ولفت إيلستر إلى أنه على الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو زار اليونان في مؤشر للتضامن معها؛ فإن ترامب في المقابل لا يخفي إعجابه بأردوغان، ولم يتردد في السماح له بأن يعمل ما يحلو له في شمالي سورية. ومع أن إيلستر يشيد بموقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يحرص على مواجهة تركيا في كل الساحات؛ فإنه يشكك في جدوى هذا السلوك لعدم انضمام القادة الأوروبيين الآخرين إليه.
ومما يعزز من قدرة تركيا على المناورة، كما يلاحظ إيلستر، أنها لا تتردد في مساعدة حلفائها، بعكس أوروبا، مشيراً إلى وقوفها إلى جانب حكومة الوفاق الليبية ونجاحها في منع سقوط العاصمة طرابلس، وذلك في مواجهة خليفة حفتر، الذي يحظى بدعم الإمارات ومصر وروسيا.
تكرست قناعة العداء لتركيا لدى قادة دول خليجية، باتوا يرون أن المشكلة لا تتجسد في إيران وسياساتها، بل أيضاً في تركيا التي رفضت تطبيعهم مع إسرائيل
أما الرهان على دور روسيا في احتواء الدور التركي، فهو رهان غير واقعي، في نظر إيلستر، الذي رأى أنه على الرغم من أن تركيا وروسيا تتواجهان في كل الساحات الإقليمية؛ فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معني بالاستثمار في العلاقة مع أردوغان على اعتبار أن ذلك يسهم في إضعاف حلف الأطلسي ويمس بتماسكه.
ويشير الكاتب إلى عدد من مظاهر السلوك التركي "التي تمثل تحدياً لإسرائيل"، ومنها إعلان أردوغان لدى افتتاحه جلسات مجلس النواب التركي الأسبوع الماضي أن "القدس تابعة لنا"، واجتماعه بقادة حركة "حماس" الذين يصنفون ضمن "قائمة الإرهاب" الأميركية، واستضافته جلسات الحوار بين حركتي "فتح" و"حماس".
أما دان شيفطان، مدير "مركز دراسات الأمن القومي" في جامعة حيفا، فرأى وجوب أن تتعامل إسرائيل ودول المنطقة وأوروبا مع تركيا كـ "عدو"، على اعتبار أنها في حالة عداء مع مصر والأردن والسعودية والدول الخليجية وإسرائيل وقبرص واليونان، وفق قوله.
وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، تبنى شفطان تصور إيلستر، بأن الموقفين الأميركي والأوروبي يوفران بيئة تسمح لتركيا بمواصلة اتجاهات سياستها الخارجية الحالية، لكنه لاحظ أن إسرائيل لا تتعامل مع تركيا من منطلق "تقدير مستوى الخطورة" التي تمثلها سياسات أردوغان. وحذر شفطان من أن أردوغان بات يمثل خطراً على بقاء حلف الأطلسي، وعلى "الاستقرار الثقافي والسياسي" في أوروبا، وعلى المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل.